(لابارك الله فيمن فرق بين حبيبين) هكذا قالها الحاج صالح من أبناء مدينة المكلا وهو ينظر بعين الحسرة لشواطئ المكلا وهي غارقة في أوحال المازوت اللعين ويعود بذاكرته للأيام الخوالي التي يغمر فيها جسده المتعب في مياه البحر البادرة ويرى بأم عينيه على ضفاف بحر المشراف كيف سرق المازوت على المدينة الأجواء اللطيفة التي يرسلها نجم البلدة كل عام في مثل هذه الأيام .. الحاج صالح تعوّد أن لايدير ظهره لبرودة بحر المكلا في نجم البلدة فهو شغوف بزيارة البحر كل يوم للاغتسال وهو يردد مقولة أجداده وآبائه في وصف مزايا هذا النجم (البلدة تخلي العجوز ولده) .. انقضى من شهر الخير رمضان الفضيل عشرون يوماً والشمطاء شامبيون1 ساطحة باطحة في سواحل المكلا دون أن تجد (لي ماتتسمى) من يزيح عن هواء المكلا النقي سمومها السوداء ، بعد أن أفسدت فرحة المكلاويين بمقدم نجم البلدة في لقاء سنوي حميم يهرع فيه الناس للانغماس في البحر لتخفيف معاناتهم من درجات الحرارة في صيف ساخن. في الأول من رمضان لم يتوقع ولم يضع أهالي مدينة المكلا في حساباتهم أن باخرة متهالكة كسيئة الذكر تلك ستسرق عليهم فرحتهم السنوية برمضان الفضيل وبنسائم نجم البلدة الذي يزور مدينة المكلا كل عام منتصف يوليو ، وبينما كان المكلاويون يترقبون هبوب نسمات البلدة العليلة أطلت الشمطاء شامبيون برأسها لتنفث سموم المازوت الخبيث بين سواحل وأزقة وأحياء المكلا القديمة فكان الإفطار والسحور بطعم المازوت . انتهت كل الآمال بفرحة أبناء المكلا بنجم البلدة وتلاشت بعد أن أهدت الناقلة اللعينة أطنان من التلوث والسموم لهذه المدينة الساحلية وأفسدت على أهاليها طقوساً خاصة بهم في شهر رمضان كل عام ، فلم تكن إلا الحسرة وعض أصابع الندم عناوين بارزة في أوجه الأطفال وهم يمنعون عن زيارة الشواطئ عصر كل يوم ، وكبار السن وهم عاجزون عن التمتع بالاغتسال في سواحل المكلا الجميلة. سحب هذا الشبح الذي يهدد البيئة البحرية لمدينة المكلا بات أمر ضرورياً في ظل اعتراف متأخر لسلطات حضرموت أنها عاجزة عن مواجهة كارثة مثل هذه ، وفي هذا الأثناء لايزال مسلسل الاستخفاف من قبل صنعاءبحضرموت مستمر حتى تحقق ماحذرت منه الجهات الناشطة في مجال البيئة من مخاوف عن تعرض مدينة المكلا لكارثة بيئية أليمة هاهي تغرق في وحلها حتى اللحظة. هذه الكارثة وقعت لتؤكد لنا أن صنعاء مستمرة في احتقار ونهب حضرموت براً وجواً وبحراً ، وأن هوامير صنعاء لم يكتفوا بنهب خيرات هذه الأرض على مدى عقدين حتى تصدى أحد هوامير تجارة النفط ليرمي بكل هذا الخبث في بيئة كانت تنتظر على أحر من الجمر أن يلطف الله بها من ويلات الحر اللاهب بمقدم ضيفها السنوي البارد (نجم البلدة) وهي حادثة تضع الكثير من علامات الاستفهام بعد تصريحات الزماني بأن هيئته لم تمنح تلك الناقلة أي ترخيص مايؤكد أن البلاد لاتزال تدار بأسلوب العربدة والمحسوبية والأفندم ن وأن الثورة المزعومة لاتعدو أن تكون تبادل أدوار لاغير . وبين تخبط السلطة المحلية في حضرموت عن إيجاد حل لهذه المصيبة الجاثمة على صدور أهالي المكلا منذ عشرين يوم وبين تأهب هذا النجم البارد لمغادرة المكلا بعد فشله في الانتصار على سموم المازوت بين هذا وذاك استوقفني الحاج صالح قائلاً : يامجدي والله معاده نجم البلدة قده ألا نجم المازوت ياولدي …