ارتبط اسم المفكر والمؤرخ سعيد باوزير بثلاثيته الشهيرة التي صحب قراءه في أولها إلى معالم من تاريخ الجزيرة العربية وفي الثانية جلس يقلب معهم صفحات من تاريخ حضرموت, وسلك مسلكا خاصا في الثالثة عندما اقترب بهم إلى عوالم من فكر حضرموت وثقافتها. وحقيقة الأمر فإن المفكر باوزير تجاوز في مشروعه التحديثي هذه المؤلفات الثلاثة الشهيرة, فقد كتب مئات المقالات الاجتماعية والتربوية والسياسية غاص خلالها في قاع المجتمع الحضرمي وتوغل في تفاصيله محاولا بعث روح جديدة فيه تواكب الحاضر وتستعد للمستقبل. سلاحه الوحيد الكلمة الصادقة , والنصيحة المخلصة,والمواقف الثابتة, والآمال العريضة,.كانت الصحافة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي الوعاء الملائم الذي سكب فيها تطلعاته الوطنية. وما سطره في صحافة تلك المرحلة يعد مدرسة مميزة في الكتابة الصحفية من حيث حلاوة الأسلوب وسلامة الفكرة ومتانة اللغة ووضوح الرؤية .ارتبط في مقالاته بقضايا أمته العربية وتفاعل مع أحداث المد القومي في الحقبة الناصرية وحلم كما حلم الملايين من العرب بالوحدة العربية والعزة والكرامة لهذا كان دائما في صف دعاة الحرية والتحديث. انتقد علاقة سلطنتي حضرموت بالاستعمار البريطاني ونادى بحق الجنوب في تقرير مصيره. وعندما نبحث عن أسباب نمو الوعي الوطني لدى فئات المجتمع في حضرموت سنجد لكلمات باوزير صدى لا يمكن إغفاله بل وسيصنف من رجال الثورة، ومن مفكريها . وبعد الاستقلال الوطني ربما كان المتوقع لباوزير- وغيره من المتنورين - أن يحتل مكانا متقدما في الحكم الجديد (فرصيده النضالي ) يغطي لجني المكاسب الشخصية, وعليه فقط الدوران مع دورة الثوار. ولكن كلمات باوزير لم تكن تبحث عن شيء من هذا أو ذاك, ثم إن تلاحق الدورات الطائشة جعلت باوزير ومن مثله يحدقون في مشاهد غريبة غير التي بشروا بها, ودعوا إليها, وكانت مفارقة دراماتيكية ، فالنظام الذي سعوا للخلاص منه هو الذي سمح لهم بحرية الكلمة بتعدد مذاقها واختلاف ألوانها, والجديد لم يقدر إلا كلمة واحدة,و بلون واحد. بل شرع من القيود ما يجعل الخروج عنها خروجا يستحق العقاب. ولما يزيد عن العشر سنوات من الحكم الجديد سكت قلم باوزير عن الكلام المباح ,وكان من الخبرة والنضج ما يؤهله لمساعدة من يريد المساعدة ولكن……… أما مفكرنا فقد صمت صمتا اضطراريا,لكنه كلام الصمت, من جانبنا لم نسكت بل حاولنا البحث عن سر قوة الصمت وحكمته في وجدان باوزير, ولم نعرف هذا السر ونفهمه إلا بعد قراءة كلماته التي كتبها قبل رحلة الصمت بسنوات عندما قال: " كم خسرت من أصدقاء ,وكم أضعت من فرصة , وكم تجرعت من غصة, وكم تعرضت لألوان من الألم ,وكم كابدت من مصاعب ومشقات,لقد تقبلت كل ذلك في عناد وإصرار وأنا قرير النفس مرتاح الضمير لأنني احتفظت بشيء غال وثمين يعزيني عن كل ما فقدت لقد احتفظت بالمبدأ" وبقي علينا أن نسكت بعد هذه الكلمات الجامعة ونترحم على أستاذنا سعيد عوض باوزير فكلماته في حينه بددت عار السكوت,وكان في صمته كلام من نور….