يعود الفضل في التحاقي بمدرسة الوحدات الابتدائية لأبناء جيش المكلا النظامي – بعد الله سبحانه وتعالى – للقائد صالح بن يسلم بن سميدع رحمه الله ، فهو الذي يسر لي فرصة الالتحاق بهذه المدرسة المخصصة لأبناء الضباط والعسكر ، فقد كان القبول في هذه المدرسة يقتصر على : - أبناء جيش المكلا النظامي . - أبناء الشرطة المسلحة . - أبناء الشرطة المدنية . - أبناء شرطة السجون . إضافة إلى بعض أبناء الجيش البدوي الحضرمي . وكان قبولي للدراسة بهذه المدرسة في العام الدراسي 60/1961م قد جاء بتوجيه من القائد الذي تربطه بوالدي علاقة طيبة توطدت و ترسخت وتعززت من خلال المسجد (مسجد جول الديس ) حيث كان والدي يتولى نظارة هذا المسجد ، وكان القائد يتردد للصلاة فيه ، وكان يساعد في توفير بعض حاجات ومتطلبات المسجد من جيبه الخاص في بعض الأحيان ومن خلال متابعته لبعض المحسنين من أهل الخير في أحيان أخرى . وخلال دراستي في هذه المدرسة التي استمرت أربع سنوات عرفت القائد عن قرب ، وعرفت فيه العديد من الخصال الحميدة التي يتمتع بها ، كما عرفت فيه القائد الشجاع الصبور الوفي الذي يتسع قلبه لحب الناس وتحمل أخطائهم ونواقصهم وعيوبهم ، والمساعدة في حلها بحنكة وحكمة الكبير الذي لا يحمل الحقد لأحد . كانت مدرستنا تقع وسط معسكر جيش المكلا النظامي بين (سكة الضباط ) التي تقع حالياً بالقرب من الاتصالات وبين ( سكة العسكر ) التي تقع حالياً بالقرب من مكتب الهجرة والجوازات ، وكان منزل القائد يقع على بعد أمتار من مدرستنا ، وكنا نشاهده في أغلب الأيام عندما ينطلق في الصباح من منزله إلى مكتبه داخل المعسكر ، ونشاهده في فترة العصر – بينما نكون في المدرسة نمارس بعض الأنشطة اللاصفية والتدريبات والتمارين الرياضية والعسكرية – . كان برنامجه الصباحي يبدأ بانطلاقته سيرًا على الأقدام مرتدياً بدلته العسكرية باتجاه مكتبه الذي يقع بالقرب من ميدان التمارين العسكرية ، وهذا ربما ليشاهد عن قرب الطابور الصباحي اليومي ، وحركة التدريب التي تتم كل يوم في الميدان من أجل زيادة مهارة الأفراد والضباط وتحقيق مزيد من الضبط والربط العسكري . وكان في بعض الأحيان وبشكل مفاجئ يمر على مدرستنا يلتقي بالإدارة المدرسية ، وببعض الطلاب ويساعد الطلاب ، كما يساعد أيضًا في حل الصعوبات التي تواجه التعليم في المدرسة ، إضافة لمساهمته في مساعدة بعض المحتاجين من الطلاب ، سواء في توفير بعض الملابس لهم أو المستلزمات الدراسية التي تيسر لهم مواصلة تعليمهم في المدرسة دون توقف ولا انقطاع . حظي باحترام وتقدير الضباط والأفراد على حد سواء ؛ لما كان يتمتع به – رحمه الله – من صدق في التعامل ، وحرص على إتقان أداء الواجب ، وسعي دائم لإعلاء شأن هذه المؤسسة العسكرية التي يقودها . كما كان ينظر للجميع بعين واحدة يقف مع الجندي عندما يكون الحق له ، ويساعد المظلوم حتى يعيد له حقه من ظالمه مهما كانت رتبته العسكرية . وبرغم الصرامة التي يبديها في عمله ، والتي تقتضيها ظروف المنصب العسكري الذي يتبوأه إلا أنه كان لطيفاً في معشره وتعامله عندما يخلع بدلته العسكرية ، حيث يتمتع بابتسامه عريضة عندما يسمع ما يضحك حتى ترى كل أسنانه ، وكان صوته هادئًا لا يرفعه إلا عندما يحتاج الأمر منه إلى أن يسمع الجميع كلامه . كان رحمه الله نحيل الجسم معتدل القامة ، هادئ الطباع ، حاد البصر ، قوي الذاكرة يعرف من يصافحه أو يحدثه من المرة الأولى للقائه ، يسير بخطى الواثق المتمكن من فعله العارف بشئون عمله ، المدرك للواجب الذي يمليه عليه ضميره . يلبس في غير وقت العمل كما يلبس أهالي المكلا ، فقد