كعادتي كلما أردت معنى مفردة عربية, أدخل على موقع الباحث العربي ( عشماوي ) لأتصفح معاجم اللغة التي يحويها الموقع, وأبدأ رحلة التتابع خلف حصيلة النتائج الموجودة, وأراجع المعاني المختلفة لهذا الجذر واشتقاقاته وكلام العرب فيه من مشعور ومنثور. فقلت لم لا أدخل وأبحث عن معنى كلمة ( خنبق ) وهل هي عربية فصحى أم من اللسان الدارج أي اللهجة العامية. وكانت النتيجة على عكس توقعاتي تماما, فكلمتي لها إشارات في المعاجم وأعطاني محرك البحث هذه النتيجة: خنبق ( لسان العرب ) الخُنْبُقُ: البخيل الضيق , والخِنْبِق: الرعناء. الخُنْبُقُ ( القاموس المحيط ) الخُنْبُقُ, كقُنْفُذٍ: البخيل الضيق. هذه هي النتيجة التي أسعفني بها الباحث العربي وهي غير كافية ولا شافية بالنسبة لي, لأن معناها بحسب لساننا الدارج غير المعنى الوارد في المعاجم. ولكن ممكن تكون ضيفتنا (خنبقة) مشتقة من ( الخِنبِق ) بكسر الخاء والباء, بمعنى الرعونة, وهي بهذا المعنى قريبة إلى حد ما من معناها العامي. يظهر أن المعنى اللغوي أخذني قليلا وكاد أن يهيم بي في أودية اللغة بينما المقصود غير هذا, إضافة إلى أنني ليس لي فيها لا ناقة ولا جمل؛ أقصد علوم العربية. خنبقة: عكس الإتقان والإحسان, وعكس كل علوم الإدارة والتطوير, هي العشوائية والفوضى وعدم المسؤولية, هي كل ما يحمله التسيب والتقصير واللامبالاة, هي تجاوز حدود النظام والقانون, هي نظام عكسي تماما لكل أبجديات التطوير والبناء والتقدم والشعور المسؤولية. هي عدم الخوف من الله عز وجل في حفظ الأمانة ورعايتها. هي باختصار شديد: مسئول كبير ( نايم على وذانه), وصغير تحته ينهب ويسرق, أي (يخنبق). قد تجد هذا المصطلح في كل مرفق وهيئة ومؤسسة وربما تجده في الأسرة أيضا, وربما تجده حتى في المسجد, لأنه ليست له بيئة معينة ينتسب إليها, وإنما هو شعور داخلي يحمله (المخنبق) أينما هلَّ وحلَّ. (الخنبقة) باتت اليوم علم مرفوع على كل مرفق حكومي, وشعار يميز إداراتنا الحكومية, في ظل غياب المحاسبة والتدقيق, وغياب مبدأ (من أين لك هذا؟), وهو يتأرجح صعودا ونزولا بحسب حجم وسمن هذه الوظيفة أو تلك, فهناك صناديق ومؤسسات كالبقرة الحلوب وهي مرتع (المخنبقين), وغيرها عجفاء هزيلة لا يكاد (المخنبق) يظفر منها بشيء. قال ( الشيبان ) الحضارم في قاموس الأمثلة الحضرمية: ( المال السايب يعلم السرقة ) وهي مقولة لها دلالتها الشرعية, لأن الشريعة أمرت بحفظ المال وحرزه. ولاشك أن المال العام اليوم, مال سائب مفلوت غير مصان ولا محفوظ من قبل ولي الأمر, وهذا ما جعل مصطلح ( الخنبقة ) يكون هو السمة البارزة في مؤسساتنا وصناديقينا وهيئاتنا. وشعور يتسم به كثير من القائمين عليها. من الخطأ أن نظن أن (الخنبقة) لا يمارسها إلا عِلْيَة القوم, أي المدراء والوزراء ومن في طبقتهم ومنزلتهم, أبدا؛ فقد سمعت (بخنبقة) فريدة ربما لا تجدها إلا في سلطتنا وحكومتنا, حارس القاضي الذي يحجزك عند بابه ولا تدخل إلا بدفع ضريبة أو غرامة أو استحقاق؛ لا أدري ماذا يسمونها, ولكن لابد من الدفع للجندي حتى يدفع بك للقاضي. وحتى إعلامنا لا يخلو من هذه الشريحة المريضة من البشر, فهم من يقوم بدور إضفاء النزاهة والمصداقية على (المخنبقين), بل تجده حربا وعدوانا, وغارات شرسة تُشن على خصومه, بينما (يطبطب) ويلّمع كل يوم في من فاحت رائحة الخنبقة من جيوبهم وشعورهم وكروشهم. إعلام (مخنبق), يوالي ويعادي تحت راية الحزب, لا يرى النزاهة إلا تحت عباية حزبه, وكل الخيانة والنهب والسرقة واللصوصية, فيمن خالف حزبه.( خنبقة إعلامية ) هكذا أصبحت حياتنا تقوم على (الخنبقة), وكلما رحل ( مخنبق ) خلفه من هو شر منه, كحال الدنيا التي ما من عام إلا والذي بعده أشر منه. كنا نعتقد أن ( الخنبقة ) في كل من يأتي من خارج حضرموت, وثرنا جميعا وبلغت حجتنا كل مبلغ, وصحنا بهم وأنهم ناهبون غزاة, واستجاب لطلبنا ( المخنبق ) الكبير وولّى علينا من هم من بني جلدتنا ويتكلمون لهجتنا الحضرمية, وإذا بهم صاروا أساتذة ودكاترة في ( الخنبقة ) وما يقبصك إلا قمل ثوبك يالحضرمي. شكر وتقدير: للمبدعَيْن المتألقَيْن ( أبو سالم ) أحمد محروس وأديب الحضرمي, لبرنامج ( خنبقة ) على ( يوتيوب ) الذي يساهم في فضح المخنبقين الحضارمة أولا قبل غيرهم, وكشف خنبقتهم, وأتمنى لو يواصل هذا البرنامج مشواره في تبصير الناس بهذا الطابور المجرم الذي ينهب ويسرق في مال أبناء حضرموت ويدعي بأنه ينتسب لهذه البلدة الطيبة.