تغير في الموقف الدولي من جماعة الحوثي.. وزير الخارجية يتحدث عن تغيير الموازين على الأرض قريبًا    بدون تقطيع.. بث مباشر مشاهدة مباراة الاتحاد والأهلي اليوم في دوري روشن    المبدأ أولاً ثم النجاح والإنجاز    وزير الإعلام يكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني للعام 1446 فمن هم الفائزون؟    مليشيا الحوثي تقتحم مستشفى الجبلي للعيون في مدينة إب وتنهب محتوياته    قوانين الأرض ومعجزات السماء    الله تعالى لم يبعث رسوله محمد غازياً بل بعثه مبلغاً وشاهداً ومبشراً ونذيرا وسراجاً منيرا    تناوله باستمرار.. نوع من الخضروات يخفض نسبة السكر في الدم إلى النصف    بدون تقطيع.. بث مباشر مباراة السد والريان بجودة عالية اليوم في الدوري القطري    استشهاد 57 فلسطينيًّا في القصف الإسرائيلي اليوم على قطاع غزة    وفاة 11 شخصاً وإصابة آخرين بحادث مروع في المهرة    البكري يتفقد سير العمل في ملاعب "الميناء، والروضة، والجزيرة" بعدن    مبادرة "انسجام عالمي".. السعودية تحتفي بالتراث اليمني لتعزيز التعايش والتفاهم الثقافي المشترك ضمن رؤية 2030    الرئيس العليمي يبحث مع السفير الأمريكي تعزيز التعاون ودعم الاستقرار وسط تداعيات الهجمات الحوثية    بث مباشر تويتر مشاهدة مباراة الشباب والوحدة اليوم بدون تقطيع في دوري روشن    نجاح مبهر لجولة كرة السلة العالمية FIBA 3x3 في أبوظبي    اليمن يطالب بفرض إجراءات رادعة ضد الاحتلال تضمن توفير الحماية للشعب الفلسطيني    5 قتلى في المطلة جراء سقوط صاروخ أطلق من لبنان    نهاية القلق الغامض!    ريال مدريد يضع رودري على طاولة مفاوضاته في الموسم المقبل    العرادة يوجه بتنفيذ وسائل حماية المواقع الأثرية ويدعو لتضافر الجهود للحفاظ على الآثار    لماذا تجري أمريكا انتخاباتها يوم الثلاثاء؟    وفاة عامل في حفرة للصرف الصحي جوار البنك المركزي بعدن    شجاعة السنوار بين فلسفتين    إغلاق ثمان مدارس يمنية في مصر.. ومناشدات بتدخل عاجل    ما لا تعرفه عن الفنان المصري الراحل ''حسن يوسف'' ومشاركته في ''ثورة اليمن''    هجوم حوثي مباغت على مواقع عسكرية جنوب غربي اليمن.. وخسائر بشرية ومادية    ما الحكمة من دعوة النبي للطهارة مرة كل سبعة أيام؟    الدكتور عبدالله العليمي وبن مبارك يقدمان واجب العزاء للاستاذ عبدالحكيم القباطي بوفاة والدته    مضرابة المرق    فساد الشرعية أصبح يمارس بكل وقاحة وقبح أمام الكل    المسلمون الحقيقيون لا يمكن أن يُهزموا أبدا إلا هزيمة عابرة    نصيحة يافعية لأبناء يافع السلفيين    قصف جوي أمريكي بريطاني على محافظة الحديدة    تباين حاد في أسعار المشتقات النفطية بين المحافظات اليمنية.. صنعاء الأعلى، ومأرب الأقل    خطوة نحو تحسين صورة شرطة المرور الحوثي.. قرار بمنع صعود رجالها على السيارات    شرطة عدن تضبط متهمًا برمي قنبلة صوتية في الممدارة    الانتقالي يحذر من كارثة اقتصادية.. اجتماع طارئ لبحث أزمة عدن    أحزاب تعز تطالب الرئاسة والحكومة بتحمل مسؤوليتهما في انقاذ الاقتصاد الوطني    خدعة الكنز تودي بحياة 13 شخصاً.. حوثي يرتكب مجزرة مروعة في بني حشيش(تفاصيل جديدة)    الحوثي يستغل الشعارات الأخلاقية لابتزاز المجتمع.. صحفي يكشف عن علاقة "مصلحية مؤقتة" مع أمريكا    مشروب القرفة المطحونة مع الماء المغلي على الريق.. كنز رباني يجهله الكثيرون    (أميَّة محمد في القرآن)    عبد القادر رئيسا للاتحاد العربي للدارتس ... والمنتصر عضواً في المكتب التنفيذي    هل يرحل كريستيانو رونالدو عن النصر السعودي؟    قضية الشيكات المختفية.. من يضع يده على الحقيقة ومن يهرب بها في سيارة رسمية؟    وفاة 11 شخصًا في حادث مروري مروع بالمهرة    سُنن نبوية قبل النوم: طريقك إلى نوم هانئ وقلب مطمئن    قيادي في الانتقالي يتهم المعبقي ونائبه بانهيار العملة    الهلال الإماراتي يواصل دعم القطاع الصحي بحضرموت    تعز.. 44 جريحاً يتوجهون للعلاج في مصر    -    وفاة فتاة عشرينية عقب حقن جسمها بمادة غريبة في عيادة بصنعاء    عودة تفشي الكوليرا في تعز والسلطة المحلية تشكل فرقا ميدانية لمواجهة الوباء    تنويعات في أساطير الآخرين    البنك المركزي يبيع 18.4 مليون دولار في مزاد علني بسعر 2007 ريالا للدولار    سلفية اليمن يزرعون الفتنة بالجنوب.. إيقاف بناء مركز في يافع (وثيقة)    الأوقاف تعلن فتح باب التسجيل للراغبين في أداء فريضة الحج للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصدع الوحدة واستحالة الانفصال
نشر في براقش نت يوم 09 - 06 - 2010