كان يلبس الصارون ، ويضع كوتاً أسود فوق الشميز الذي يلبسه ، ويضع على رأسه عمامة بيضاء وفوقها عقال أسود بما يفرضه عليه واجب المنصب العسكري الرفيع الذي كان يتبوأه . كان يحرص في بعض الأيام على أداء صلاة المغرب في مسجد (جول الديس ) الذي يعرف اليوم (مسجد عمره) وكان يساعد في تغطية بعض المتطلبات التي يحتاجها المسجد ، وكان بعض ذوي الحاجة ينتظرون وصوله إلى المسجد ، فقد كان لا يبخل على مسكين ، ولا يرد صاحب حاجة بحسب إمكانياته المحدودة ، كما كان يحمل بعض قضايا المواطنين إلى ذوي الشأن من أهل السلطة ، ويساعدهم في قضاياهم ، لذلك كان يحظى باحترام وتقدير جميع المصلين في المسجد والكثير من ساكني الديس الذين عرفوا أو سمعوا عن خصاله وأفعاله الحميدة . يهتم بالعمل داخل المعسكر وفق البرنامج الأسبوعي المعد والمتفق عليه ، ومن بين البرنامج صيانة الآليات والعتاد والأسلحة للحفاظ على الجاهزية العسكرية ، وكان يشرف بنفسه على تنفيذ البرنامج ، والتي يقع من ضمنه أيضاً الاهتمام بنظافة المعسكر ، حيث نشارك نحن الطلاب في برنامج النظافة الأسبوعي الذي يسمى (الفتيك) وننشد بعض الأناشيد و الزوامل ، ونردد بعض الأشعار أثناء قيامنا بهذه المبادرات الطوعية . وكان رحمه الله يتابع النشاط العسكري والرياضي لمدرستنا ، حيث كنا نشارك في حفلات ( عيد جلوس السلطان ) الذي يقام في ساحة القصر السلطاني ، وكذا في الاحتفالات التي تقام في المناسبات الدينية ، حيث كانت المدارس التي تشارك في هذه الحفلات : - مدرسة الوحدات لأبناء جيش المكلا النظامي . - مدرسة البادية لأبناء الجيش البدوي الحضرمي . - مدرسة القرية ( النقع ) لأبناء الشرطة المسلحة . و كان القائد يحضر بعض التمارين التي نجريها في ميدان التدريب الذي يقع بالقرب من المدرسة ، والتي يشرف عليها النائب عبدالله سالم بن علي الحاج ، وكان يشجعنا ويذلل بعض الصعوبات التي تواجهنا ، ويعدنا بالحوافز والمكافآت عند تحقيق الفوز في المسابقات الرياضية والعسكرية التي تتنافس فيها هذه المدارس ، وكنا نفوز ، وفي بعض الأحيان نتقاسم الفوز مع هذه المدارس في الاستعراضات العسكرية ، وفي النشاطات الرياضية ، وفي المسابقات التي تتم في بعض الألعاب ، ومنها : رمي الجله ، والقفز الاستعراضي ، وشد الحبل ، وسباق التتابع وغيرها من الألعاب التي تحرص مدرستنا على المشاركة فيها كلها بفضل الدعم والمساعدة التي نلقاها من القائد . ومما يسجل له – رحمه الله ونسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته – مساعدته للأيتام من الطلاب ، حيث كان يتبنى تقديم العون والمساعدة المالية لهم وتوفير مستلزماتهم المدرسية من ملابس وكتب وأدوات كتابية ، إضافة إلى التشجيع الدائم الذي كانوا يلاقونه منه ، كما كان يقدم الدعم المالي للرحلات المدرسية التي كانت تنظمها المدرسة خاصة بعد الفوز الذي نحققه في الاستعراضات . أما في مجال التحصيل العلمي لطلاب وطالبات المدرسة ، فقد كان يدعم تكريم الثلاثة الأوائل من كل الصفوف الدراسية ، وتقديم لهم الجوائز المالية والعينية التي تجعل التنافس العلمي على أشده بين طلبة المدرسة وهو ما يرفع مستوى نسبة النجاح في المدرسة بشكل عام في كل عام من الأعوام الدراسية . بقي أن أشير إلى أن الشهيد الراحل رحمه الله كان قد عرف في أوساط طلاب المدرسة بلقب (القائد) ، وكانت له مكانة خاصة في نفوس المعلمين والإدارة المدرسية والطلاب على حد سواء ، فقد كانوا يأخذون بنصائحه وإرشاداته التي يقدمها بين الحين والآخر في الطابور الصباحي احترامًا وتقديرًا له ، رحم الله الشهيد القائد صالح يسلم بن سميدع .