أذهلني بقدر ما أحزنني رحيل علمين من أعلام الصحافة اليمنية قل ما يجود بمثلهما الزمن . الأول هو رائد الصحافة الحضرمية المعاصرة الأستاذ أحمد عوض باوزير رحمه الله مؤسس وناشر ورئيس تحرير صحيفة " الطليعة "الحضرمية ، والثاني شيخ الصحفيين الأستاذ صالح عبده الدحان رحمه الله الصحافي المتميز والكاتب والقاص الذي رأس صحيفة "الشرارة" العدنية عقب الاستقلال و ساهم في إصدار صحيفة "البورزان " وأحد مؤسسي الاتحاد اليمني ،ومن أوائل من رفع شعار الجمهورية .فالمذهل أنهما رحلا في نهاية الأسبوع الماضي ، وشيعت جنازتيهما في عصر يوم واحد هو السبت الماضي . والمحزن رحيلهما ولما يجدان التقدير والاهتمام اللازمين واللائقين بمكانتهما وما قدماه من عصارة جهديهما . ومن المفارقات العجيبة أنني لما أعدت إصدار "المسيلة" بالمكلا في 28نوفمبر1989م ، وساهم في الكتابة فيها صحافيون قديرون من صنعاء أمثال الأساتذة : محمد يحي شنيف ،و محمد اللوزي ، وطه العامري ، وعبد الله بشر وآخرون ، ولم يمض على معاودة صدورها سوى ثلاثة أشهر، حتى أطل علينا شيخنا الراحل "العم صالح"كما يحلوا لصديقي الصحافي فؤاد راشد مدير تحرير " المسيلة" الأسبق ، أن يسميه وهو الذي عرفنا عليه ، اطل بعموده الأسبوعي الذي سماه " الأحد .. أبداً " . واستهله بتخصيص مادته الأولى للكتابة عن أستاذنا الراحل أحمد عوض باوزير.إذ كتب قائلاً : (مقدمة : كتبت هذه التناولة في تاريخين مختلفين: النصف الأول تمت كتابته في 2/10/98, والثاني في غرة هذا الشهر.. وأرجو أن يعتبر موضوع واحد كونه يطلق صرخة موحدة أخرى في المكلا ..نحو صنعاء أبدا!!) ( 43 سنة مرت على هذا الموضوع, لكنه ما يزال طويا على الذاكرة, كان ذلك في العام 1956م عندما زرت مقر أول صحيفة يمنية مزدوجة اللغة باسم "الريكوردر" ( the recorder) في مكتبها الواقع ضمن منزل صاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ محمد علي باشرا حيل رضوان الله عليه, الواقع في بدايات الخليج الأمامي- بجوار إدارة المعارف- من صيره عدن. في دارة الباشراحيل هذه كان لي أول جلوس على ديسك الصحافة اليمنية. صحيح انه في ذلك العام (1956م) كان أسمي فيه قد ظهر ولمرات في الصحف والجرائد العدنية : " النهضة" .. " اليقظة" .. " البعث".. وغير التي في " الرقيب" نفسها.. لكن دون جلوس على كرسي في إدارة أي صحيفة منها. هذه المرة فقط زرت مكتب " الرقيب" فدعاني مدير تحريرها الأستاذ الجليل أحمد عوض باوزير- أطال الله عمره- إلى الجلوس, لم اصدق أولا أنني في حضرة أستاذ ودي الأسلوب .. الصحافي والكتابي الثري بتميزه ودفق عباراته بلاغة وسلاسة ووضوحا, فكيف اصدق دعوته لي بالجلوس.). ويستطرد فقيدنا الدحان في عموده هذا بالقول في فقيدنا أحمد عوض باوزير قائلا: ( هاهو الأستاذ أحمد عوض باوزير.. الكاتب الصحفي المعروف يقبع أمامي بشحمه ولحمه.. ويتبدى أمام ناضري كما يتبدى أي إنسانٍ آخر.. يا إلهي ! لماذا يبدو لنا ، الذين نتطلع إليهم ونروم أن نحل محلهم، عاديون كما هم على شاكلة هذا الأستاذ التي أراه عليها الآن ؟.كنت أعتقد أن المبدعين مختلفون لكن هاهو الأستاذ باوزير بنظارته العاجية وشاربه الكث وقامته العادية ونبرة صوته وثيابه العادية:الفوطة القطنية الرمادية والشميز " القميص" الأبيض والشعر الأسود المرتب والوجه الأسمر الناحل .. هاهو كأي واحد من الناس الذين التقيتم…… لا شيء يميز هؤلاء المبدعون عن غيرهم من عباد الله! لا شك أن ما يميزهم عن غيرهم هو ما لا يبين لنا .. هو المخفي في تلافيف أدمغتهم، لكنه مع ذلك هو ما يفرزونه على الصحائف والأوراق . ) . ثم يختم مقاله هذا بمناشدة القيادة السياسية لتكريم فقيدنا الباوزير تكريماً يليق بمكانته وقدراته .[ المسيلة العدد : 107 7مارس 1999م] هذا هو الوفاء المتبادل بين المبدعين والمجسد في مقالات هذين العلمين اللذين رحلا عن دنيانا في ذات الأسبوع وشيعت جنازتهما في ذات اليوم . رحم الله الفقيدين وأدخلهما فسيح جناته ، إنا لله وإنا إليه راجعون . [email protected]