وصفت بعض وسائل الإعلام الاحتشاد الجماهيري الذي شهدته مدينة عدن يوم الثالث عشر من يناير 2013م في ذكرى ما صار يعرف بيوم التصالح والتسامح بالحشد الأسطوري والخروج الأسطوري. وكل شيء حقيقي يتجاوز إمكاناته المألوفة يوصف بالأسطوري انطلاقا من كونه يثير إحساسا داخليا عميقا بالهيبة كما كان يجري في ذهن القدماء عن أساطيرهم- حقائقهم. الرقص.. الألوان.. الأجساد.. الموسيقى.. النداءات.. الرايات.. التدفق.. امتلاء الساحات.. انشداد الأقدام إلى الأرض.. تقديم الغذاء بما يشبه القرابين.. كلها أجواء طقوسية، وعندما تتكرر تلك الأجواء مناسبة تلو مناسبة يزداد فيض التداعي والتواجد، فليس ثمة هوة في الأسطورة بين الذات والغاية التي تلتحم بها, الإنسان داخل الأسطورة قريب من الشيء الذي يؤدي طقسه من أجله. للأسطورة (الفعل المجاوز للحد) قوة كالسحر أو هي ساحرة بهذا المعنى.. وتتناسل عبر الزمان في اللاوعي رغبة في الوصول إلى عالم النقاء أو ما قبل تكوين الجروح. وهي بالمقابل تنتج تصورات مخيفة عند من تتوجه ضدهم، وقديما كان الشاعر يدخل في أساطيره الخاصة ليرهب خصومه ويشن عليهم هجومه وتأثيره.. مرجعية ذلك الحشد- الأسطورة هي الشعب صادرا عن نفسه، لا يوجهه أحد، بل يصنع مرجعياته انطلاقا من ذاته التي يكبر فيها معززا حيويته وتدفقه في نسخة أصلية غير مزيفة، ولعل في الحكاية الأسطورية الآتية من حكايات الإغريق ما ينقل حقائق تلك اللحظة ونتائجها: ((على الرغم من الألقاب العسكرية العديدة الدالة على الشجاعة والقوة والمنعة التي تمتعت بها أثينا (آلهة الحكمة والحرب عند الإغريق) فإن شجاعتها لم تكن تلك الشجاعة المتهورة الميالة إلى سفك الدماء، مثل آريس إله الحرب، وقوتها لم تكن القوة الغاشمة الفتاكة. لقد كانت القوة والشجاعة العاقلة المتأنية التي تردع المعتدي وتدافع عن الحق وتكسر شهوة إله الحرب نحو القتال، لقد كانت عنصر توازن يغلب العقل وينتصر على النزق والتهور)) فأحبها اليونانيون، واحتفوا بها، وقدموها على الإله بوسيدون الذي منحهم نافورة من المياه المالحة، بينما زرعت لهم ((أثينة لأول مرة بالمنطقة شجرة الزيتون. ودب خلاف محتدم بين أثينا وبوسيدون على سيادة المنطقة أفضى إلى تدخل زيوس- رب الأرباب عند الإغريق- ليحسم النزاع. وبدوره عين زيوس هيئة من اثني عشر إلها لتفصل في الأمر، واستشهدت هذه الهيئة بالملك كيكروبس حاكم اتيكا، وكان رأي كيكروبس أن شجرة الزيتون أجدى نفعا لأهل المنطقة من مجرى المياه المالحة، وأخذت هيئة التحكيم برأيه وأعلنت جدارة الربة أثينة بامتلاك منطقة أتيكا وبسط رعايتها عليها، وأطلقت الربة- بناء على ما تقدم- اسمها على المنطقة، وهو ما أثار غضب واستياء بوسيدون)) لكن دون جدوى إذ ما يزال اسم أثينا يطلق على المدينة حتى هذه اللحظة. مرجع الحكاية هو مجلة عالم الفكر الكويتية (ع4/ م40/ إبريل- يونيو2012م) من بحث للدكتور محمد السيد محمد عبدالغني.