حضرموت كعادتها تنتج المواهب في جميع المجالات ومنها الفني .. لكنها تصطدم بمعوّق الإمكانات والدعم ، لفت انتباهي شاب مبدع .. في كل مناسبة وحفل يُذكر اسمه .. انه الشاب الفنان رشاد برك محفوظ بن سعيد .. الموسيقي والملحن الذي غدا اسمه معروفاً على مستوى حضرموت . وما شدّ انتباهي أكثر انه أنشأ أستوديو بمنزله بوحدة سامي ( المنوّرة ) بديس المكلا .. وهو معلّم لمادة الرياضيات بثانوية ابن شهاب للبنين بالمكلا . زرته في منزله مساء أمس .. فوجدته كعادته إلى جانب معشوقته آلة ( الأورج ) ينتج عملاً فنياً لإحدى مدارس المكلا .. وعلى الجانب الآخر آلة ( العود ) .. واستديو متواضع أنشأه بنفسه بإمكانيات ذاتية . تعلّم رشاد برك العزف والموسيقى على يد أخيه التربوي الفنان ( فرج برك بن سعيد ) ، ثم على يد التربوي الفنان غالب عوض اليزيدي .. فأجاد العزف على جميع الآلات الموسيقية والنحاسية وقاد فرقة رعاية الشباب التابعة لإدارة التربية سابقاً . بدأ العزف على آلة ( الأورج ) مبكراً وعمره (6) سنوات على خشبة المسرح بدار السينما الأهلية في حفل لرياض الأطفال عام 1976م. والغريب أن الفنان رشاد برك يعمل كما قلنا مدرّساً لمادة الرياضيات بثانوية ابن شهاب للبنين بالمكلا .. فكيف استطاع الجمع بين الفن والرياضيات ؟ يقول رشاد ( إلمامي بالموسيقى ساعدني على تعلّم الرياضيات والعكس صحيح ، فالموسيقى والرياضيات تقومان على أساس التوازن الحسي عند الإنسان ، والموسيقى هي أصلاً عملية حسابية ففيها حساب الأزمنة والموازير الموسيقية (المقطوعات) والموسيقى عبارة عن صوت وزمن ، وحساب الكوردات ووضع النوتة الموسيقية يحتاج إلى حساب دقيق وأي زيادة تخل بالأغنية). بين ممارسة الفن والتدريس .. هل يتخبّط رشاد برك ؟ قال لي : ( أنا أنظّم وقتي وليس هناك عرقلة بين العملية التعليمية والجانب الموسيقي الذي هو عامل ترفيه بالنسبة لي ، وقد حصلت على العديد من الشهادات والدروع في المجالين التربوي والفني أبرزها من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ) . عزف رشاد برك مع العديد من الفنانين في حفلات ومخادر ، أبرزهم المرحوم سعيد عبدالنعيم وكرامة مرسال ومحفوظ بن بريك ، لكنه لم يعد يحبّذ العزف المخادر بسبب تأخّرها مساءً والتزامه بمهمة التعليم في الصباح .. وظل يعتمد على التعامل الفني مع الفنانين والإنتاج الفني للحفلات ومنها الحفلات المدرسية .. كما ارتبط بأعمال مشتركة مع الفنان الإعلامي أنور سعيد الحوثري ، والفنان التربوي أحمد عبدالله حسن . خاض غمار التلحين .. وكان له الفخر بتلحين المقطع الافتتاحي ( الأطفال ) للوحة ( أعراس الجذور ) التي قدّمتها حضرموت عام 2005م .. كما قام ببناء القالب الموسيقي لهذه اللوحة وربط تسلسل الأحداث منذ لوحة ( الأطفال ) حتى ( البحر ) . إلى جانب تأليفه للموسيقى والألحان والمقدّمات الموسيقية لكثير من المخادر والأعمال وتحسين اللحن وتوزيعه .. وله معرفة بالحاسوب ، فهو ملم ودارس للكمبيوتر والبرمجة وإدخال الأنظمة . حين وجدته يتفنّن بإدخال بعض التحسينات على عمل فني بالأورج والكمبيوتر .. سألته : هل بات الأورج المسيطر على مقاليد الأمور .. بمعنى أنه حلّ محلّ بقية الآلات ؟ قال : (( ليس بالمطلق … نحن بحاجة إلى جميع الآلات خصوصاً عند بداية العزف يجب أن يكون على الآلة ذاتها مثل العود والقانون والكمان ، وبعد ذلك يمكن أن نمضي ببقية العمل عبر الأورج بذلك التكنيك ) . تركته يعزف .. واتجهت صوب الاستديو .. فإذا به غرفة صغيرة تقع أسفل المنزل .. استطاع رشاد برك تسخيرها وتحسينها بإدخال بعض التحسينات عليها .. معتمداً على بعض أدواته الخاصة مثل المايكات ومكبرات الصوت المرتبطة بالأورج خارج الغرفة .. هذا الاستديو أنشأه عام 2004م .. بأجهزة بسيطة .. لكنها تنتج أعمالاً جداً كبيرة . يقول : ( أنشأته بجهود ذاتية .. حضرموت بحاجة ماسة إلى استديو حديث ومتكامل به جميع الأجهزة الحديثة والمتطورة من مكبرات صوت وأدوات للتسجيل وآلات موسيقية .. وحينها لا نحتاج للذهاب إلى الخارج .. نحن نمتلك الموهبة .. لدينا العازفين والشعراء والمؤلفين والملحنين .. لكننا لا نملك الدعم والاهتمام .. استديو حديث لن يكلّف أكثر من 20 أو 30 مليون ريال .. لكن أحداً لا يهتم بهذا الموضوع ) . يعيش التربوي الفنان رشاد برك محفوظ وسط أسرة فنية وتربوية ، فشقيقه الأكبر (فرج) فنان معروف وقائد لفرقة موسيقية .. وشقيقه ( الأستاذ سالم ) شخصية تربوية .. ونجل شقيقه ( فيزان فرج ) موهبة قادمة في مجال العزف .. فقد فاز بجائزة رئيس الجمهورية للشباب عام 2009 في مجال الموسيقى عن معزوفة قدّمها حول (أضرار سيول عام 2008م) وكانت روعة في الأداء تحكي بالموسيقى دون أي صوت مأساة الأضرار وأثرها على المناطق التي تضرّرت وما أحدثته من أضرار نفسية ومادية . له من الأبناء (3) منهم ولدان وبنت .. ويحظى بروح مرحة وموهبة عالية .. لكنه كغيره من فناني حضرموت بحاجة للدعم والمساندة . فهل تشهد حضرموت إنشاء استديو حديث متكامل ؟ .. أم سنظل نصدّر ألحاننا وموروثنا وفنّنا للخارج ؟ . وكلّما سمعنا أغنية من أغانينا تتردّد في الخارج .. قلنا (هذه حقنا ) .. وهم يقولون: ( من التراث ) !!.