ماتزال القضية الوطنية اليمنية قضية تحرر من الإحتلال ومن الاستبداد مع فرق ان الأول تحول إلى احتلال (تكنولوجي) فيما أُعْيِد انتاج نظام الإستبداد (الشرقي) الى حيث أصبح نظام (الفساد) متزاوجا مع نظام الإحتلال ومستخدما لأدواته. نحن هنا ازاء (الإمام التكنولوجي)، نفس نظام الإمامة مع فرق ان أدواته لم تعد كهنوتية بل أدوات مُستلة من العصر الذي ينتمي اليه. اجتماعيا لم يعد في اليمن قوى اجتماعية بالمفهوم المتداول، اليمن منذُ اصبحت سوقا في قوام السوق الرأسمالية العالمية لم يعد فيها سوى طبقة (السوق) وهي الطبقة التي يتماسك الكيان (سياسيا) من حول محورها مع (المجتمع الدولي) الذي يمضي قُدما الى حيث يحل كليةً محل المجتمعات المحلية (السيطرة هنا للإمام التكنولوجي فيمَ الهيمنة للمحتل). مُقابل، وفي مواجهة، الطبقة السياسية عامة الناس من الشغالة في مختلف حقول العمل والإنتاج (يدخل في ذلك المهاجرين والنازحين الى خارج الكيان وعددهم بالملايين معظمهم ان لم يكن كلهم في حالة ارتباط عضوي بالكيان عبر اسرهم وهويتهم التي لم يغادروها إلا لكي يعيلونها وهم يغذوا الهوية) كبياعين لقوتهم الكادحة في السوق، السوق وقد اصبح متمددا عبر العالم كله خاصةً وان نظام الفساد اكثر ضراوةً وفتكا من ارباب العمل (التقليدين).
لم يعد في اليمن مجتمع محلي،على الاقل وفق التعريف التقليدي، كما لا نستطيع القول بمجتمع حديث، ما يسمى بالمجتمع الحديث تكّون في سياق ارتباط اليمن بالخارج فيمَ يسمى بالمجتمع الدولي الآن وبكل المعاني اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، يدخل في ذلك كون مصطلح المجتمع الحديث تكّون وهو مفهوم مضمونه عالميا، القول بمجتمع حديث هنا او هناك مستحيل لأن للحداثة طابعا عالميا من حيث المبدأ وهي لم تكن وليست مُتحققة سوى على مستوى العالم كله، بمثل انها لم تتبلور ألا بصفتها ثورة على عالم هو العالم القديم او التقليدي كله.
لا ندعي بأن لدينا فهما كافيا او مكتملا للمسألة، هو مجرد تفكيرا، الثورة اليمنية قدمت امكانية كبيره له ولتفكير جديد ايضا. لقد وجدت نفسها من أول وهلة في مواجهة الاحتلال والاستبداد مشتبكان في علاقة عضوية قوتهما (الاجتماعية) الطبقة السياسية فيمَ مثل عموم الشعب (الشغالة في مختلف مواقع العمل والانتاج) ما يعوض عن قولنا بالقوة الإجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير، وان تكن قوة ما تزال تفتقر الى وعيها في ذاتها او للوعي بذاته. ولقد كشفت الثورة ايضا بأن كل التعبيرات السياسية في اليمن، بل والنقابية وتلك التي تحيل تسمياتها الى كلمة شعبية، لا تعدُ عن كونها تعبيرات سياسية عن الطبقة السياسية، وكشفت الثوة بان (الشعب اليمني) في أمس الحاجة الى انتاج تعبيره السياسي المسالة التي تبدُ من الصعوبة بمكان مع (تغول) الطبقة السياسية في كامل الكيان الوطني ومع كونها الطبقة التي تحوز كامل امكانية البلد فيما كشفت الاحداث بأن الشعب اليمني لا يمتلك أو يتملك غير قوته الكادحة التي يبيعها في سق العمل والطبقة السياسية تمثل او تلعب دور صاحبته او (المقدمي) عليه و(فيه).
الصراع الآن هو بين الشعب الكادح ( عمال وفلاحين وشغالة بسواعدهم او بأدمغتهم) وبين الطبقة السياسية، طبقة الإحتلال والاستبداد بصفتهما وجهان لعملة واحدة في حالة اليمن أو فلنقل طبقة السوق ( السوق بكل المعاني).
السوق في اليمن هي سوقا غير محلية، تكونت كسوق عالمية، ما حال ويحول دون تجذر القوة الاجتماعية في حقل اقتصادي محدد ومُعرّف ومعترف به، وهو الامر الذي يمكن معه قراءة كيف ان كل الاحزاب تكونت كأمتداد لحركات من خارج الكيان (شرطة التاريخي واحتياجاته بما فيها احتياجاته الفكرية) ومعه يمكن قراءة كيف ان كل منظمات المجتمع المدني هي الاخرى تكونت كفروع لمنظمات دولية او عالمية.
مقدمة شبه نظرية لا تعفينا بأي حال من القول بالوطن أو ان الوطن ما يزال حتى هذه اللحظة هو حجر الأساس في بنية المجتمع الدولي.