قامت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر في وطن
عبد الباري طاهر
مدجج بالقبائل والأمية والسلاح، بلد طبقته الوسطى عماد الثورة والتحديث والديمقراطية ضعيفة ومنقسمة ومفتقرة إلى ما يسميه ماركس "الوعي بالذات".

انقسام القوى التقليدية مع نفسها جمهوريين وملكيين، النجدة القومية المصرية حمت الثورة والجمهورية، نقلت صراعاتها الداخلية إلى بيئة شديدة التخلف والتعقيد، وزعت السلاح على القبائل ودفعت بالمشائخ إلى "مجلس أعلى للقبائل" بدرجة وزير، وتنافست مع العربية السعودية وبريطانيا على شراء الولاء بالمال.

في الشمال استمرت الحرب 7 أعوام انتهت بهزيمة الملكيين وانتصار الجمهورية، ولكن الحرب نفسها التي انتصرت للثورة انتصرت أيضاً على معانيها العظيمة في الحرية والديمقراطية والعدالة والتحديث، حاربت قوى الثورة الآتية أو المنحدرة من الطبقة الوسطى: عمال، فلاحين، طلاب ومدكنين، مدنيين وعسكريين، ضد أعلى قوى الثورة المضادة. انتصار الثورة بالسلاح "خلق شرعية القوة"، وعاد بالقوة إلى منبعها الأصلي القبيلة. كان انقلاب الخامس من نوفمبر 1967 عودة بالقوة إلى نبعها (القبيلة)، سلمت قوى الجديد بالأمر لأنها منقسمة على نفسها، ولأن القبيلة مالت للتصالح مع نفسها مسنودة بالجوار (العربية السعودية) ومؤزرة بالهزيمة القومية لمصر وسوريا في 5/6/1967.

اختزلت شرعية الثورة التي كانت تعني الأهداف الستة، لتعني فقط شرعية الغلبة بجذرها المحافظ والتقليدي.

في الجنوب قادت الجبهة القومية الكفاح المسلح لتنتصر في ال30 من نوفمبر 1967، أي بعد انتصار القوى التقليدية في الشمال ب26 يوماً. انتهجت الثورة في الجنوب خطاً مغايراً يهتم بالعدالة الاجتماعية على حساب الحريات السياسية والديمقراطية التي قطع جنوب الوطن فيها شوطاً.

الواقع أن عدن منذ الأربعينيات قد أصبحت العاصمة الاقتصادية والفكرية والسياسية وحتى الأدبية لليمن كلها، وأبعد من ذلك. فقد نشأت الحركة العمالية فيها، وكانت تجارة اليمن كلها عبر موانئها، كما ازدهرت الصحافة والمجلات الفكرية والمطابع والأندية الأدبية والثقافية والسياسية، وتكونت فيها الأحزاب السياسية التقليدية: الأحرار (1944)، والجمعية العدنية والرابطة (1950)، والحديثة والليبرالية المؤتمر الشعبي في ما بعد والوطني الاتحادي وكلاهما امتداد للجمعية العدنية (1950)، وحركة القوميين العرب (1958)، والبعث في الجنوب (1956)، وفي الشمال (1958)، والتيار الماركسي (22 أكتوبر 1961).

