أقامت سكرتارية اتحاد الأدباء بالمكلا محاضرة للخبير التربوي الدكتور سالم مبارك بن عداس العوبثاني الاستاذ المشارك بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا ، وقد قدم الدكتور محاضرته بقوله: جئت لأثير نقاشات لا لأحاضر. ثم تحدث عن قضية التربية، وأنها من كبرى القضايا التي تعطى الأولوية؛ حتى في البرامج الانتخابية تأتي في الصدارة كما رأينا في الدعاية الانتخابية لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية. ثم أكد أنه يريد الحديث عن الواقع التربوي في حضرموت حيث أنه الذي يعنينا جميعاً. فالتربية تركت للمؤسسات الرسمية وتخلى عنها المجتمع، ووكلها إلى إدارة التربية، ولم يشاركها في التربية، وتساءل هل ذهب أحد يوم إلى إدارة التربية وسألهم: ما هي رؤيتكم للتربية خلال عشرين سنة؟ هل توجد لديكم أهداف استراتيجية للتربية في حضرموت؟. إن منظومة التربية هي: المدرسة + المعلم + المنهج، والشارع منظومة ومؤسسة للتربية، وإلا فمن المؤثر في أبنائنا أكثر المدرسة أو الشارع. هناك المنهج الخفي يعمل إذا اشترك مع الأهداف العامة من قم المجتمع والمنظومات الأخرى، فقد جاء الاشتراكي ووضع منهجاً للتربية تناسب فكره وأهدافه ولكنه بعد ذهابه ذهبت تلك الأهداف، حتى في روسيا استمروا سنوات يربون الناس على منهج اشتراكي شيوعي فلما سقطت هرع الناس إلى الكنائس ورجعوا إلى ذلك المنهج الخفي. التربية أقصد التربية المدرسية التي أوكل المجتمع إليها تربية الأبناء، كان لدينا نظام المعارف، كانت لدينا أربع مدارس في عهد السلطنة، منها المدرسة الغربية ( الجماهير) والمدرسة الشرقية…،القيادة التي اشتغلت قديماً كانت مؤهلة، وكان يتم انتقاء المعلمين ويمرون بدار المعلمين، لي خمسين سنة درست على منهج أحدث من المنهج المتخلف الذي يدرسه ابني الآن. استمر النظام إلى 1967م وجاءت أهداف أخرى للتربية كما أسلفت: 1 – - وضعت مسألة حق التعليم للجميع وزاد الطلب على التعليم. -2- كثير من القيادات التربوية المؤهلة نُقلوا إلى عدن ، وبقيت مجموعة في حضرموت فهُمشت. 3- - جاء مصطلح " معلم الضرورة" نتيجة ازدحام المدارس بالطلاب وأصبح كل من هب ودب معلماً حتى ولو تخرج من الصف الرابع أو السادس ابتدائي. -بل حتى الآن معلم الضرورة فأي معلم يدرس أي مادة متخصص في العلوم يدرس مواد أخرى.. في عام 1990م نقلة أخرى للتربية، إذ ازداد الطلب على الدراسة، وكان المدرسون في السلطة القعيطية راتبهم أكثر، فهبطت رواتب المدرسين ثم قل الرضا الوظيفي فقل الانتاج والعطاء، حتى أنه في فترة تحول بعضا المدرسين إلى حمَّالين، أو يبيع سنبوسة وغيرها لحاجته، ثم الآن فتحت المدارس الخاصة فتنفس المدرسون – مع موافقتي على كثير مما يجري في المدارس الخاصة – ولولاها لأصبح المدرسين المتقاعدين حمالين. أصبحت المدارس مكتظة بالطلاب، فقد رأيت وأنا رئيس المجلي المحلي مدرسة عائشة فدخلت صفاً فيه تسعين طالبة كأنه مستودع للموز، وأذكر أن المدرِّسة قالت لي: يا أستاذ لا تسأل الطالبات فهن كلهن بليدات ؟؟!. أما التربية في الأرياف فوضعها مأساوي جداً، هناك فصول تختفي، يدرسون هذه السنة، والسنة الثانية لا يدرس فيها أحد، هناك رسوب هائل وتسرب للطلاب، على سبيل المثل في المكلا، في مدرسة الخنساء كانت مدرسة تدرس الطلاب، ودخلت المضغة من خارجه إلى الصف الأخير ثم وزعوها على بقية الطلاب، ثم رمى بها أحدهم في بالطو المدرسة من الخلف، وإذا بهم بعضهم راسب ثلاث سنوات. الشاهد أن نسبة التسرب والرسوب مؤشر للتعليم، وكذا معدل القبول للدراسة، وللأسف فعندنا في حضرموت لا يدخل الطفل إلا وعمره ثمان سنوات خلاف كل المحافظات الأخرى. القبول + التسرب + الرسوب = مؤشر التعليم. - هناك ما يسمى بالمدرسة الميتة ولها مؤشرات منها: -1- انعزالها عن مجتمعها دون أن تؤثر أو تتأثر، فالأصل أن المدرسة مؤسسة تنويرية في المجتمع. 2- -جفاف قنوات التواصل بين المعلمين، فلا يستفيد بعضهم من بعض ولا يعاون بعضهم بعضاً في حل المشكلات والتربية. -3- فشل المدرسة في تقديم خبرات حياتية يستفيدها الطالب في الواقع العملي، فالطالب يحتاج إلى معرفة ويحتاج إلى قيم ومهارات: معرفية + نفسية ( قيم) + مهارات= بناء الإنسان. الدولة ملزمة بالتعليم الأساسي للطالب بحيث يخرج مؤهلاً للمعيشة الحياتية. 