صدرمؤخراً كتاب جديد بعنوان:(أيها الماضي وداعاً ..ذكريات وخواطر)تأليف اللواء ركن خالد أبوبكر باراس وهو كتاب في السيرة الذاتية، ولأن المؤلف من الشخصيات المعروفة بنشاطها السياسي على مستوى حضرموت والجنوب منذ ستينيات القرن الماضي فقد تداخلت في ثناياكتابه القصة الخاصة مع الشأن العام . وكان عنوان الكتاب قدشغل حيزاً لافتاً في النقاشات التي دارت في مقر اتحاد الأدباء بالمكلا بحضور المؤلف، وتعددت الاجتهادات بين المؤيد والمعارض ،ومع احترامنا للبواعث الخاصة في اختياراتالمؤلف فإن العنوان ابتعد عن مضمون الكتاب الذي هو في الأصل استدعاء مكثف للماضي ومحاولة لاستحضاره، ومعروف أن بين الماضي والحاضر وشائج متفاوتة المسافة لكنها ليست معزولة عن بعضها البعض،ويبدو أن التجربة المريرة والمحزنة التي عاشها المؤلفهي الدافعة لاختيار هذا العنوان المثير للجدل. قسم المؤلف الكتاب إلى جزئين؛الجزء الأول استعرض فيه جانباً من طفولته التي صقلتها المآسي على حد قوله في قرية (ودودة) والجزء الثاني تحدث فيه بمرارة عن بدايات الحكم الجمهوري في الجنوب إلى أحداث يناير 1986م وتداعياتها وعنونه ب:(إرهاب الدولة والانكسارات المحزنة) ومع ما في الجزء الأول من مادة توثيقية للحياة الاجتماعية في وادي حجر وعلى الخصوص قرية (ودودة) حيث مسقط رأس المؤلف ومرتع طفولته فإن الجزء الثاني يعدالأكثر أهمية في نظرنالكونهاستعرض مرحلة تاريخية بالغة التأثير في واقع الناس وقتئذ ، وما تزال تلقي بظلالها وأعبائها على حاضرهم ومستقبلهم. إن الكتاب يسجل شهادة خالد باراس على عصره بحسب الأحداث التي شارك فيها، وكان (باراس) محقا عندما كرر اعتذاره للقارئ لعدم تناوله وقائع تاريخية مهمة لم يكن طرفا فيها أو شاهدا عليها،فهو يدرك أن مايكتبه لايدخل في مجال الكتابة التاريخية المتخصصة، وإنما يروي سيرته الشخصية كما عاشها وتقلب فيها ،وقد سبق(باراس) في منحى مشابهزميله الشيخ عبدالقادر باكثير عندما كتب مذكراتهعن مرحلة النضال الوطني، ولاريب فإن ما سطره هؤلاء، وماسينشر من مذكرات وذكريات للمعاصرين لتلك المرحلة سيكون معينا للباحثين عن الحقيقة ،ورافدا لأصحاب القراءاتالتاريخية التي تهدف إلى استلهام التاريخودراسته وأخذ العبر منه. ولسنا هنا بصدد استعراض موضوعات الكتاب والقضايا الشائكة التي ذكرها والمآسي التي مربها المؤلف في طفولته،وإنما نهدف إلى ذكر بعض الانطباعات العابرة حول هذا الكتاب الذي تجاوز في بعض مضامينه قصة باراس (الواقعية) إلى (قصة) النظام الثوري الذي حكم الجنوب. وألمح المؤلف بأنه دخل لعبة السياسة والحكم بعد خروج الانجليز بعقلية المناضل المثالي، وسلامة طوية ابن الريف لهذا اصطدم بتوجهات حادة الطرح، متطرفة المواقف، وربما كان ذلك من أهم أسباب متاعب (المناضل) باراس ومآسيه، ومن سار سيرته.وفي حقيقة الأمر كانت هي مأساة جيل دفع الثمن غاليا،ففي تلك المرحلة،وفي خضم الحماس الثوري حكم الثوار بخبرة متواضعة وبروح غلبت فيها ذوات البعض منهم على المصلحة العامة، فصار ما صار. والمؤلف ترك – بصراحته اللافتة – المجال واسعا أمام القارئ لينتقد ماشاء له النقد أو ليتعاطف معه دون أن ينزه نفسه عن الأخطاء أو يزعم لنفسه بطولات، وهذا ما يساعد على تفهم مايقوله، واحترام شهادته، ولكن سيظل الكتاب مجرد رواية بزاوية نظر واحدة، وللاقتراب أكثر من مشهد الأحداث لابد أن تأخذ هذه الرواية دورتها المناسبة في الدرس والتمحيص والمقارنة،ودائما صفحات التاريخ المشرقة أو تلك المظلمة سيقول الناس فيها قولهم بما يستحقهالمؤثرون في مجتمعهم طال الزمن أو قصر. وقدكتب(المناضل) باراس كتابه بأسلوب سلس وشائق وعلى طريقة الشي بالشيء يذكر،وتعمد إلى أن تخرج (روايته) بمشاعره وأحاسيسه النابعة من أعماقه، والمعبرة عن شخصيته لهذا ترك لقلمه العنان دون أن توقفه العناوين الفرعية وظهر وكأنه يحكي سيرته على سجيته أمام حشد من الناس في مجلس عام ، (ولو) عُرِض الكتاب قبل طباعته على مختص في اللغة العربية للتدقيق لجنبه الكثير من الأخطاء الطباعية واللغويةالتي مثلت في نظرنا نقطة ضعف الكتاب الرئيسة. والكتاب عموما يستحق القراءة،وصدر في توقيت مناسب وفي ظروف تبدو متشابهة، فما أحوج الناس للعبروالتدبر،وللذكرى والتذكر،والذكرى دائما تنفع المؤمنين، وللغافلين منهم نقول: هل من مذّكر؟