كانت عدن في صحافتها ورجالها ونسائها خلفية انقلاب 1948، أو بالأحرى الحركة الدستورية، وجاء قادة الانقلاب من عدن إلى صنعاء مع بعض الفدائيين. أما عقب ثورة سبتمبر فإن الحرس الوطني الذي دافع عن الثورة والجمهورية قد جاء معظمهم من عدن ولحج والضالع وردفان، ومثلوا خط الدفاع الأول عن الثورة.

هؤلاء المقاتلون هم من أبناء المزارعين من مختلف مناطق اليمن، والعمال في الميناء والمصافي والمرافق الخدمية والتجارية في عدن.

قلل الكفاح المسلح، أو بالأحرى حرب المدن، وهو حق تكفله الشرائع السماوية والوضعية وقرارات الأمم المتحدة.. قلل أو أدى في ما بعد إلى الاستهانة بالنضالات السلمية والديمقراطية التي وفرت الأرضية الصالحة للمقاومة المسلحة.

لم يفرق الثوريون القوميون بين مقاومة المستعمر والصراعات الداخلية التي لا يمكن حسمها أو الاحتكام فيها إلى السلاح.

كانت قوة الجديد تتجلى في الحجة والمنطق وفي ديمقراطيته ورؤيتها للمستقبل، بينما كان ضعف القديم امتلاك السلاح والسلاح وحده بدون رؤية للآتي، انجرار قوى الحداثة والتجديد إلى لغة القوة والاحتراب أضعف حجته ومنطقه، ودفع به إلى مواجهة غير متكافئة ومن ثم مع نفسه، وهو ما أدى إلى الهزيمة في أحداث أغسطس في الشمال 1968، وفي الصراع بين الشمال والجنوب وداخل كل شطر على حدة.

الإنجازات الثورية التي تحققت في الجنوب

لا ينبغي أن تحجب عن أبصارنا الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها القيادة الثورية التي حققت الاستقلال، فغياب الأفق الديمقراطي ورفض مشاركة الآخر والقبول بالمختلف، والإجراءات الاقتصادية القاسية والمتطرفة وغير العلمية أو المدروسة قد دفعت بالتجار وأصحاب المهن والحرف والطاقات والكوادر الفنية والإدارية والسياسية والمالية إلى هجر الجنوب إلى الشمال ودول الجوار، وتركت الطرف المنتصر وحده في مواجهة مع الآخر، وبالتالي في مواجهة مع النفس.

استطاع التنظيم السياسي فرض الحوار والاندماج على فصائل اليسار في الجنوب.

الطليعة الشعبية واتحاد الشعب الديمقراطي كخطوة أولى، ثم فرض الصيغة على فصائل اليسار في الشمال طبقا لرؤية التوحيد لإدارة الثورة اليمنية.

الوحدة قاسم أعظم بين الاتجاهات السياسية

لم تكن "الوحدة" مطلباً ملحاً للأحرار والرابطة أو الأحزاب الخارجة من رحم الجمعية العدنية أو الجمعية الإسلامية الكبرى، وإنما طرحت الوحدة من قبل الحركة العمالية والأحزاب الحديثة القومية واليسارية.

كانت الوحدة عنواناً بارزاً في نضال الحركة العمالية والطلاب، وكان العام 1955 محطة مهمة في بروز هذا العنوان. فقد تأسست الجبهة الوطنية المتحدة كرد فعل على انتخابات المجلس التشريعي ومشاركة رابطة أبناء الجنوب فيها وحرمان أبناء الشمال من المشاركة في هذه الانتخابات. وقد تمكنت الجبهة من إفشال هذه الانتخابات لتصبح قضية الوحدة حقيقة سياسية في الحركة النقابية العمالية وفي الشارع السياسي في عدن، وبالتالي في التكوينات السياسية الحديثة: المؤتمر العمالي مارس 1956، وحزب الشعب الاشتراكي 1962، واتحاد الشعب الديمقراطي 1961، وحركة القوميين العرب 1959، وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وأصدرت اللجنة التنفيذية لمؤتمر طلبة اليمن الدائم بمصر في 23 يوليو 1956، بياناً يربط بين النضال ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب وضد الإمامة في الشمال، كأقوى تأكيد على الوحدة اليمنية. وقد نص البند الأول على:

1 - يؤكد المؤتمرون ويتمسكون بأن اليمن الطبيعية كيان واحد لا يتجزأ، وقضيتها قضية واحدة ذات كفاح واحد في سبيل التحرر الوطني، والوحدة الوطنية الشاملة.

