بقلم : ريم العواضي كانت السادسة صباحاً من شهر رمضان، عندما عزمت على أخذ نظرة، في تلك الساعات، على الشوارع التي يطل عليها منزل جدي. كانت الشمس قد خرجت لتوها حتى يحظى ذلك الصباح البارد بشئ من الدفء. لم يكن هنالك سوى شوارع وحيده خالية من البشر. كان المنظر هادئاً يسوده بعض الغموض. بينما كان الجميع نائماً، كانت العصافير المغردة هي الوحيدة التي شاركتني هذة اللحظات. أحيناً نادرة قد ألحظ سيارة تمرعن بعد ، لكن غالباً، كانت الشوارع مهجورة. لكنني لاحقاً، لمحت رجلاً عجوز، منحنياً يحمل كيساً كبيراً على ظهره، و الذي خطى خطواته ليقترب أكثر فأكثر من عينيّ التي تراقبانه بفضول كبير. إستخدمت كاميرتي لأخذ نظرة أقرب لهذا الرجل، متمنية أن لا يراني. توقف الرجل ثم أخذ نظرة لما حوله قبل أن يجلس مستنداٌ على حائط، ثم قام بفتح كيس أحمر بلاستيكي صغير، ففوجئت عندما بدأ يخرج من ذلك الكيس طعاماٌ، و يأكل. في تلك اللحظة، بدأ قلبي يخفق بشدة، وبدأت يداي ترتجفان تحاولان جاهدة أن تثبتا الكاميرا التي أحملها. كنت خائفة؛ هذا الخوف لأني عرفت أنه لم يكن ينبغي علي مشاهدة ما كان يحدث. هذا الرجل كان يقوم بفعل شئ لا يتجرأ على فعله إن عرف أن أحداً ما كان يشاهده. لم أخش أن أكشف، لكنني خشيت أن يعرف أن ملاذه الآمن قد كشف بعيني. هذا المشهد كشف لي، بالفعل، الواقع القاسي الذي يعاني منه، في هذا البلد، كثير من الناس. تساءلت، ما كانت قصة هذا الرجل؟ هل كان يأكل حينها ليبقى على قيد الحياة؟ أم أنه رجل فقد إيمانه؟ كان الرجل يتوقف عن الأكل بضع ثواني ليأخذ نظرة لما حوله، ليتأكد من أن لا يكون أحد قد رآه. لكنه لم يكن يرى إلى الأعلى أبداً، هل كان خائفاً من ربه! وضعه لم يكن مريحاً أبداً. كانت ملابسه مهترئة و متسخة. وجهه، كان مليء بالبؤس و اليأس، و كان جسده نحيلاً، ضعيفاً. هل له أسرة؟ منزل؟ كيف يبدو العالم من عينيه؟ ما رأيته كان بالفعل محبطاً. أشاهد أناس مثل هذا الرجل كل يوم عندما أخرج في شوارع اليمن. لكنهم في الخارج، يُشاهدون. بالرغم من أن ذلك الرجل كان في الخارج، لكن تجربته كانت خاصة جداً. لقد رأيت شخصاً على ما كان عليه بالفعل، وليس ما أراد الناس أن يظنوا أنه كان. وجهه الحزين يروي حكايات الشقاء و المعاناة. ولد ليكون أي شخص لكنه أصبح سلعة للظلم. بلاد فيها هوّه كبيرة تفصل فيها الفقراء عن الأغنياء، لينام البعض بأمان في فراشهم الدافئ و ببطون ممتلئه، و يتوسل آخرون و يعانون للعيش ليوم آخر. نحن كمجتمع خذلنا هذا الرجل و الكثير من أمثاله. نحن لم نترك مساحة لأناس آخرون في قلوبنا، بالرغم من أننا قادرين. أن كان هنالك معنى واحد للحياة، فيجب أن يكون لنحيا، لنحيا بعدل و نكون " إنسان". هذا الرجل لا يحيا الحياة التي يستحقها وحياته البائسة هى نتيجة جشع أناس. أولئك الذين اختاروا قوتهم لينتهكوا حقوق الآخرين. أولئك الذين يستطيعون و لكنهم لم يحترمونه كإنسان. إن كنا نريد أن نغير بلادنا إلى الأفضل، فإننا بحاجه إلى البدء في مساعدة من هم مثل هذا الرجل الذي شاهدته. نحتاج إلى أن نعيد إيمان هذا الرجل بالإنسانية.