هذا الحوار مع السفير, ليس حوارا مع سفير بذاته , ولكنه محاولة لفهم عقلية ( الخارج ) وكيف يفكر في قضايانا الراهنة وسبل معالجتها, استنادا إلى ما سمعته وما فهمته وما استنتجته في اللقاءات المختلفة التي تمكنت فيها من الاقتراب من أسوار فكرهم. ——————————————————————————— بومحمد : كيف احوال سعادة السفير وخاصة بعد نجاح الانتخابات الرئاسية ؟ السفير : عال العال … الامور سارت بشكل افضل مما كنا نتوقع, لم نكن نتوقع هذه المشاركة العالية مع هذا الحجم الضئيل من الحوادث الامنية والتي كانت محصورة في المحافظات الجنوبية. بومحمد : الدعم الدولي كان واضحا والنتائج جاءت وفقا للخطة المعدة مسبقا السفير : جاء الدعم لقناعة المجتمع الدولي ان لا بديل عن هذا المسار لإخراج اليمن من ازمته , اما النتائج فتؤكد وقوف الشعب اليمني مع المبادرة الخليجية بما فيها التوافق على اختيار عبدربه منصور رئيسا توافقيا. على الرغم من ان عبدربه منصور كان رئيسا توافقيا الا ان الانتخابات اعطت عبدربه منصور هادي الشرعية الشعبية وليس فقط شرعية المبادرة الخليجية. بومحمد : انفجار الاوضاع الامنية وخاصة في المحافظات الجنوبية , تمركز نشاطات تنظيم القاعدة فيها. الا تلاحظ سعادة السفير ان هذا التوقيت بعد الانتخابات وفي المحافظات الجنوبية له دلالاته في حرف مسار المبادرة الخليجية وخلط لأوراق القضية الجنوبية ؟؟ اعتقد انه اولا هناك قوى تسعى لتعقيد وتأجيل خطوة إعادة هيكلة القوات المسلحة ولا اتصور نجاح المبادرة واستقرار اليمن في المنظور القريب في ظل تواجد مراكز القوى الثلاثة في اليمن , واعني بهم الرئيس السابق واسرته , علي محسن الاحمر واولاد الشيخ عبدالله الاحمر. السفير : فعلا غياب هذه القوى الثلاث عن مسرح الاحداث في اليمن لعدة سنوات سيكون له اثر كبير في الاسراع باستقرار اليمن, ولكن تلك المهمة ليست بهذه البساطة بومحمد : اعتقد انه ما يعقد تحقيق هذه المهمة ان كل طرف منهم ارتبط بقوة اقليمية او دولية , اختلطت المصالح الداخلية بالمصالح الخارجية … ولكن في النهاية البلد هي التي تدفع الثمن السفير : المشكلة في اليمن معقدة لا يمكن حلها مرة واحدة , المهم الان ان الانتخابات الرئاسية نجحت ولدينا رئيس جديد , مشكلات المرحلة القادمة هي اعادة هيكلة الجيش , القضاء على تنظيم القاعدة و الحوار الوطني … هذه هي اهم ثلاث مشكلات في المرحلة الحالية. بومحمد : كما تعلم سعادة السفير أن اغلب الشارع الجنوبي كان رافضا للانتخابات السفير : لازلت لا افهم فكر وعقلية الجنوبيين الذين رفضوا الانتخابات ومنهم جزء من الحراك الجنوبي.. هل يمكن ان يصلوا الى اهدافهم دون الحوار ؟ بالتأكيد لا .. فبدلا من تعزيز موقعهم وموقفهم على طاولة الحوار القادمة يناؤون ويعزلون انفسهم بومحمد : البعض من الجنوبيين ينظرون الى الموضوع من زاوية مختلفة .. الجنوب في حالة احتلال ويرفضون هذا الواقع , تغيير قيادة النظام السياسي في الشمال لا يغير جوهر الموضوع, لم يكن الجنوب فقط محتلا من عائلة صالح بل كان ولا زال محتلا من قبل النفوذ القبلي والعسكري للشمال , تغير الاشخاص ولكن جوهر النظام في الشمال لم يتغير ولكن هذه المرة بواجهة جنوبية. الاشتراك في الانتخابات يعني الاعتراف الكامل بشرعية النظام الجديد الذي لم يعترف بالقضية الجنوبية وحقوقها ولم يقدم على اي خطوة لإعادة هذه الحقوق لأبناء الجنوب. كما تدرك سعادة السفير فهذه لم تكن عملية انتخابية بل كان استفتاء لإعطاء شرعية للمبادرة الخليجية ولعبدربه منصور هادي والجنوبيون يطالبون بوضع النقاط على الحروف قبل المشاركة في اي عملية استفتاء. هل يمكن لفصيل من الجنوبيين الذي يشعر انه مظلوم وتحت الاحتلال والمطالب بفك الارتباط الاستمرار بمطالبته وفي الوقت ذاته المشاركة في الانتخابات الرئاسية لإعطاء شرعية للنظام القائم والاحتلال المستمر ؟ بالطبع لا يمكن الجمع بين الموقفين السفير : لقد قرر المجتمع الدولي ابقاء اليمن كدولة واحدة والاوضاع الامنية المتفجرة حاليا تدعم هذا التوجه, مشاركة الجنوبيين او عدم مشاركتهم لن يغير في الموضوع شيئا بو محمد : اذا اردتم اجراء مؤتمر الحوار , لا يمكن فرض شروط مسبقة للحوار. مشكلة الجنوب هي التشتت ولو استطاع الالتفاف حول رؤية واحدة وقيادة واحدة لاختلفت لغة تخاطب المجتمع الدولي مع الجنوب. لم يستطع الجنوب حتى الان صياغة رؤية لمستقبله تطمئن دول الجوار والمجتمع الدولي بانه سيؤمن الاستقرار للمنطقة… وطالما بقيت القضية الجنوبية بأيدي فئة لا تستطيع تسويقها جيدا , سيبقى المجتمع الاقليمي والدولي على موقفه. الجنوب بحاجة الى فكر جديد وقيادة جديدة بوسائل تواصل مع الغير اكثر فعالية. كما ان الانفلات الامني المتعمد في المحافظات الجنوبية واعطاء فسحة اكبر للقاعدة للتحرك ما هي الا لعبة يراد منها اضعاف المطالب الحقوقية للجنوبيين وثبات عجزهم عن تثبيت الامن في مناطقهم. السفير : دعنا بو محمد نعود الى موضوع لقاء اليوم , ما ذا عن المارد النائم ؟ حضرموت لماذا هي نائمة والى متى ؟ الا ترى ان الزمن يمر في غير صالح حضرموت ؟ بومحمد : فعلا حضرموت قضية شائكة ومعقدة واتفق معك ان حضرموت مارد نائم … لفهم هذا المارد النائم اعتد ان هناك مرتكزات رئيسية تشكل فكر وموقف الحضرمي في الوت الراهن واهمها : 1. إشكالية الهوية والوطن للحضرمي : منذ فجر الاسلام هاجر الحضارمة مع جيوش الفتوحات الاسلامية لأصقاع العالم ولم تكن هجرة واحدة بل هجرات مستمرة , ساعدت خشونة الحياة ووعورة اراضي حضرموت الى الدفع بأبناء حضرموت للهجرة اما طلبا للمشاركة في الفتوحات الاسلامية او لنشر الاسلام او طلبا للرزق او العلم. غالبا ما كان الحضرمي يستقر في البلد المهاجر اليها , يستوطنها ويذوب في مجتمعها. وعلى الرغم من حنينهم الى الوطن الام فقلما كانوا يعودون اليها ولكنهم كانوا يتمسكون بشدة بهويتهم الحضرمية وتقاليدهم , يذيلون اسمائهم بلقب الحضرمي مثل ابن خلدون الذي لم يزر في حياته حضرموت ويتعصبون للهوية الحضرمية رغم مرور اجيال واجيال على هجرتهم من حضرموت. واذا ما تفحصنا الحضارمة في شرق اسيا وافريقيا فاغلب الاجيال الشابة لم تزر حضرموت ولكنها متمسكة بالهوية الحضرمية. اشكالية الوطن بدأت لدى الحضارمة مع بداية القرن العشرين عندما بدأت احوال الدول التي هاجروا اليها تسوء ويحس الحضرمي بثقل التمييز في الحقوق بينه وبين المواطنين في دول مثل الخليجية … وحينها بدأت حضرموت تتحول من هوية الى بحث عن وطن لهذه الهوية.. بدأ الحضارمة يتطلعون الى تغيير الاتجاه من الهجرة والبناء خارج حضرموت الى الهجرة والبناء داخل حضرموت وبناء وطن الحضارمة الذي بقي لفترات طويلة مهملا وخارج نطاق اهتمام الحضارمة للاستقرار والبناء والتشييد. 2. رفض التخلي عن الهوية الحضرمية : لم يكن الحضرمي في يوما عنصري ومنغلق على نفسه, في الخمسينات والستينات من القرن العشرين ومع مد التيار القومي العربي اندفع الحضارمة بحماس لتبني التيار القومي العربي وبدلا من الوصول الى هذه الاهداف انحرف المسار الى السياسي لتقع حضرموت تحت وطأة الحكم الاشتراكي لاكثر من عقدين .. أهتز الكيان الحضرمي وتعرضت هويته لأعمال طمس وتشويه. ثم جاءت الوحدة اليمنية بشعاراتها الخلابة أملا في ايجاد وطن لهويته الحضرمية وكانت التجربة الثانية اكثر قسوة من الاولى… حاولت تجربتا الوحدة تجريد الحضارمة من هويتهم في المرة الاولى اطلاق المحافظة الخامسة عليهم و اسباغ الهوية اليمنية عليم في المرحلة الثانية… وكلها جوبهت بالرفض.. وبقيت الهوية الحضرمية في صراع مع محاولات الطمس والالغاء لها. 3. رفض الواقع الحالي ورفض الماضي : يرفض اغلب الحضارمة العودة الى النظام لاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب كما يرفضون نظام الاحتلال والتبعية للحكم القبلي في الشمال وقناعتهم باستحالة تغيير نظام الحكم في الشمال. 