واللافت أن العمال والطلاب من أهم مكونات وروافد الحياة الفكرية والسياسية في اليمن، ولهم دور كبير في تأسيس الأحزاب والحركات السياسية الحديثة.

كانت برامج وشعارات ومطالب الأحزاب الحديثة والحركة النقابية والطلابية في الغالب الأعم سلمية.

ويشكل كتيب "الوحدة اليمنية" الصادر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وثيقة مهمة لتحديد مواقف الأحزاب السياسية والشخصيات العامة في قضية الوحدة، وجل خلافاتها يرتكز من حول الأولويات.

كان موقف الطليعة واتحاد الشعب والعمل يتوسل بين مطلب الديمقراطية وتوسيع المشاركة وتحقيق مكاسب وإنجازات مادية في الجنوب، وتصعيد النضال ضد النظام الرجعي في الشمال.

كان النظام في الشمال حريصاً على إسقاط النظام في الجنوب أو على الأقل دفعه للتطرف والمواجهة المستمرة، بينما كان النظام في الجنوب هو الآخر، أو بالأحرى أطراف نافذة فيه مسكونة بهاجس وحدة أداء الثورة كخطوة أولى لإسقاط النظام في صنعاء.

كان الصراع بين النظامين في الشمال والجنوب يعبر حقيقة عن التنازل عن شرعية واحدة رغم اعتراف كل منهما بالآخر. بل كان الصراع بينهما يتضمن صراعاً خبيئاً داخل كل شطر، فالتفاؤل على الحدود الشطرية يعكس صراعاً محتدماً ما بين أقطاب النظام داخل الشطرين.

فقد أسهم الصراع بين الشمال والجنوب في إطاحة قحطان الشعبي في 22 يونيو 69، كما أدى الصدام المسلح عام 72 إلى إطاحة القاضي عبدالرحمن الإرياني والمجيء بالمقدم إبراهيم الحمدي، وكان مقتل الحمدي وسيلة لقتل أحمد الغشمي الذي استُغل مقتله للإطاحة بسالم ربيع علي، وكانت حرب 1979 الطريق الأقصر للإطاحة بعبدالفتاح إسماعيل، وكان استمرار الصراع الدامي في المنطقة الوسطى جانباً من الأرضية الخصبة لتفجير كارثة 13 يناير 1986.

إن الرئيس علي عبدالله صالح مدين بوصوله إلى الرئاسة لهذا الصراع الدامي بين الشمال والجنوب، أكثر من انتخابه في مجلس الشورى في 17 يوليو 1978. اللوحة الكالحة للصراع شاهد ترابط أحداث الشطرين واستحالة الفصل بينهما، وشاهد مأزق "الشرعية الثورية".

الوحدة وجه آخر للصراع!

بعد أكثر من 20 عاماً أدرك النظامان استحالة إسقاط كل منهما الآخر بالقوة، فكانت اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس 1972 وأعمال لجان الوحدة في ما بعد هي المخرج من مأزق حربين وصراعات دامية في المنطقة الوسطى استمرت قرابة عقدين.

كان التوجه السلمي والديمقراطي إنجازاً وطنياً وقومياً مهماً. وكانت الوحدة البداية الأهم للانتقال إلى الشرعية الدستورية بعد أن استنفد النظامان الشرعية الثورية، وحولاها إلى شرعية غلبة خالصة!

بسرعة غير معهودة صدر بيان ال30 من نوفمبر 1989 في عدن، وإنزال الدستور للشعب. وبدأ التحضير للوحدة التي أعلنت في ال22 من مايو 90. كان مجد الوحدة مقترناً أو مشروطاً ومتزامناً مع التحول للشرعية الدستورية وإعلان التعددية السياسية والحزبية وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية وكفالة حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية التي كفلها الدستور والقانون.

عجز النظامان الشطريان عن التحول إلى الشرعية الدستورية، وقد جرت في الجنوب محاولات متأخرة لإصلاح سياسي واقتصادي وديمقراطي، والانفتاح على الرأي الآخر تحت تأثير البروسترويكا في روسيا، واستجابة لتململ داخلي يرفض الاستمرار في نهج سيطرة الحزب الواحد، ولكنها خطوة ظلت محدودة. وقدم الشهيد جار الله عمر عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، دراسة مهمة تتبنى رؤية جديدة للتعددية السياسية والحزبية، قوبلت بنقد شديد وتحفظ أيضاً من نافذين في الحزب، وإن أقرت بعد ذلك بصورة أوضح. أما في الشمال فإن القبول بالتعددية السياسية والحزبية والحريات الصحفية بقي موضع شك وريبة بل رفض في السلوك والممارسة.