4- -عدم ربط الجهاز الفني والإداري. - لا يوجد تأهيل لمدراء المدارس، بعضهم دائماً لا يعرف إلا العصا مع الطلاب. التقيت في العراق بالأستاذ الدكتور لقمان حمزة – عندما كنت هناك ودرس ابني في المدرسة التي يديرها – مرتين فقط فعندما جئت إليه قال لي: أهلاً أبا جلال، مع أن عدد الطلاب عنده ألف طالب، يعرفهم على واحد واحد، عندما يدخلون صباحاً في بداية الدراسة كان يستقبلهم ويصافحهم ويعرف أسماءهم، فيحرصون على أن لا يستقبلهم ويصافحهم وهم متأخرون ولهذا يسابقون لإدراك بداية الدوام. -5- عجز المدرسة عن تأهيل المعلمين، فالمدرسة كما يقال هي الموجه المقيم. -6- غياب المعايير لأداء متميز للمدارس ثم تحدث عن مشكلات في التربية وقال: نحن أمام التربية العارية في ظل العولمة، فالجيل الآن عنده قدرات افضل من قدراتنا؛ لأن بيئتهم غنية بمعرفة الثقافات، هم أذكياء جداً ولكننا نحن الذين نهدر ثقافتهم وذكائهم. كثير من العباقرة يضيعون في المجتمع لا يجدون من يحتضنهم من مدارس وغيرها، أسست مدرسة للمتفوقين على أيادي أهل الخير ولكنها تراعي أعلى درجات الحفظ فقط لا العباقرة، وللعلم أن كثيراً من العباقرة في العالم راسبون في الدراسة، حتى المشاغبين في الصف أحياناً هم أذكياء، ويمكن تقسيمهم إلى قسمين: 1- لم يفهم الدرس فيشاغب. 2- فهم الدرس بسرعة فهو يشاغب من بجانبه لأنه قد فهم الدرس. - هذا الجيل جيل ذكي ولكنه أهمل القيم والمهارات، انظروا إلى الشباب كيف يخاطب؟! كيف يلبس؟! كيف يمشي؟! تتعجب عندما شاباً يحلق حلاقة غربية ويلبس بنطلون على الطريقة الغربية ثم تجد في فمه مضغة، لا تستطيع أن تفسر هذه الظاهرة، فالقيم تربى على شكل ممارسة لا نظريات، والذي يجري الآن في الشارع وفي السياسة وفي الجانب الاجتماعي و… الخ، كله نتاج التربية، تصوروا حسب بعض الإحصائيات في ثانوية بن شهاب 80% من طلاب ثانوية ابن شهاب يمضغون. - يجب أن تقام اتفاقيات بين منظومات المجتمع والمدارس، شراكات بينها البين، اتفاقية بين ولي الأمر والمدرسة، يجب أن تساند هذه المنظومات في المجتمع المدرسة. - إذا نظرنا إلى المعلم، فالمعلم في بعض الدول بعد خمس سنوات يذهب ويجدد معلوماته، ويأتي بشهادات، هنا عندنا يقولون عشرين سنة خبرة في التدريس والصحيح أنها خدمة وليست خبرة، أما الخبرة فقد لا تتجاوز سنة من العشرين، وإذا نظرنا إلى كليات التربية كلها جانب نظري، عندنا في المكلا كلية التربية لم تقدم مهارات تعليم للمعلم، في الدول الأخرى يعلمون المعلم مهارات خاصة بالتعليم، ولهذا قيسوا المتخرجين من كلية التربية بالمكلا مع من يأتي من الخارج: فلسطيني عراقي سوداني. لقد وضعت منظمة " اليونسكو " أربعة مبادئ للتعلم: 1- التعلم للعمل. 2- التعلم للعيش مع الآخرين. 3- التعلم للكينونة ( الذاتي ). هذه المبادئ يحكمها مفهوم عام هو: " التعلم مدى الحياة " . على الدولة أن تخصص ما لا يقل عن 6% من الناتج القومي للتعليم. وأخيراً قال : إن هذه الأزمة سنعاني منها خمسون سنة على الأقل. هذه مجمل المحاضرة ثم أبدى الحاضرون إعجابهم بالمحاضرة، وتساءل الأساتذة والمثقفون عن الحل، واعترفوا أن المحاضرة قد حققت هدفها بامتياز، وأن المشكلة مركبة في التعليم من الغش الذي أصبح مستباحاً ويُهدد فيه رجال الأمن الذين جاءوا لحماية المدرسة والمدرسين من بلطجة الطلاب الغشاشين، وغيرها من المشكلات، وأنه لابد أن تعقد مؤتمرات أو ورش عمل أو ندوات موسعة لمناقشة هذه القضية ، وتوضع حلول عملية، وتوصيات ويتابع تنفيذ هذه التوصيات، وأن القضية خطيرة تختص بأجيال قادمة هم من أبنائنا، وتساءل بعضهم هل من الضروري إقامة امتحانات ثانوية عامة أو إلغائها؟ وهل هناك طرق لتقويم الطلاب؟ وماذا قدمت أنت عندما كنت عضواً للمجلس المحلي؟ فأجاب الدكتور سالم لقد قدمت رؤية عن التعليم في حضرموت إلى 2013م ولكن لم تؤخذ بعين الاعتبار، وكنت أريد فقط في هذه المحاضرة أن أثير الموضوع، وأن أجعل إخواني يحملوا الهم الذي أحمله ويعرفوا الأزمة التي نعانيها.