مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    عاجل : التلفزيون الإيراني يعلن رسميا مقتل رئيس البلاد ووزير الخارجية في تحطم مروحية    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة في عقل أديب وشاعر حضرمي "الحلقة السادسة "

الشاعر الأديب والصحافي الأستاذ علي عمر الصيعري غني عن التعريف، إلا أنه معروف كصحافي طيلة ثلاثة عقود ونيف أكثر مما هو معروف شاعراً وأديباً ، بدأ ظهوره أواخر السبعينيات مع ظهور عدد من زملائه من الشعراء الشباب آنذاك ثم رأس جمعية الأدباء الشباب بحضرموت ، وبعدها بسنوات رأس فرع اتحاد الأدباء بعموم حضرموت (93 1997 ) وطيلة تلك الفترة أخذته الصحافة أكثر مما سمحت به للشعر . وفي الآونة الأخيرة ،عاد إلينا شاعرا وأديبا ليواصل مشوار ما تبقى من عمره المديد بإذن الله تعالى .
* في هذا الجانب من حوارنا المفتوح معك، الذي نبدؤه بالسؤال التقليدي القائل : شاعرنا الكريم نود الحديث حول تجربتك الشعرية ، لنسأل عن البدايات الأولى لها ؟
( ج ) سأبدأ الحديث عن بداياتي الشعرية ، على غير عادة الشعراء في حوارهم الأدبي . إذ سأبدأ بموقف طريف حصل لأخيك في سن مبكرة ، وأقول إنها بدأت كغيرها من بدايات معظم الشعراء . ففي سن السادسة ألحقني والدي رحمه الله ب (المعلامة) أي (الكًتَّاب ) جمع " كتاتيب " بالمصري' ففي معلامة الشيخ باكيلي رحمه الله فككت الحرف ومن ثم خلال عام حفظت بحمد الله جزء " عمَّ " وفي السنة الثالثة من الابتدائية ولعت بالقراءة سيما مجلات الأطفال "سمير " و" ميكي " و" السندباد " وبعدها قرأت في الأساطير " ألف ليلة وليلة " و" أبو زيد الهلالي "، ثم في الرابعة المتوسطة ولعت بقراءة شعراء الملاحم مثل عنترة بن شداد والأشعث بن قيس الكندي . وفي نهاية السنة نفسها وقد مرَّ من عمري خمسة عشرة عاماُ ، صادف أن أعلن مدرس الجغرافيا الأردني الجنسية ، وهو يقول الشعر، عن مسابقة في الشعر بين طلاب المستوى الرابع متوسطة . وكنت وقتئذٍ مهمل الهيئة رث الملبس ، فاستأذنته ، واسمه على ما أذكر "عرسان عوِّيد" في الاشتراك في هذه المسابقة التي من شروطها أن يقول البادئ بيتاً مما يحفظه من شعر على أن يبدأ زميله الثاني ببيت من حفظه مطلعه آخر حرف من قافية بيت الأول وله مهلة خمس دقائق فقط ليستحضر بيته هذا :
رمقني معلمي الأردني بنظرة فاحصة من جزمتي " الباتا" المتسخة إلى شعري المنفوش ، وهو يعرف أنني لست من المتفوقين والنجباء في الدراسة ،وقال لي : (أنت ح تشترك ؟ مع النجباء ؟! ههه… رح يا تيس .) فتدخل مدرس التاريخ وهو سوداني واسمه " أحمد حسب الرسول "وقال له : أنظر إلى الجانب الآخر، وأعطه فرصة ،" فوافق على مضض . بعد صلاة العشاء اصطف المشاركون ومعظمهم من أبناء الذوات والنجباء في التحصيل المدرسي في ساحة المدرسة بملابسهم النظيفة الأنيقة . وكان عددنا عشرة طلاب، وحضر المسابقة طلاب من الثانوية ، وابتدأها معلمي الأستاذ "عرسان" ببيت من الشعر قائلاً :
دم الثوار تعرفه فرنسا ** وتعرف أنه دَّينٌّ وحق
وهكذا بدأت المسابقة وبدأ مخزون ذاكرة المشاركين في النفاذ بعد كرِّ المسبحة إلى أن بقي منا خمسة طلاب ، واستقر عندي حرف أول بيتٍ عليَّ أن اقرأه عند "الهاء"وهو من أصعب الأحرف قياساً بما استنفذ في أثناء كرَّ المسبحة ، وعيون معلمي السوداني وأصدقائي مركزة عليَّ . مرت دقيقة فدقيقتان فثلاث فأربع وأنا أتصبب عرقاً وأعصر الذاكرة عصراً ،إلى أن ألهمني الله عزَّ وجل بأول بيتٍ أقوله في حياتي ، فقلت :
هَلُّمي حية الوادي هلمي ** فأهلاً بالردى من طيب فاكِ
صفق الحضور وقبل به الحكم ، وأخرجت بقافيته ثلاثة متسابقين وبقيت أنا ومتسابق أفحمته بقافية الهاء كما أفحمني من قبل، فأعلن الحكم فوزي بالجائزة . وكان ذلك البيت ،على ما فيه من هنَّةٍ، أول بيت شعري أقوله في تلك السن .
