في حوارنا الشامل مع القاضي:/ طه عمر الهدار رئيس محكمة غرب المكلا الابتدائية في الجزء الأول من الحلقة السابعة .. أطلعنا على ما جادت به قراءته لواقع المحاكم وهموم قضاتها ، وقام بالإجابة على الأسئلة المطروحة ، واليوم نواصل إبحارنا معه في هذا الفضاء الفسيح ونترك له المجال ليحدثنا أكثر عن تجربته ورؤيته . يقول القاضي طه عمر الهدار : (ذكر الباحث الصحفي في حلقاته السابقة أن القضاء مر بأسوأ مراحله فأنا هنا أحترم هذا الرأي ولكن أوضاع القضاء قد مرت بفترات أسوأ . وهذا لا يعني أن القضاء في وقتنا الحاضر بأحسن حال وإنما يجب أن نعترف أنه أيضا يعيش مرحلة سيئة ولكن ليست الوحيدة . منها ما حصل بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث تردت أوضاع القضاء قبل حرب صيف 1994م وتردت أكثر بعدها وأظن أن الكثير مازال يتذكر تلك الفترة حيث امتلأت أروقة المحاكم بالسماسرة والمرافقين ووصل الحال إلى عرض الحكم على الخصم قبل أن يقدم دعواه وأصبحت المحاكم مهتمة فقط بالوكالة والتنازل .. وكذا قبل هذه الفترة بعد سقوط الدولتين القعيطية والكثيرية وبداية إجراءات التأميم تقلص دور القضاء وأصبح ينظر إلى القاضي بأنه مجرد موظف ملزم بتنفيذ أوامر الحاكم والمسئولين السياسيين حتى تجرأ رئيس التعاونية على إلغاء أحكام قضائية باتة وتعذر استيفاء الحدود والقصاص وأجبر المواطن على طرح مظلمته على اللجان الحكومية مثل لجان الدفاع الشعبي وغيرها. وبالرغم من ذلك كله يبنغي الإشارة إلى أنه يوجد قضاة أكفاء مارسوا القضاء في تلك الفترة . والآن أيضا وبعد ما سمى بثورة التغيير ظهر جليا الخلل الذي يعتري السلطة القضائية في حضرموت ) كما أشار القاضي إلى العوامل التي ساهمت في هذا الوضع حين يقول : ( في تقديري الشخصي أن السبب لا يعود للقاضي وحده وإنما هو أثر لأربعة عوامل سأحاول أن أذكرها هنا بشئ من الإيجاز وعلى الترتيب .. والعوامل هي كالتالي : العامل الأول : (الإدارة القضائية فكما يعلم الجميع أن هناك مجلساً أعلى للقضاء وهو معني بإدارة شؤون القضاء والقضاة ولا يتدخل في القضايا المعروضة على المحاكم، أن المجلس ومنذ تشكيله عام 1991 م تعاقب على عضويته ورئاسته كثير من القضاة إلا أنه لم يوفق في إدارة شئون القضاء بل إنه في كثير من الأوقات كان يهضم حقوقهم، وحتى الآن يخضع لتدخلات النافذين ولم يوزع الميزانية المالية توزيعا صحيحا ولا يختار للمحاكم القضاة المناسبين ، وحتى توزيع القضاة على المحاكم من حيث العدد غير موفق ، ناهيك عن التنقلات للقضاة التي لم يراعوا فيها أي معيار قانوني أو مصلحي بل تخضع للكثير من المجاملات والأهواء . ) العامل الثاني : (يرجع للدولة التي أضعفت نفسها وقللت من هيبتها ، لذا مهما كانت نزاهة القاضي وقوته فإنه لا يملك إلا قلمه وقراره ، ويرجع ضمان التنفيذ على سلطة الدولة ، والكل يعلم أنه منذ بداية الوحدة وسلطة الدولة وهيبتها تتقلص حتى أصبحت الآن في وضع مزرٍ للغاية ، لهذا كيف للقضاء القوي أن ينفذ قراره والدولة ضعيفة . العامل الثالث : (القاضي نفسه، فالقضاة سواء كانوا قضاة حكم أو تحقيق ( نيابة ) فهم بشر فيهم ما في البشر من صفات حسنة وسيئة ، وللأسف أن البعض منهم ينغمس في بعض السلوكيات السيئة فيخضع قراره للمجاملة أو الخوف أو المصلحة، وهذه بالطبع