* ما هو ليس مفهوما لدي الكثيرين هو ان الوطن (الدولة القومية او الوطنية) تكّون أول ما تكون أو إنطلاقا من السوق، السوق اولا ثم انطرحت مسألة حدوده (الصراع على النفوذ) اعقبه صراع مرير أدى الى التبرير والتجذير ومن هنا تخلقت الدولة القومية (الوطنية)، ولما كان السوق هو خليتها الحيّة، لما كان السوق بطبيعته مسألة يستحيل رسم حدود له فقد غرق العالم أو اغرق بالحروب التي ما يزال اوراها متقدا حتى هذه اللحظة، وما يزال السوق هو هذه الآلية الكونية (الامبريالة) مّثْلَّ وما يزال يمثل (برمودا) الأوطان والقوميات والدول على الرغم من انه (أرومتها) وعلى الرغم من انه ما يزال يتوسلها ولا يزال لا يَتَقنّعُ إلا بها.
اضاءة ضرورية للقول بأن تعريفا ما للقضية الوطنية غير ممكنا بدون ما يكون مسألة ابداعية وهو غير ممكن بدون ان ينهض على اسس (عالمية).
في السابق كانت الأيديولوجيا تلعب هذا الدور وهي تحل محل الوطن. لم يعد الامر كذلك الآن مع انهيار الانقسام العالمي على اسس ايديولوجية. صار لزاما ان نبدع تعريفا ما للوطن لكن بدون ما يكون ايديولوجيا لكن في الوقت نفسه بدون ما يفقد (وطننا) استقلاله في مجتمع ما يزال الوطن وحدة بنائه الرئيسية. المسألة صعبة ومحتاجة الى جهد جماعي، ليس مستحيلا، بشرط ان يجري إستيعاب الإحتلال الى حيث يغدو علاقة منافع متبادلة اما الإستبداد فلا اقل من الثورة عليه كما هو حاصل الآن في اليمن.
لا أدرى الى اي مدى يمكن تفكيك العلاقة بين الاستبداد وقد أصبح نظام الفساد وبين الاحتلال وقد أصبح نظاما عالميا مُحدِد وهو يلعب دور العامل الاقتصادي في كل بلد على حدة.
* في سياق ما قلناه يجب ان تُقرأ كل التعبيرات السياسية – مجازا- التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة (هي ليست سياسية إنطلاقا من تعريفنا للسياسة) كمنتجات سياسية لنظام متكّون بشكل مخصوص هو نظام الفساد (الإحتلال / الإستبداد) أو فلنقل النظام الرأسمالي كما تحقق أو متكونا بكيفية خاصة في البلدان التابعة او البلدان الأطراف وبكيفية مخصوصة في بلد مثل اليمن، تلك تعبيرات عاجزة بنيويا عن ان تنتج تعريفا للقضية الوطنية اليمنية بله ان تكون أدوات لهذه القضية التي تبدُ مأزوم لأسباب موضوعية، انها أدوات مشكلة لا أدوات حل، وفي وضع مثل الوضع اليمني تبدُ (الدولة) أداة الحل للقضية الوطنية وتبدُ بوصفها هي هي تعريف هذه القضية الآن: شكلها ومضمونها مثل كونها أداتها، السؤال هو:
من بيده ان يبني هكذا دولة مع ما قد قلناه عن التعبيرات السياسية القائمة، وهل لها ان تُبْنى قبل ان يجري تصفية السلطة، هل يمكن بناء الدولة بدون ما تكون أداة (طبقية) / سلطة، هل يمكن بناء الدولة كمجرد أداة وطنية للتعبير عن الكيان ولضبط إيقاع حركته الداخلية؟
بناء الدولة (المُشار اليها) مرهون بتفكيك علاقتها بالطبقة السياسية، بالسلطة، تجريدها وهو امر شرطه الأول نقل السلطة من الشخص الى النص اي التحرر كاملا من (تاريخ) لكنه تحرر غير ممكن بدون ان يتحقق بصفته وجها آخرا ايضا لتحرر من (مستقبل!) الأول يحيل الى الاستبداد والثاني يحيل الى الإحتلال أو الإمبريالية وقد اصبحت مطروحة كذات للعصرمكثفة، هذه الذات، في مراكز دولية بعينها، وكأنها مطروحة بالقوة (العمياء) ك(المستقبل) بالنسبة الى من يحاول تمثلها او بالنسبة الى بقية (أجزاء العالم المستعمرة).
* يتم بناء القضية على مستوى الفكر، قراءة لكل المعطيات المادية، تفكير، تعريف، التعبير عن كل ذلك في صيغة مفهومة يسهل تحويلها الى صياغة برامجية. وعلى الدوام يجب ان تكون (المصالح) حاضرة بمثل حضور الحياة وضروة استمراراها في هذا الجزء من العالم. ولم اعد اعتقد بأنني في حاجة الى ان اكرر بأن اليمن من اهم مراكز العالم (جغرافيا) ومن اخطر هويات البشرية.