من حقنا أن نسأل بل ونضع مليون سؤال عما يجري, ومن واجب الدولة -وليس تفضلا- أن تجيب عن كل أسئلتنا, هذا حق لنا وواجب عليها, ولا تترك الشارع في دوامة من التناقضات والغرائب المقلقة. كيف نفسر سلوك الدولة في التعاطي مع كل الأحداث الجارية في البلاد والذي تظهر فيه الدولة بأكثر من وجه وصورة وصوت وشكل, حسب المنطقة والناس. وكل منصف عاقل يدرك أن الدولة تتحرك بلا معايير ثابتة في تعاملها مع مواطنيها, ففي الجنوب لها معايير تختلف عنها في الشمال. وهذا يجعلنا نتساءل: هل الأحداث الحادثة مجرد افتعال؟ أم حالة من التراخي وصلت إليها الدولة, ومن هو الفاعل؟ ولمصلحة من يبقى اليمن يعيش حالة ألا استقرار. وما يزيد الأمر سوء ويوصلنا إلى قاع دوامة الحيرة أن وسائل الإعلام تمارس مهنة إشعال الفتيل أكثر من نقل الصورة الصحيحة والحقيقة الناصعة, فمنها ما هو مشرق وآخر مغرب, والاستباق أللا أخلاقي أحيانا على الخبر وهستيريا (الحصرية) وحسابات الأحزاب والمالكين جعلت من بعضها برميل تزوير وكذب وخداع. والشارع بات يرثى لحاله, شغلوه عن لقمته ومدرسته وجامعته. وطلت برأسها علينا غرائب التحاليل وعجائب الرؤى, وأخذ كل واحد يرمي بقوله ولا يبالي, وكلهم يساهم في تعميق حيرة الشارع. فعندما نرى الجيش ينتفض ويعلن حملة اجتثاث للقاعدة التي يتبعثر أفرادها في أكثر من محافظة, يعلن وزيره التزام موقف الحياد مع الحوثي الظاهر الواضح والذي أصبح يملك دولة داخل دولة. الشارع يسأل هنا: لم يا سيادة الوزير تبدو هنا بصورة وهناك بصورة؟؟؟ ولمّا ينقلب الجيش لوحش ضاري يفتك بالمدنيين الآمنين في المكلا بحجة تأديب مجموعة من الشباب الخارجين عن القانون حسب قوله. الشارع هنا يسأل أيضا: لم يا وزير الدفاع لم نر هذه الوحش الضاري يثور ضد مخربي أبراج الكهرباء بل تدفعون لهم مئات الملايين, أم أنهم ليسوا من الخارجين عن قانونكم؟ وحينما نرى نائب وزير الداخلية معتكف في حضرموت لأكثر من شهر, ليرسل رسائل سيئة الانطباع عن حضرموت وأهلها, قصد أم لم يقصد. الشارع يسأل: لما يا سيادة النائب لا تعتكف في صعدة أو عمران أو الجوف لتعيدها لحضيرة الدولة من المغتصب الحوثي أم أنها ليست تحت سلطتك؟ ويبلغ الحمق منتهاه والغفلة مبلغها, عندما يصرح ذات النائب بأن منتسبي الأمن الحضارم لا يباشرون عملهم. يأت الشارع هنا ليسأله: لم لا تطلب من عشرات الآلاف من العمال الشماليين الذي ينتشرون على طول الشريط الساحلي للبحر العربي من عدن إلى المهرة وهم ينتسبون للجيش والشرطة بالعودة لمواقعهم. أم أن يدك عليهم غير باسطة؟ وأكثر من ذلك أيضا نجد أن سيادة ابن حضرموت السيد المحافظ يمارس نفس الدور, وأصابته حمى التعتيم وتضليل الشارع حينما يعلن بأنهم سيسمحون للجنود بإطلاق النار على كل حامل سلاح يرفعه لإغلاق دائرة أو مؤسسة حكومية. والشارع يسأل للمرة الألف: ردعهم واجب وليس قتلهم, ولكن لم يا بن حضرموت لا نسمع لك حسا ولا خبرا ضد تصرفات الجيش وإرعابهم للآمنين في بيوتهم, أم أنهم خارج الصلاحيات؟ سيطول مقالي لو تتبعت كل مواقف الدولة سواء الحكومة المركزية أو السلطة المحلية وما فيها من افتعال وتمثيل مع غض الطرف عن الأضرار التي تلحق بالمواطن. كل هذا السلوك المتناقض والعبثي يجعلنا نؤكد بأن دولة ما بعد الثورة هي مثل الثعبان الذي نزع جلده ليظهر لنا بجلد جيد, بينما القلب لم يتغير والسم الذي يملأ فاه لازال يملؤه, يلدغ به في الجنوب وحضرموت فقط, ولم ولن تتوقف أسئلتنا.