سلوكيات سيئة أثرت على سمعة القضاء ومكانته ، وهذه الظاهرة لها أسباب كثيرة تبدأ من عدم وجود معايير صحيحة لاختيار القضاة مرورا بطرق تأهيلهم وتوزيعهم ، وإلى طرق الرقابة على أعمالهم ومحاسبتهم ،وهذه الأسباب تحتاج إلى مساحة ووقت أكثر لا يتسع المجال هنا لشرحها .) رابع هذه العوامل : ( يرجع إلى المواطن نفسه ، فكثير من المواطنين ترسخ في أذهانهم دفع الرشوة أو البحث عن وسيط لكي يحصل على ما يريد وهو يدرك أنه يريد الحق فيقع فريسة للسماسرة وضعاف النفوس .. هذه في تقديري هي العوامل الرئيسة التي أدت إلى إخفاق أجهزة العدالة في تحقيق العدالة المنشودة ، ومتى ما تم معالجتها أعتقد أن أوضاع القضاء ستستقيم . ) أما الأسئلة التي سنضعها عليكم سيادة القاضي طه تتلخص في ما نسطره أدناه : 1)هل من اللائق سلوكياً أن يطلب القاضي من المتقاضي تغيير محاميه ، وهل يمكن أن يحدث ذلك في أثناء جلسات المحاكمة ؟ ج ) ليس من اللائق تحريض الخصم على محاميه ومن المعيب ان يطلب القاضي من الخصم في الجلسة تغيير محاميه ومن الحق للمحامي أن يتقدم بالشكوى إن حصل مثل هذا بل من الواجب على القاضي أن يرشد الخصم الذي ليس له محام أن يختار محامياً حتى يساعده في طرح قضيته أمام القضاء . 2) هناك اشكالية في عقود الشراكة ، والعقود الأخرى ، حيث يصوغ العقود شخص غير مختص ، ..كيف يتعامل القاضي مع مثل هذه العقود التي تفتقرلأبسط مقومات العمل القانوني المتكامل الأركان ؟ ج ) القوانين النافذة نظمت العقود والمعاملات سواء أكانت مدنية أم تجارية أو غيرها ، والناس هنا بمن فيهم التجار عادة ما يبرمون تعاقداتهم بدون الاستعانة بالقانونيين بل يبرمونها بما يعدونه يحقق مصالحهم وهنا يحصل الكثير من الخلل ويحدث ان يخلط المتعاقدان عدة عقود في اتفاقيه واحدة ويضعون عدة شروط قد تؤدي إلى بطلان التعاقد أو تناقض في نصوصه فيحصل الإشكال والنزاع عند تنفيذها ، وهنا يبذل القاضي جهوداً كبيرة حتي يعطي كل ذي حق حقه ويمكن للقاضي هنا أن يرشد المتعاقدين في إصلاح الأمر والاستمرار في التعاقد خصوصا في الشركات ….. أي أن للقاضي هنا صلاحيات واسعة وينتهي الأمر أمامه أما بتصالح الأطراف بحلول قانونية تحت إشرافه أو بحكم يعطي كل ذي حق حقه … وفي هذا فإنني انصح كل من يعقد اتفاق مع أخر ان يستعين بالقانونيين فذلك أنفع وأجدى له . 3) إشكالية صياغة الأحكام وتجهيزها وتسليمها للمتقاضين ، هل نقص الكادر في المحاكم هو السبب ، أو أنه نتيجة تراكم القضايا وهل يؤثر تأخير هذه الأحكام على المحامين والمتقاضين على حد سواء ؟ ج ) السببان معا هنا متلازمان وهما معا أيضاً السبب في تأخير تجهيز الاحكام وتسليمها للأطراف إذ لا يمكن الحديث عن كفاية الكادر في المحاكم مع تراكم القضايا والعكس بالعكس فمتى ما توافر الكادر الكافي لا يمكن أن يحصل تراكم في الاحكام ومتى ما قل عدد القضايا فانه لا يحتاج إلى كوادر كثيرة ومع ذلك نؤكد أن هناك نقصا حادا في الكوادر المساعدة مما أدى إلى تأخير تجهيز الاحكام وهذا بالتأكيد يؤثر سلبا على المحامين والمتقاضين سواء أن كان محكوم له او محكوماً عليه أولاً فأول يتأثر من تأخير تنفيذ الحكم والثاني يتأثر من تأخير حقه في الاستئناف وان كان المحكوم له متضرراً أكثر فالعدالة البطيئة ظلم . 