السمة الأبرز في الصحوة الإسلامية هي النزعة الجهادية العالية، فقد بات حضور الفريضة الغائبة «الجهاد»، كما تسميها الفصائل الإسلامية (كالجهاد الإسلامي)، كثيفاً وطاغياً. إن الرصيد الذي لا ينضب من «الاستشهاديين» وتحول العمليات الانتحارية من قبل أنصار هذه الجماعات إلى ممارسة يومية وخبر بارد وروتيني في نشرات الأخبار، يكشف أمرين: الأول هو سيطرة الجانب العقيدي وتحديداً ما يعتقد الانتحاري أنه شراء الآخرة بالدنيا، والثاني، وهو مشتق مباشرة من الأول، هو الطاقة التعبوية الهائلة التي تحوزها الجماعات الجهادية. ولعل هذه الطاقة الجاهزة وقليلة الكلفة، تفسر جزئياً سرعة نشوء وثبات هذه الجماعات ونجاحاتها في صراعات غير متكافئة ضد آخر مغاير لاسيما دينياً. ولنلاحظ أن العدو في كل من العراق وفلسطين وجنوبلبنانوأفغانستان، حيث تثبت هذه الجماعات وتحقق نجاحات، ينطبق عليه ذلك. استخدمت الحكومات السودانية المتعاقبة بنجاح فتاوى «الجهاد» في جنوب السودان لمواجهة متمردي الجنوب غير المسلمين. ● ياسين الحاج صالح أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟ من الواضح أن الدين كدعامة للهوية يتوافق مع الكيان السياسي التاريخي الذي ننظر إليه كحامل للدولة حين نفكر فيها كسلطة. بل قد يكون الدين أهم دعامة للكيان، كما هو الحال بخصوص باكستان وإسرائيل. قد تتعلمن هذه الدول تماما، وإسرائيل علمانية الآن، لكن يبقى الدين سند كيانها وحامل قوميتها. في الحالة الإسرائيلية، نرى علمنة الدولة كمؤسسة حكم وتعزيز دينية الدولة ككيان سياسي تاريخي. وقد نرى أن الوجه الثاني يتغلب على الوجه الأول، إلى درجة المساس بالمساواة التي تترتب على العلمانية. من مفهومها لذاتها نفسه، وليس فقط من مقتضيات حالة الصراع مع العرب، ينبع تمييز إسرائيل ضد غير اليهود. هذا ما يجعل الصراع ذاته جوهريا وغير عارض. على أن إسرائيل حالة حدية لكونها تقوم على مطابقة الدين والقومية، أي لكون انفصال الدولة ككيان عن الدين يقوض الدولة كسلطة.
● فادي العبدالله هل يمكن للأحكام الدينية الإسلامية أن تستحيل قاعدة قانونية؟ من الطبيعي أن تستمد المجتمعات أحكامها من إرثها وما ألفته زمناً طويلاً أو مما تعتنقه، لكن إدخال هذا الإرث المألوف، أو المستعاد أو حتى المتخيل، إلى إطار القانون يستوجب إخضاعه لمعالجة جذرية تجعله يقبل بشروط هذا الإطار الجديد ومنطقه. يتطلب هذا من القائلين بأن العودة إلى الإسلام هي الحل أن يتقدموا، ليس فقط بمشاريع قوانين واضحة ومحددة ومقنعة تشير إلى تفاصيل هذا الحل المقترح، لا إلى مصدره السماوي، وأن تسفر عن نشاطهم هذا مراجعة تقودهم إلى القبول بإمكانية التراجع عما يقترحون، حتى بعد إقراره، إذا ما ارتأى المجتمع ذلك، والانتباه أخيراً إلى أن الدولة هي مصدر التشريع، وهي ليست دولة منعزلة عن كوكب آخر، بل هي ذات التزامات دولية ينبغي احترامها والتوفيق بينها وبين المشاريع المقترحة على قاعدة مبادئ المنطق العقلي الثابتة، لا الحكمة الإلهية التي لا تُطال ولا تنال، ولا نملك شيئاً حيالها.
● السموأل راجي
التنظيم الدولي للإخوان يجدد تحالفه مع القاعدة ليس من قَبيل التَجني على تنظيم الإخوان الجزم بأن جذور الإرهاب والتطرف والتكفير والقتل في الفترة المعاصرة نابعة من رحم الجماعة نفسها منذ بعث «التنظيم الخاص» داخل الإخوان بأمر من حسن البنا وإشراف من عَبد الرحمان السندي، وفكريا أصل تلك الأعمال «الإمام» المؤسس ونظر لها سيد قطب مسؤول اللجنة الإعلاَمية في الجماعة منذ 1953؛ وعبر مسار الإخوان منذ 1928 لَم تجتث منها ذهنية التّكفير ومقولات الجهاد حتى في السيوف المتَقاطعة في رايتهم الخضراء وتحتَها: «وأَعِدُّوا..»، خَرجت منهم وبهم الجماعات «الإسلاَمية» وتنظيم الجِهاد وأسس عضو منهم هو عبد الله عزام معسكرات الباكستَان للقتال في أفغانستَان وبرزوا في حروب أهلية إنتَشرت في التسعينات بعد عودة المقاتلين من قندهار ومزار شريف لتنفجر الأقطار العربيَّة بِأَيادِيهم. ومبَاشرة بعد الثورات الشعبية إبان عام 2011 صعَدوا بِتأطير وتَوجيه من أميركا للسلطة ليعود شبح حروب أهلية دماء سابقاتها لم تجف؛ وآخر فظاعات التنظيم الدولي للإخوان اللقاء بين الأمين العام إبراهيم منير وإسماعيل السامرائي أحد مسؤولي القَاعدة في العراق وأسامة الموصلي والأمير أبو مقْداد وتَفَاصيل الصفقة خطيرة بِنَفسِ خطورة المخطط المعد لتونس حال الإعلان عن الحكومة الجديدة.
● سلامة كيلة الأصولية والتقدم في بداية القرن الماضي، والأفكار الحديثة تتسرب إلى الوطن العربي، حاولت قوى تعتقد بأنها الدين ذاته، أو أنها حامي حماه، أن تواجه هذه الأفكار انطلاقا من فكرة أن لنا «خصوصيتنا» ولنا «ديننا الحنيف»، وبالتالي انطلاقا من أن تلك الأفكار مستوردة، وأنها غريبة عن «تكويننا»، وضارة ب"ديننا". بمعنى أن هذه القوى المتمسكة بالماضي، وبالنظام الاقتصادي الاجتماعي والسياسي القائم، عملت على أن تظل منظومة من الأفكار متوارثة من عصور الانحطاط، ومعبّرة عن بنى اقتصادية اجتماعية إقطاعية، وأن تبقى هذه المنظومة هي السائدة، لكي تظل مجمل البنى الاقتصادية الاجتماعية والسياسية تلك هي السائدة. لهذا ردت أيديولوجيا، أي عبر خطاب أيديولوجي يحلل ويحرم ويحكم بالردة، وكانت السلطة هي الحكم في ذلك. ولقد توضح ذلك في المعركة ضد كتابي «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق، و«في الشعر الجاهلي» لطه حسين، حيث ترافق الهجوم الفكري مع تدخل السلطة عبر القضاء ومؤسسة الأزهر، خصوصا وأن هذه الأيديولوجيا هي أساس القانون الناظم للمجتمع.