* وهل نظمت بعده قصيدة متكاملة ؟ وبمن تأثرت من الشعراء السابقين؟
( ج ) نظمت قصيدة واحدة في سن السادسة عشرة. أما بمن تأثرت من الشعراء .فمثل هذا السؤال غالباً ما يوجهه أي محاورٍ للشاعر أو الكاتب الذي يحاوره ..وتحضرني هنا إجابة للشاعر "أمل دنقل" عندما وجه له مثل هذا السؤال ، فأجاب عليه بالقول : ( هناك علاقة جدلية بين شخصية الشاعر كإنسان ، وشخصيته كمبدع . وفي نهاية الأمر ليس إبداع الشاعر إلا انعكاسا لشخصية الإنسان ). وأضيف بدوري من منطلق إعجابي بمقولة أمل دنقل إنني حين وضعت أول قدم لي على عتبة الشعر الحديث منتصف السبعينيات ، كنت مهموماً بالقضية الفلسطينية ،قضيتنا العربية والإسلامية واحتدامها بدءا من تلك الفترة ، فشدني من بين شعرائها الشاعر الكبير الراحل محمود درويش ، فتأثرت بداية بمضامين قصائده ، ثم أسلوبية التصوير الفني في قصائده ، وبعدها طريقة إلقائه . ولا زلت محتفظاً بدواوينه وأشرطة قصائده بصوته . وقبل ذلك وفي أثناء دراستي الثانوية كنت معجباً بأبي الطيب المتنبي وامرئ القيس ، وقبلهما ،في المتوسطة، كانت تشدني قصائد شعراء الملاحم وفي مقدمتهم عنترة العبسي .
لكن السفر الحقيقي بدأ عندي في السنة الأولى من الدراسة الجامعية مع زملائي الأساتذة الشعراء والأدباء من حضرموت أمثال الشاعرين الراحلين سعيد دحي وسعيد البطاطي رحمهما الله برحمته ،وعمر محفوظ باني، وحسين عبد الرحمن باسنبل ، حفظهما الله وأطال في عمريهما ، انطلقنا مع من أشرت إليهم من الزملاء وأسسنا في العام 1973 أول جمعية للأدباء الشباب بكلية التربية العليا جامعة عدن حاليا برعاية الدكتور تاج السر الحسن، واعتبرت النواة التي خرجت من رحمها جمعية الأدباء الشباب ، ونشرنا قصائدنا في مجلة الكلية وصحف عدن .
* في مسار تجربتك الشعرية في قصيدة التفعيلة ، أو الشعر الحر أو المرسل كما يُطلق عليه ، ما هي المقومات التي بنيت عليها قصائدك في هذا اللون ؟
(ج) أنا لم أجيء بالجديد إضفاء على تجربة الرواد، ولكن طورت شيئاً يسيراً في أسلوبية وفنية قصائدي، لأن بيني وبين الرواد الأوائل منذ نشرت أول قصيدة لي قرابة ثلاثة عقود .ومن خلالهم ومَن جاء بعدهم،رسخت لدي ثلاثة مقومات لقصيدة التفعيلة ، هي : المقوم الأول :تحويل الكلمة من قاموسية إلى كلمة مشحونة بالتصوير الفني أو البلاغي . أما الثاني : فهو المغايرة في المبنى الفني ، فالقصيدة العمودية تُعتبر البيت الشعري الواحد بمثابة وحدة قائمة بذاتها فتكون القصيدة مثل المبنى طابق فوق طابقٍ لا يجمع بينهم سوى الشكل الخارجي أي البحر والقافية وحرف الروي .أما في قصيدة التفعيلة فيبنى المقوم على كل متكامل ومتداخل له أول ووسط وآخر ويشد بنيانه بعضه إلى بعض ديناميكية النمو العضوي المتداخل من الصور الفنية . والمقوم الثالث هو أن موسيقى القصيدة العمودية أشبه بإطارات الصور الكلاسيكية التي تتعامل مع المضمون ، بينما أصبح المضمون في قصيدة التفعيلة يعتمد على الموسيقى التي تكثف المضمون . مثلاً القصيدة العمودية تعتمد موسيقى البحور الخليلية المعروفة ، أما قصيدة التفعيلة، فتفكك تفعيلات تلك البحور وتلغي تراتبيتها من دون إلغاء هذه التفعيلات . فإذا كان لبحر "الكامل" ثلاث تفعيلات في كل من صدر وعجز البيت ( متفاعلن متفاعلن متفاعلن ) فإن قصيدة التفعيلة تزيد فيه أو تنقص ولكنها تحافظ على الموسيقى الداخلية للقصيدة كلياً .
