ذكرت صحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية أن تراجع دور الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، يفسح الطريق لروسيا، القوة المنافسة لها، التي لطالما انخرطت معها في تنافس عالمي على النفوذ والهيمنة. يأتي ذلك بعد الزيارة التاريخية للمشير عبد الفتاح السيسي، النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربي، لموسكو منذ عدة أيام، والتي كانت تركز على إتمام صفقة سلاح روسية لمصر، فيما يعد توجهًا مصريًا نحو الشرق ردًا على تعليق المساعدات الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن الشرق الأوسط الحديث الذي تشكل من حطام الإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى، كان لابد له من إيجاد قوة أخرى تضمن استقراره، عن طريق تحجيم مطامح الهيمنة عليه مرة أخرى سواء من قوى أخرى في الداخل أو الخارج. وأضافت أن بريطانيا لعبت هذا الدور خلال الخمسينيات، لكن المنطقة انقسمت مع أواخر الستينيات بين قوتين متنافستين، بريطانيا والاتحاد السوفيتي، فيما كانت الولاياتالمتحدة تلعب دورًا خفيًا من وراء الكواليس بين الحين والآخر، وبحلول 1980 وبرغم سقوط النظام الموالي للغرب في إيران ظلت أمريكا هي الضامن الأساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ولفتت إلى أنه قبل أربعين عامًا من الآن، أنهى الرئيس المصري الراحل أنور السادات التحالف المصري السوفيتي، في واحدة من أبرز نقاط التحول في فترة الحرب الباردة، في خطوة قاربت تكتل الشرق الأوسط من الولاياتالمتحدة، وتمخضت عن اتفاق كامب ديفيد، وفشل الثورة الروسية في الخليج العربي، وضعف النظام الشيوعي في جنوباليمن، واحتواء النظام البعثي في سوريا والعراق. وأوضحت أن مساعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إظهار سياسة خارجية بعيدة كل البعد عن الإمبريالية، لم تنجح سوى في إقناع العديد من الفاعلين في الشرق الأوسط، أن غياب أمريكا عن الشرق الأوسط واقع فعلي، وليس فكرًا نظريًا، بعد خمس سنوات من رئاسته، تلقف خلالها كل فرصة لإظهار عدم رغبته في فرض الوصاية الأمريكية على الشرق الأوسط. وأوضحت أن غياب الولاياتالمتحدة عن الشرق الأوسط أحدث فراغًا في القوى قد يمزق الشرق الأوسط، وينعكس بتداعيات غير متوقعة على استقرار الشرق الوسط وسلامته، ما عزز رغبة الشرق الأوسط في البحث عن قوة أخرى قادرة على التعامل وتحقيق نوع من توازن القوى، وهي القوة التي رآها البعض متجسدة في روسيا، وأنها بإمكانها إن لم يكن يتوجب عليها أن تقوم هي بهذا الدور. وقدمت «نيويورك بوست» الدلائل على النفوذ الأمريكي، ففي سوريا بدا أوباما وكأنه منح روسيا حق الفيتو للاعتراض على سياسات أمريكا وقراراتها، وفي إيران أبرمت واشنطن «اتفاق الإطار النووي»، متبنية فيها «صيغة الخداع» الروسية المعروفة، التي رفضتها إدارة بوش 2006، وبموجبها «ستمضي إيران في مساعيها النووية، سامحة للمراقبين الدوليين بإجراء تفتيش على بعض المواقع المختارة. كما قدمت المؤشرات التي توضح رجحان كفة روسيا في الشرق الأوسط، فأوضحت أن المملكة العربية السعودية، التي ظلت حليفًا قويًا لواشنطن منذ الأربعينيات، بدت الآن متحمسة لإقامة روابط قوية مع روسيا، حيث توجه الأمير بندار بن سلطان، رئيس جهاز الأمن والاستخبارات، إلى موسكو في زيارة غير متوقعة لإجراء مباحثات مكثفة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأشارت مصادر عربية إلى أن المباحثات تضمنت طرحًا سعوديًا يتعلق بتقديم السعودية جزء من وارداتها الضخمة من الأسلحة لروسيا، وإقامة مشروعات نفط وغاز مشتركة. وأضافت أن إيران قدمت «شروطًا تفضيلية» لروسيا من شأنها تشجيع الطرف الروسي على تطوير حقول بترول في بحر قزوين والخليج العربي، كما تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني عن «شراكة استراتيجية» بين طهرانوموسكو، من شأنها «تخليص المنطقة من نفوذ القوى البعيدة»، قاصدًا بها الولاياتالمتحدة، كما وجه ل«بوتين» دعوة لزيارة الجمهورية الإسلامية. وأدرفت أنه خلال الأشهر الستة الماضية استقبلت موسكو وفود عديدة من الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر، والكويت، والعراق، حيث تساور حكومات تلك الدول القلق من أن تتخذ الولاياتالمتحدة قرارًا بالتخلي عن قيادتها العالمية. وأضافت: وحتى باكستان ترأس رئيس وزرائها، نواز شريف، وفدًا توجه به إلى موسكو، لأجل إقامة علاقة تجعل لروسيا دورًا من شأنه «ضمان مستقبل باكستان»، كما بادرت تركيا، برغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي « الناتو»، بتدشين مفاوضات مع روسيا، لشراء أسلحة روسية، وأخيرًا جاءت زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لموسكو الأسبوع الماضي، لبحث اتفاق صفقة تسلح روسية، تعيد روسيا لمكانتها بالنسبة لمصر خلال السبعينيات. وواصلت: «وحتى الأطراف المنادية بالديمقراطية في سوريا، خلصت إلى أن روسيا قد تكون هي «القوة الموازنة» الجديدة، حيث ذهب أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري الوطني المعارض، على رأس وفد سوري إلى موسكو لبحث اتفاق يتعلق ببقاء «البنى الأساسية» للدورة السورية كما هي، فيما تلعب روسيا «دورًا رقابيًا» خلال المرحلة الانتقالية، والنتيجة أن روسيا ستفرض سياستها وتّبقي على نظام «الأسد»، مع تغيير طفيف في بقية الشخصيات والمسؤولين التنفيذيين. وهكذا خلصت الصحيفة إلى أن «كل الطرق في الشرق الأوسط تؤدي إلى روسيا».