4. الحنين لبناء الوطن الحضرمي : لحضرموت حضارة عمرها الاف السنين جاءت قبل الحضارة السبأية , الحضارمة يحلمون ببناء حضارتهم ونموذجهم الذي يفتخرون به. مشكلة الحضارم انهم يحلمون ببناء وطنهم حضرموت, لا يقبلون الواقع الحالي وخصوصا الهوية اليمنية كما انهم يرفضون العودة الى دولة النظام الاشتراكي. الصراع الحالي في الجمهورية اليمينة يدور بين رغبة القوى القبلية في الشمال الاستمرار في الحكم وهنا ترفضه حضرموت رفضا للظلم اولا وثانيا رفضا للهوية اليمنية وفي الجانب الاخر القوى الجنوبية التي ترفض حضرموت العودة الى نظامه. فالمارد ليس نائما ولكن بالأحرى حائر بين الموقفين وشعوره ان دولة حضرموت حلم بعيد في الوقت الراهن لأسباب داخلية وخارجية. ولهذا السبب نجد تعدد التيارات في حضرموت بين من يعتقد انه واقعي وينظر الى الممكن مع الشمال او الجنوب وبين من يتمسك بالحلم الحضرمي مهما طال السفر اليه. السفير : تحليل جيد ولكن ذلك لا يغير من الواقع شيء , الان يتم رسم خارطة المستقبل بينما حضرموت غائبة.. يمكنها ان تبقى نائمه او حائرة ولكنها اذا ما بقيت كذلك ستفقد المبادرة وفرصة اللحظة في المشاركة في تغيير المستقبل. بومحمد : المارد الحضرمي ليس نائما , حائر ومشتت نعم .. واعتقد انها حالة لن تدوم طويلا. لقد خرج العفريت من القمم … حدثت تحولات كبيرة في عام 2011م بالنسبة لليمن ولفكر حضرموت , عبر فيها الحضارمة عن آمالهم وطموحاتهم واحلامهم , لم يعودوا يحلمون احلام الغير , يريدون الان تحقيق حلمهم, من الطبيعي ان تتعدد الآراء في هذه المرحلة ولكن لا يمكن ان يعود الزمن الى الوراء. السفير : الحوارات الجانبية بدأت في الداخل والخارج سيتم تفكيك المشكلة الحالية الى اجزاء صغيرة اي الى مشكلات صغيرة وسيتم تناول كل مشكلة على حدة , القضية الجنوبية , الحوثيون , المناطق الوسطى وغيرها, المهم ان لا تكونوا غائبين من دوائر الحوار.. من هنا يتم صنع شكل المستقبل بومحمد : اشاركك الراي … الاسراع في توحيد الرؤية والمرجعية هو ما نحتاجه في الوقت الراهن ليس فقط لاستحقاقات الحوار بل لمواجهة التهديدات الامنية الكبيرة التي تواجهها حضرموت حاليا. ولكنك سعادة السفير لم تفصح لي عن موقفكم من مطالب أكثرية أبناء حضرموت بالاستقلال وتكوين دولة مستقلة ؟ السفير : لاكن معك صريحا بومحمد .. الدول تؤمن بمبدأين أساسيين .. الاول الاعتراف والتعاون مع من يحقق مصالحها وأهدافها والثاني الاعتراف بمن هو على ارض الواقع وله تأثير ونفوذ على شعبه… هذه هي الواقعية التي تتعامل بها القوى الدولية. الحضارمة هم الاقوى من يستطيعون تحقيق المبدأ الاول ولكنهم في الوقت الراهن ابعد ما يكون عن تحقيق المبدأ الثاني و في المقابل نرى قوى الحراك الجنوبي يستطيعون تحقيق الى حد ما المبدأ الثاني ولكنهم لم يكترثون للمبدأ الاول ولهذا فهناك جفوة بينهم وبين القوى الدولية. بومحمد : اذا نحن الحضارمة نحتاج الى تعزيز تواجدنا ومبادراتنا السياسية وخلق التفاف شعبي حول مرجعيات سياسية .. السفير : بالضبط بو محمد ولكن الوقت ليس في صالحكم .. انكم تديرون اموركم بالسهالة وحاليا انتم خارج العملية السياسية… المطلوب منكم الكثير من الجهد والعمل والمبادرة وليس السير خلف مبادرات الاخرين. بومحمد : شكرا سعادة السفير على صراحتكم وعندي احساس ان الايام القادمة حضرموت حبلى بالكثير من المفاجئات السفير : ارجو ان تكون مفاجئات سعيدة وتعزز من الدور الحضرمي .. شكرا بومحمد والى لقاء آخر