سأعطيك مثلاً من قصيدتي "قبل الرحيل " أقول فيها :
( قال لي
والصوتُ يُوشكُ أن يَضِيعْ :
يا لِهذا من ربيعْ!!
وتوارى في انكسارات المرايا
حين تخترقُ الضلوعْ .
ثم عاد يقول في هَمس رفيعْ: أربيعٌ .. أم خريفٌ ،
أم حريقٌ ..أم صقيعْ ؟! )
فتلاحظ هنا أن التفعيلات تطول وتقصر أحياناً في القصيدة ولأنها لا تخرج عن تكوينها .وفي تجربتي أضفت مسار الانتقال المفاجئ من بحر لآخر باستخدام التفعيلات المتقاربة ، ثم العودة إلى التفعيلة الأساس ، وهكذا . إلى جانب إحلال " النقاط " بديلاً عن مفردة أو مفردتين لا يصعب على المتلقي ملؤها من عنده تخميناً أو إدراكا ،كما في قصيدتي " قبل الرحيل " وفيها أقول :
(هَمَسَتْ في رقّةٍ :
آن أوانُ الصحو
يكفيكَ المنامْ .
هاهو البحرُ يناديك
هلُّمَّ بنا إليه الآن ……………….
إن المدّ مكتمِلٌ
وحوريَّتُهُ الحوراءُ
تنتظرُ القُدُومْ .)
وهذا الفراغ النقطي يعني "هيا هلُمَ " وأعني به تأكيد المنادي على حثِّ الشاعر أو المرموز إليه . كما يمكن للقارئ أن يملؤه ب " هلا أفقت ؟ " . وكذلك في قصيدة ( نجمٌّ ونافذة) حين أقول فيها :
( موشى بالسناء
و…………..
وغفوتُ
علّني ألقاه
في ذات مساء . )
ففي مقدورك أن تملأ الفراغ ب "ودعته " على سبيل المثال .
* ما رأيك في الشعر العامي أو كما نسميه نحن بالشعر الشعبي ، وهل لك تجربة معه ؟
( ج ) في حقيقة الأمر ، وبخاصة في ضوء ما وصلنا إليه من جمود وتردٍ في ألوان الشعر العربي ومنه شعر التفعيلة وشعر ما يسمى بالنثر ،(قصيدة النثر) أقول إن الشعر العامي هو الأفضل وهو الأقرب للتعبير عن مشاعر وأحاسيس الشعب . كما أنه لم يفقد بريقه وجاذبيته منذ آلاف السنين . فالشعر العربي القديم بدأ عامياً ، وما الرجز سوى شعر عامي ، ولا أخفيك القول إذا قلت إن بعض شعرائنا في حضرموت ممن لهم باع في الشعر الحر أمثال الدكتور سعيد الجريري ، وعلي أحمد بارجاء يفضلون الشعر العامي . وللأول منهم صدر ديوان شعر عامي أحدث صدى واسعاً في الوسط الأدبي والشعبي بحضرموت وهو ديوان ( بخيتة ومبخوت ) . ولقي ترحيباً من قبل النقاد وفي مقدمتهم الناقد الدكتور عبد الله حسين البار الذي وضع دراسة مستوفية عنه ، سماها " حداثة العامية الحضرمية في ديوان "بخيتة ومبخوت" وفي مقدمتها أشار لزميله علي بارجاء وقال في الاثنين : (وكان للبيئة التي ينتمي إليها كلّ واحدٍ منهما أي سعيد الجريري وعلي بارجاء أثرهما على شعره المنظوم بهذه العاميّة أو تلك وطرائقها في صياغة الشّعر. فغلب الشغف بشعر (الدان) على شعر ال (بارجاء)، كما غلب على شعر (الجريريّ) حبُّ النسيج المحضاريّ والإقبالُ عليه، وترسُّمُ خطاه في كتابة الأغنية، ولعلّ لقربه من بعض الملحِّنين والمغنّين يد في ذلك الإقبال. وبقي الآخران ( أحمد سعيد عبيدون وعبد القادر علي باعيسى) على وفائهما للفصحى فلم يجمعوا بين الأختين بحال) .
