تماماً كمقهى بواجهة زجاجية… تبدو الحياة ! نرى الأمور براقة ومشعة عبر الزجاج اللامع الذي يعبره الضوء بسلاسة متناغمة مع حزمة من المشاعر , ونرى الأشياء خلف ذاك الزجاج على إنعكاس جميل يخفي بعض معايبها , ولأنه زجاج ولأن الزجاج لن يكذب , نصدق بأعيننا مالاترغب قلوبنا بتقبله أحياناً , كل الأشياء جميلة , زاهية , محاطة بالنور , بالبهجة , بالمسرة الغائبة إلا من على طاولات الأحبة , لكن زيفاً آخر لم تدركه أعيننا حين ألتمست تلك النظرات الخافتة والخاطفة عبر الزجاج , حين أرتمينا في أحضان الأحلام ونسينا الغبار في الجانب الآخر من الطريق , من الشارع , من حياتنا التي تضج بالشخوص والوجوة , والأوجاع , لم يكتمل ذلك الجمال الذي أخترق قلوبنا , وأنصاعت إليه أفكارنا , حيث أن الغبار إذا غطى شيء سلبه بعض الجمال أو ستر عنه بعض القبح , ولأننا لاندر كيف تبدو الأشياء بصدقها وبزيفها , نسعى جاهدين لإكتشافها , عبر الزجاج أو عبر الحياة المتكاثفة بالغبار , والوجوة , المواقف ,والألآم , و حينما نُصدم , يقع جدار تخيلاتنا , ويهوي بقوة تهزّ مشاعرنا دفعة واحدة , لتُسكت الذاكرة البصرية , و تقتل ماتبقى من المواقف الجميلة , والرؤية التي سكنت أعماقنا بدفء وأريحية , فالجمال الباهر خلف الزجاج لم يكن ماصدقته أعيننا ولاما تقبلته عقولنا على نحو من الصدق والإيجابية, ولأن الكثير من البشر كرماء في توثيق وجودهم في حياة البعض منّا بالجروح , والمواقف الأليمة , فنصيب البعض أحياناً جرح أو أثنين , ولعل البعض الآخر قد غطت الجروح والكدمات النفسية كامل جسده . وحين نجد أنفسنا أمام هؤلاء الأشخاص والمواقف , وجروح أعماقنا تنزف وتحفر ندباً غائرة في عمق الذاكرة , يترائى لنا سؤال , نرفع إليه سقف أجاباتنا علها تطول مانستجديه من جواب يشفي قلوبنا وأوجاعنا , ولأنه سؤال صعب لدى البعض أحياناً , فالبحث يأخذ وقتاً وأشباه الإجابات تتوارى خلف أخرى , الى أن نجد واحة تتطمئن لها أنفسنا وتنساق إليها عقولنا لتشرب وترتوي من الإجابة المريحة والشافية ,وإذا كان السؤال كيف نشفي جروحنا ؟ فلا يوجد بل لايمكن أن يوجد إجابة محددة , فالجرح الذي تخلفه لنا الأيام , لايُعالج إثر وصفة طبية ولاحتى نفسية واحدة , فلكل واحد منّا طريقة , ووصفة تشبهه هو , ومامرّ به من ألم وأحزان . ولعل الشيء الوحيد الجيد في الأمر – حين نُجرح – أننا نكتشف قوة إرادتنا , وكيف إننا نتعلم كيف نبتسم ونشجع أنفسنا , بالرغم من كل مانحصده من ألم ونكبات قاسية , وبالرغم من كل الألآم والإنكسارات والإخفاقات والهزائم التي نخوضها خلال رحلة إكتشافنا الآخرون عبر الضوء وخلف الزجاج , فإننا ندرك أن الحياة لاتتوقف على شخص أو موقف أو شيء , وإن كل سقوط ومهما كان إليماّ إلا أن خيار الوقوف من جديد هو بأيدينا وملك إرادتنا وخياراتنا , وأننا حتى لو أمتلكنا ذكرى مؤلمة فبأمكننا أن نعوضها ب 10 ذكريات سعيدة مستقبلاً , وأن الجروح قابلة للإندمال والشفاء وإن تباطىء شفاؤها أحياناً , وأننا لابد أن ندرك أن الزجاج وإن كان شفافاً إلا أنه لايعكس الحقيقة كاملة .