قديما قيل ( أنا وأخي على أبن عمي وأنا وأبن عمي على الغريب ) قول في ظاهره الكثير من العصبية حيث أن الوقوف يجب أن يكون دائما إلى جانب الحق حيثما كان ولكن القريب يظل هو القريب لذلك قال رسول الله صل الله عليه وسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إن كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره ) . رواه البخاري . وتتلاشى العصبية في القول الأول إذا تجاوزنا رابطة الدم واعتمدنا إطار أوسع وأشمل هو إطار العروبة والدين ليظل الأخ أخا في الإسلام وتظل العروبة هي وعاء الإسلام ومنطلق الحق . وفي العدوان على غزة تجمعت الروابط كلها في طرف واحد فكان هناك الحق وهناك أخوة العروبة والإسلام يقابله في الطرف الآخر أعداء الإسلام وقتلة الأنبياء والنساء والأطفال وأعداء الإنسانية جمعا كان في الطرف الآخر الصهيونية المتطرفة وكل المتواطئين معها سرا وعلانية , معادلة بسيطة لا تحتاج إلى اجتهاد أو فتوى فالصراع قائم بين الحق وبين الباطل , والحق واضح والباطل واضح في هذه المعركة وليس بينهما أي شبهات اتفقنا مع حماس سياسيا أم لم نتفق وقد رأى الحق في غزة الأجانب من على مسافات جغرافية وعقائدية وفكرية بعيدة ووقف الكثير منهم إلى جانبه وأيدوه بكل ما يستطيعون ووقفوا ضد الباطل مواقف جريئة وحاولوا تغيير المنكر بخطوات متقدمة ولم يكتفوا بالتغيير ( بأضعف الإيمان ) فقد وصل الطبيب النرويجي .. « مادس جيلبرت » إلى غزة تحت القصف للمشاركة في علاج جرحى العدوان وليشهد عن كثب على إجرام الكيان الصهيوني وقد شهد على جرائمه في غزة من قبل وهناك من المواقف الأجنبية الكثير التي كانت كلها ترفض العدوان بينما أخوة الدين والعروبة لم يتأكدوا بعد من أن ما يغطي سماء غزة هي طائرات وصواريخ صهيونية مرسلة لقتل الشيوخ الركع والأطفال الرضع والنساء وهدم البيوت والمدارس والمساجد على رؤوس من فيها ليس لشئ فقط لأن هناك شعب أبي يرفض الحصار يرفض الذل والعار . يتطلع أن يعيش بعزة وكرامة مثل كل الأحرار في العالم لم تحرك ضمائر زعماء العرب صور الشهداء والجرحى من الأطفال وأشلاء القتلى المتناثرة , لم تثير نخوتهم حرائر غزة وهن ينتشلن من بين الأنقاض والركام . كان الغزاويون في مرات العدوان السابق يحظون بمواقف كلامية عربية كعبارات الشجب والتنديد ويجتمع العرب تحت سقف الجامعة العربية في محاولات باردة للحفاظ على ما الوجه ليزيدوا على الكلام كلام فيما يسمى (بإسقاط واجب ) أمام شعوبهم فقد كانت ترى في ذلك أقل من المطلوب وكانت تطالبهم بمواقف أقوى أو بتسهيل وصولها إلى غزة لترفع رأس أمتها حتى ذاك الكلام العربي الرسمي البارد انتهى مع العدوان الأخير بل راح بعضهم إلى أبعد من ذلك عندما أطلقوا العنان لأعلامهم وأبواقهم (تنهق) ليل نهار محملة سكان غزة مسؤولية العدوان لأنهم اصطفوا خلف قيادتهم (كأنهم بنيان مرصوص ) حمل بعض العرب حماس مسؤولية قتل أطفال غزة لأنها لازلت تصنف العدو على أنه عدو وترفض التطبيع معه وبذلك ترفض الخضوع والاستسلام بل عبر بعض المطبعون عن انزعاجه من صواريخ المقاومة على اعتبار أنها تزعج أطفال الصهاينة . فهذه الحرب أراها تجربة لخيار التطبيع مع العدو الصهيوني وخيار المقاومة وقد تمكنت المقاومة من صد العدوان في هذه الجولة بخسائر باهظة في الأرواح والأموال فهل جنب غزة المطبعون ذلك بأن أستفاذوا من علاقتهم (الطيبة ) مع الصهاينة وأقنعوهم بفتح المعابر وفك الحصار ؟ طبعا لم يحدث شئ من ذلك . أنه الذل والعار والخروج عن المبادئ والقيم الإسلامية بل هو الانسلاخ عن مواقف الإنسانية وعن شهامة الرجال ونخوتهم ذاك الذي مارسه بعض العرب مع أهل غزة , ما كان على مصر أن تترك غزة في محنتها وحدها وما كان على رئيسها أن يضيع على نفسه فرصة ذهبية كانت ستكسبه بعض الرضاء الشعبي العربي المفقود بسبب طريقة وصوله إلى الحكم حيث دفع الغزاويون بعض ثمن خلاف (السيسي ) مع الأخوان بموقف مصر الضعيف من العدوان حيث كان مطالبا بموقف شجاع يليق بمصر وعروبتها وتاريخها القومي . هو ليس مطالبا في هذا الظرف أن يرسل جنوده للقتال هناك لان كتائب المجاهدين قادرة عليه ومجاهديها واثقين من النصر بإذن ربهم وقد اسقطوا أكذوبة الجيش الذي لا يقهر في حروب سابقة ولم يعد لها وجود إلا في أذهان بعض قادة العرب وبعض المغفلين من السياسيين والقادة العسكريين التي تخرجوا من أكاديميات الغرب العسكرية التي تحرص على غرس تلك الأكذوبة في عقولهم أما المجاهد الفلسطيني فقد درس القتال في ميدان البطولة والرجولة والفداء والتضحية وقد خرجت غزة بعد شهرا من الحرب منتصرة بعد أن لقنت الصهاينة درسا جديدا في البطولة لم تصمد أمامهم عملية ( الجرف الصامد ) حيث دمرت (الميركافا) على تخوم غزة ولم تستطيع الدخول وقد كان الصهاينة يعدوها فخر صناعتهم الحربية . انتصرت الإرادة الفلسطينية وولى جنود العدو فارين غير محققين للأهداف التي رسموها لحربهم القذرة . لم تنته الحرب وإنما هدئت جبهاتها في جولة من جولاتها كالعادة وحتما ستعود من جديد وستظل هكذا حتى ينصر الله دينه – دين المحبة والسلام – الذي هو دين حماس ودين كافة الدول العربية التي تخاذل بعض حكامها في نصرة غزة وتآمر البعض الآخر عليها وعمل مع العدو من أجل إسقاطها وتصفية مقاومتها وهم من كانوا يصرخون من قبل كيف لحماس تعزز علاقاتها بالغريب على حساب القريب نعم لقد ذهبت حماس إلى الغريب وحسنت علاقاتها معه وحظيت بدعمه لبعد أخوة العروبة والدين والمذهب عنها وقد كانت مضطرة وما كان للعرب أن يتركوها على بعدها بل كان عليهم ردها إليهم شريطة أن يشغل القريب الفراغ الذي سيتركه الغريب عندما يبتعد عملا بقول الرسول (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ) فأن كانت حماس وقد ظلمت عندما ذهبت إلى إيران فعلى العرب نصرها بردها إلى الصواب وتحمل تبعات ردها إليهم بدعم مشروعها التحرري وهي في هذا العدوان مظلومة مدافعة عن أطفال غزة ونسائها وشيوخها وقد وجب على العرب نصرها أيضا بالوقوف على جانبها ودعمها إلا أن كثيرا منهم من وقف موقف المتفرج بل أن هناك من تآمر عليها وبرغم ذلك فقد خرجت غزة من هذه الجولة من الحرب منتصرة بعد أن عجز الجرف الصامد الصمود أمام أبطالها , ذاك الجرف الذي لو وجه نحو الدول العربية المتآمرة والمتخاذلة لجرفها مجتمعة في فترة أقل من تلك التي صمد فيها الغزاويون . تحية لأبطال غزة ونصيحة للعرب عامة وجيران إسرائيل خاصة ستحتاجون لأبطال غزة يوما .. ستحتاجون لصمود غزة مثلما أحتاج العرب جميعا لأبطال العراق وجيش العراق اليوم لإيقاف المد الإيراني الصفوي وهم من دمر العراق بأيديهم وأموالهم ومؤامراتهم (وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ ) .