4 ) أنتم بصفتكم محكمة غرب المكلا الابتدائية تشهدون تزاحم القضايا وكثرة المتقاضين .. كيف تعالجون مثل هذه الإشكالية ؟ ج ) محكمة غرب المكلا من المحاكم ذات الاختصاص المكاني الواسع ، وتزدحم بالقضايا والمتابعات اليومية لكثير من المواطنين وعلى صعيد كتابة الأحكام وتجهيزها ، لا يخفى على أحد عدم وجود كادر إداري مساعد كافٍ ولا توجد أجهزة ومعدات مساعدة كالحاسوب وآلات التصوير وغيرها ، وعلى الرغم من صدور الأحكام بكثافة في هذه المحكمة وحتى لا يحصل تلاعب في إعدادها وتجهيزها من قبل الكتاب ، اعتمدنا طريقة الجدولة في تجهيز الاحكام فألزمنا المختصين بعدم تجهيز حكم صدر مؤخراً قبل تجهيز الحكم سابق الصدور أولاً فأول ، بحيث لا يستلم خصم صدر حكمه قريباً دون أن يكون الحكم الذي صدر سابقا جاهز ..وبهذا استطعنا إنهاء ظاهرة التلاعب والمساومات غير القانونية . 5)كيف نٌعرف " إنكار العدالة " للقراء المتابعين ،وما هي الإجراءات المتبعة بهذا الخصوص ؟ ج ) القاضي ملزم بالحكم في ما يعرض عليه من قضايا وهو قد عين في القضاء من اجل هذه المهمة وفي نفس الاتجاه لا يمكن له ان يسمع الخصوم ثم يحيل القضية الى قاضي آخر وكذا لا يجوز له أن يوقف الفصل في الخصومه دون سبب قانوني … وعليه فان القاضي الذي يمتنع عن الفصل في القضية المطروحة أمامه يعد منكرا للعدالة وهذا يعرضه للمساءلة الجنائية وليس المساءلة الإدارية أو التأديبية . 6) متى تسقط حصانة القاضي ؟ وهل من أسباب تكمن وراء اسقاط هذه الحصانة ؟ ج ) يتمتع القاضي بالحصانة منذ تعيينه وهنا لا يحق إلقاء القبض عليه او تقديمه للمحاكمة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى ، ولا تسقط حصانته إلا بعد عزله او اقالته او استقالته من القضاء او بعد رفعها من قبل المجلس اذا اتهم بارتكاب فعل مجّرم . 7) بمناسبة الحديث عن نادي القضاة الجنوبي فالمتابع للأمور يسمع عن نادي قضاه آخر فهل هما كيانان مستقلان ؟ وما دورهما ؟ وهل في الأمر نزعه سياسية ؟ نادي القضاة الجنوبي ليس كيانا سياسيا وإنما كيان نقابي يعنى بحقوق منتسبي السلطة القضائية من قضاه وأعضاء نيابة وموظفين جنوبيين والمشكلة أن الكثير لا يزال يتحسس من كلمة جنوبي مع أن نظام الدوله يتعامل مع هذه العبارة بكل بساطه وعقلانيه ونحن القضاة الجنوبيين شكلنا هذا الكيان بعد ان وصلنا الى قناعه بان النقابه الشامله وكانت تسمى المنتدى القضائي لم تحقق لنا شيئاً بل اتضح بان المنتدى صار يخدم المجلس الذي هضم حقوقنا . ولم نشهد بأي موقف للمنتدى حصل لمصلحة قضاة الجنوب لهذا اتفقنا على تأسيس نقابتنا الخاصة وسميت بنادي القضاة الجنوبي ثم ان المنتدى القضائي في صنعاء عقد مؤتمراً والغى تسمية المنتدى وأسس كياناً نقابياً أسماه نادي القضاة اليمني .. وكل نادي مستقل بشخصيته وكيانه . في الجزء الثاني من هذه الحلقة نكون قد استكملنا حوارنا مع القاضي طه عمر الهدار الذي أوضح الكثير من المسائل المهمة بأجوبة شافية ، كما أنها تعد إضاءة جديدة في الجانب القانوني ، كانت الإستفادة منها عظيمة ، وفي المقال القادم سنستضيف المستشار القانوني : عبدالله العبد سعد الحمومي المدير العام للشئون القانونية بمحافظة حضرموت " الساحل " الذي سيكون لنا معه حوار ضافٍ حول الكثير من القضايا والهموم .. إنتظرونا أعزائي القراء الأفاضل .