والحقيقة أن الشرعية الثورية وخيار القوة ظل قائماً بين الشريكين: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، على تفاوت. ففي حين جنح المؤتمر الشعبي العام إلى بناء القوة العسكرية خصوصاً في الجنوب، وأقام تحالفات أمتن وأقوى مع المجتمع الأهلي (القبلي) وتيار الإسلام السياسي بما فيه التيار السلفي الجهادي ومجموعات عديدة من أهمها جماعة بن لادن، فإن الحزب الاشتراكي وإن حافظ على "قوته العسكرية" بدون تطوير أو توسيع أو تحديث، فقد راهن أكثر على الأحزاب الحديثة والقوى الجديدة، وإن لم يتخلَّ نهائياً عن قوته العسكرية الخارجة من أنقاض 13 يناير الكارثية.

التحالف مع زعماء القبائل والتيارات الجهادية وبدء موجة الاغتيالات السياسية كان نقطة الانطلاق للاحتكام إلى خيار القوة، وكان رد الطرف الآخر (الاشتراكي) العودة للبحث عن إعادة بناء قوته المنهكة والمفككة، ودعم مؤتمرات قبلية لا تسمن ولا تغني.

جاءت انتخابات أبريل 93 لتؤكد بروز التحالف بين المؤتمر والإصلاح في مواجهة الاشتراكي، ورغم المظهر الديمقراطي للانتخابات إلا أنها جاءت في سياق التوافق على الاقتسام القديم -الجديد. ففي حين جرى اقتسام السلطة وفق الشرعية الثورية فإن الانتخابات قد عكست توافقاً على اقتسام جديد بين الشمال وبين الجنوب، أو بالأحرى بين المؤتمر والاشتراكي بانتخابات متوافق عليها. بمعنى أن الانتخابات "التشطيرية" لم تسهم في بناء الشرعية الجديدة "الشرعية الدستورية". كان الطرف الأقوى يتعجل التسريع بالمواجهة، ويدفع الطرف الأضعف لها، وبرعونة كبيرة استجاب رأس الحزب الاشتراكي للمواجهة.

حرب 94 كانت انقلاباً شاملاً على الوحدة الطوعية والسلمية، وهي -أي الوحدة- وإن لم يتشارك فيها كل الأطراف السياسية، إلا أنها قد مثلت نواة صالحة للبناء الديمقراطي وللانتقال للشرعية الجديدة.

ومثلت الحرب القطع مع سياق التحول الديمقراطي لتعود اليمن إلى نهج القوة والغلبة، و"شرعية القوة بدلاً من الشرعية الثورية" التي تحمل قدراً من القبول ونكوصاً عن "الشرعية الدستورية".

العودة لنهج الغلبة هي الخطيئة الكبرى لأنها تهدم المدماك الأساس الذي قام عليه بناء دولة الوحدة، وتعجز في الوقت نفسه عن الاحتفاظ بأي قدر من شرعية الثورة اليمنية: سبتمبر وأكتوبر، ذات الأفق القومي التقدمي. ومن هنا نلاحظ أن الحرب قد ضمت كل القوى التي خاضت صراعاً ضد أو مع الثورة والجمهورية في الماضي ومع الوحدة والتحول الديمقراطي والتحديث في الحاضر، تحالف العسكر مع زعماء العشائر والتيارات الجهادية التي تقاطرت إلى اليمن من مختلف أقطار العالم الإسلامي، هي الصانع الحقيقي لكارثة حرب 94، وهي بداية الأزمة الشاملة التي نشهد فصولها الدامية.

ولا مخرج غير التخلي وإلى الأبد عن نهج الغلبة والقوة سواء بالنسبة للحكم أو المعارضة أو أي طرف، والبدء في حوار جدي وشامل لا يستثني أحداً، ولا يستخدم تكتيكياً لأي نوع من الاقتسام أو للعبور إلى انتخابات تؤكد على تفرد طرف واحد ووحيد بالحكم، وتبقي على جذور الأزمة مشتعلة تحت الرماد أو فوقه.

المضي قدماً في خيار القوة طريق الدمار الشامل، وليس من خيار أمام الجميع في الحكم والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات، غير التحاور والتشارك بدلاً من الإلغاء والإقصاء والتهميش، ولا خيار سوى القبول بالتعدد والاختلاف والتنوع في حياتنا العامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.