حكومة المؤتمر الشعبي الحالية أكثر ذكاءً من زيد الشامي سابقاتها لأنها لم تنزل جرعاتها السعرية دفعة واحدة، بل جزأتها لتنفجر بشكل متسلسل كالقنابل العنقودية، فرفعت سعر البنزين بالتدريج، ورفعت سعر الغاز مرات متتالية، إضافة إلى رفع سعر إحدى وسبعين سلعة لصيقة بحياة عامة الناس، ورافق هذه الجرعات هبوط حاد في قيمة العملة الوطنية، وانخفاض مستوى دخل الفرد، وهكذا نجحت الحكومة غير الرشيدة – بتحويل حياة المواطن إلى جحيم، وما تزال تتوعد بالمزيد، ولم يصحب هذا القصف المكثف على المواطن أي معالجات أو حلول, فالفقر يزداد، والبطالة تتسع، والخدمات تتدنى!! الشيء الطبيعي أن يكون رد الفعل الشعبي قوياً، ومن كل فئات الشعب وشرائح المجتمع ابتداء بأساتذة الجامعات وانتهاءً بالعمال، لكن ذكاء السلطة هذه المرة لم يقف عند تجزئة الجرعة وإنزالها بدون إعلان، وإنما ظهرت العبقرية في اختلاقها معركة صاخبة ضد أحزاب اللقاء المشترك التي صارت هماً يؤرقها، ويمنعها الاستمتاع بتعذيب المواطن، وتحولت إلى تفجير قنابل دخانية موجهة لهذه الأحزاب ترميها بكل نقيصة وتحملها عجز أجهزة الدولة عن القيام بواجباتها الدستورية، وليس من مبرر لمثل هذا الضجيج والشتائم وإشاعة أجواء العداء والكراهية غير شغل المعارضة والقوى السياسية بالدفاع عن نفسها وتفنيد الأباطيل التي تقال عنها، ونسيان نتائج السياسات الخاطئة للسلطة التي لم تنجح في حل مشكلة أو الخروج من أزمة، فكل يوم هناك تآمر وتربص وأحقاد وضغائن .. إلى آخر قاموس مفردات الكراهية التي لا يمكن أن تبني وطناً للمحبة والسلام والتنمية..
الحملة أوضحت أنه لم يعد في جراب السلطة سهم ولا في جعبتها سلاح لترمي به من يعارضها إلا وأخرجته، حتى أنها لم تحتفظ بوقار شخصيات كبيرة كنائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى اللذين بدت خطاباتهما نشازاً عما عُرف عنهما، وكنا نتمنى أن يبقى في الدولة حكماء يساعدون على نزع فتيل الأزمات، لكن ما يحدث يدفع الآخرين للرد، والبادئ أظلم، وقديماً قالوا:
ومن دعا الناس إلى سَبِّه
سبُّوه بالحق وبالباطل!!
ومن الغرائب أن تطلب السلطة – التي بيدها مقدرات البلاد وقراراتها وإمكاناتها- من أحزاب اللقاء المشترك حل المشكلة الاقتصادية، وأن ترفع قيمة الريال، وأن تخفض الأسعار، بل تطالبها بالقبض على مطلوبين أمنياً!! هذا -وإن كان اعترافاً بالعجز- لكنه يدل على عدم الشعور بالمسئولية!!
المعارضة وهي اليوم متفقة أكثر من أي وقت مضى – وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني عليها أن لا تنشغل بأدخنة الشتائم والرد عليها بل يجب أن تنحاز للمواطن وهمومه، ومن ثم قيادته للتعبير عن غضبه واستيائه وتبني آماله وطموحاته بكل الوسائل الدستورية وهذا هو الميدان الذي يجب أن تهتم به.