أما بالنسبة لي فلم أوغل في هذه التجربة لقرب عهد اهتمامي بالشعر العامي ويعود ذلك إلى عقد من الزمن من الآن، ولي عدد يسير من القصائد العامية .ولكنني أبديت اهتماما بوضع دراسة عن كتاب الدكتور البار حول شعر الراحل أبي بكر بن حسين المحضار الذي سماه ( شعر المحضار .. النشيد والفن ) وأنا في طور الانتهاء من الجزء الثالث والأخير من دراستي حول هذا الكتاب واسمها ( قراءة نمطية في كتاب جدير بالقراءة )
ومن قصائدي في هذا اللون قصيدة ( ماشي فلك يبحر بلا ربان) وهي مهداة إلى الشيخ الشاعر صالح باوزير ( أبو عاطف ) رداً على قصيدته المرسلة مغرب يوم الخميس 5 شوال 1433ه الموافق23/8/2012م، التي يقول في مطلعها : {جمرة على البوري وحد ضّرف وحد عمّر * وصحابنا قالوا نبيع الشحر والبندر * تمباكها حمي له نكهة في الدخان / غدّر علينا الليل والفجر ما بان } ونظمتها في ذات الليلة من ذلك التاريخ أقول فيها :
بوري على رشّبه بلا تمباك أو مجمر
وشبابنا كلين عامد لي كما عنتر
" في الفيس بك" ملقين جم كلمان
ما شي فلُك يبحر بلا ربان
* * *
وأليّ كرش كوره نصب خيمه على معبر
ذا قال با نقلي وهذا قال باندهر
والصيد ما شي والمعِّير نيم في الدكان
ما شي فلُك يبحر بلا ربان
*******************************
كما أن هناك عددا من المسرحات الشعرية المتبادلة بيني وبين صديقي الشاعر القدير حسين عبد الرحمن باسنبل ، نُشرت معظمها في صحفنا الحضرمية المحلية .
* كيف تصف المشهد الشعري العربي في المرحلة الراهنة ؟
( ج ) بوجيز العبارة أقول إن المشهد الشعري العربي راهناً لا يزال ، وللأسف الشديد ، يراوح بين الأصالة والحداثة ، ولم ينطلق الشعراء الشباب بعد صوب تطوير تجربتهم الشعرية في الشعر الحديث التي بدأ بها رواد الشعر العربي المحدثين بعد أن ألمح إليها الأديب الشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير في مطلع العام 1934م والشاعر المصري زكي أحمد أبي شادي ، مروراً بالشاعرة نازك الملائكة وزملائها الشعراء بلند الحيدري وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي والثلاثة الأخيرين ولدوا ،بقدرة الله سبحانه وتعالى ، في عام واحد هو العام 1926م، وصولاً إلى الشاعر صلاح عبد الصبور وخليل حاوي وآخرين ، وهؤلاء وضعوا أسساً لتطور الشعر العربي الذي عرف بشعر التفعيلة أو الشعر المرسل الذي أعلنت ولادته رسمياً الشاعرة نازك الملائكة في كتابها الشهير " قضايا الشعر المعاصر " في العام 1949م وبخاصة بعد صدور ديوانها "شظايا ورماد" في ذات العام، وبعد أن شارك زملاؤها في التمهيد لهذه التجربة الجديدة ،بمحاولات كتابة هذا اللون الشعري الجديد ، وفي مقدمتهم الشاعر بلند الحيدري في ديوانه "خفقة الطين " عام 1946، وأعتقد أن بلند الحيدري يعود له الفضل في الانطلاقة بديوانه المشار إليه. تلاه ديوان نازك الملائكة "عاشقة الليل " في أوائل 1947م ، ثم في منتصف ذاك العام أصدر بدر شاكر السياب ديوانه "أزهار ذابلة "فكان هذا المنطلق لتجربة الحداثة وموطنها العراق الشقيق.
نعود لموضعنا الأساس لنقول إن شعراء الجيل الجديد وتحديداً منذ نهاية السبعينيات وما تلاها إلى يومنا هذا لم يهتموا بالأسس التي وضعها الرواد، بل لم يطوروا هذه الأسس بل إن البعض منهم وبخاصة في التسعينيات ذهبوا وراء موجة الحداثة التي تجاوزها الغرب نفسه فوقعوا في مطب الاغتراب عن تراثهم من ناحية وعن الحداثة الواردة من الغرب . حتى جيل السبعينيات والثمانينيات وأنا واحد منهم لا زلنا إلى يومنا هذا واضعين قدماً في التراث وأخرى في الحداثة ، وأعترف أننا لازلنا نكتب الشعر بمثابة قصيدة واحدة متشابهة نكررها على مر السنوات .
نلتقي في الأسبوع القادم معكم قرائي الأعزاء ، لنواصل الحديث مع أستاذنا القدير (أبو أمجد) في الحلقة السابعة الأخيرة مكملين ما وعدناكم به من المسارين الصحفي والثقافي ..انتظرونا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.