المكلا / مجدي بازياد شخصية عظيمة كشاعرنا الكبير حسين أبو بكر المحضار كان يجب أن تحظى بنصيبها من الدراسة والتحليل والاحتفاء والتبجيل بما قدمته لحضرموت واليمن من مخزون شعري وأدبي قدّم به حضرموت في محافل محلية وعربية ودولية ، ذنب هذه الشخصية كغيرها في حضرموت أن نجمها سطع في وطن أفلح في تهميش المبدعين وتجاوز إبداعاتهم إلا ما ارتبط بوساطة أو محسوبية أو ارتماء أو تزلّف. كان المحضار آنذاك صوت كل الناس وصوت ومشاعرهم وأنّاتهم كان الفنان الذي جعل فنه رئة تتشرب أنفاس البسطاء والمساكين واخترق -بما امتلك من مفردات بسيطة وعميقة في الوقت ذاته- زوايا القلوب فاستأثر بالمشاعر والإعجاب والحب والإجلال.. كلماته كانت صادقة تصدر عن إحساس وملامسة وقرب متدفقة الأحاسيس تداعب أوتار القلوب وتغوص في أعماق المشاعر الإنسانية بلغة " السهل الممتنع" كما يقال، حتى صارت أغنيات هذا العلم "المحضار" قلب ينبض بمعاناة الناس وتناول أحوالهم بلمسات فنية معبرة عن مشاعر الإنسان ، ولم يغفل محيطه العربي والدولي فتغنى بالهند في الشرق وويلز في الغرب بلغته الحضرمية الرصينة التي تنفد إلى القلب دون استئذان . ليلة الخامس من فبراير العام 2000م لم تكن كسائر الليالي بعد أن أطبق الحزن والوجوم على حضرموت من أقصاها إلى أقصاها لحظة الإعلان عن وفاة هرم وجبل من جبال الشعر وفارس ترجل عن صهوة تاريخ حافل شهد له القاصي والداني ، في ذلك اليوم وقف الشعراء والأدباء في حيرة من أمرهم عاجزين عن نسج كلمات رثاء في قامة وقيمة شعرية وأدبية وظاهرة فنية ورمز من رموز الشعر الغنائي في المنطقة ، وقمة شامخة تتطلع الأنظار والقلوب إلى إبداعها الفني، تلك القامة التي فرضت على محيطها أن تتذوق شعرا وصف بالعفوي البعيد عن التكلف والتقعر تتراقص له النفوس طربا كونه اتصف بالعذوبة والجمال والعمق في رسم معاناة الناس فكان صوتهم ومسرحهم الذي به يحتفلون.. الذكرى الثانية عشرة لرحيل هذه القامة الأدبية والشعرية التي عشقها الناس على كافة مشاربهم مرت كغيرها من الذكريات إلا من هبة واستفاقة عودنا عليها دائما اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بساحل حضرموت الذي يحجز قصب السبق في التذكير بشرف عدد من القامات الحضرمية في مجالات الفن والثقافة والأدب والشعر والتراث. "المحضار" امتلك شخصية فذة لم تتوفر لغيره من الشعراء بما تميز به من صلابة اللفظ وعذوبة المعاني وحسن الاشتقاق وعمق الدلالات ، فكان حري أن نتداعى جميعا ونصرخ بصوت واحد لتأخذ هذه الشخصية حقها من الدراسة والتحليل والوفاء، وهي دعوة بضرورة تعريف الجيل الجديد بمجد هذا الهرم العظيم ، فما قاله من الشعر يستحق أن تفقهه الأجيال وتتغنى به الأحفاد ليكون منارا يضيء دربهم. ونعرض في هذا الجانب لبعض روائع المحضار التي صال وجال بها في عالم الشعر والأدب والفن يقول في إحداها : ملغز في كلامه معتدل في قوامه عيونه سهامه كل مارماهن ما خطن حققنا الإصابة في حديث الصبابة ونكشن صوابه والسقم في كل البدن ومن روائعه أيضا كأني ماعرفتك بسيلة ولم نسمر بسمعون ليلة ولم نشرب بتلك المسيلة ..أحلى شراب تقاطعنا ونا لك مواصل وتظلمني ونا فيك عادل وكم تسمع كلام العوادل ..أهل السباب ويقول في غزلية يخاطب بها الحبيب حبك في القلب عشعش * في الصبح والعشيه في حين شوفك تنعنش * يا بو الخدود النديه في ليل يا نجم ساري * تحلا معاك السريه ياريت دارك بداري * ونعود مرة سويه وقال في أخرى بعنوان " مابكشف أسراري" أين الفرح ولى زمانه راح قليل في دنيا الندم تفرح واللي انجرح مايجتبر ياصاح إلا إذا لاقى العلاج الصّح ما حد قط من ماشي يصيح ما بكشف أسراري لعذالي ولابابيح ونختم برائعة جميلة لأبي محضار تجمع بين روعة اللفظ وجمال المعنى يقول فيها : أنا سايره بالبنّه وهو يشقع يلقي كل شقعه وار وهو ماهو بداري من هو المحضار برح في الأرض ولا طار طلبت الصلح والهدنه وخلّي مايريد الصلح باشرنا بطلق النار أنا عارفه في سنّه صغير السن لكنه من الشطار قبيلي من بني ضنّه طلبت الصلح والهدنة وخلّي مايريد الصلح باشرنا بطلق النار أنا تو دفر للجنّة نصدق مايقوله وقبل الأعذار نرد سيئته لي حسنه وضره منفعه حتى ولو هو ضار ونختار الذي يختار ولا هو حق فزع مني ولكن الهوى الأسرار طلبت الصلح والهدنة وخلي مايريد الصلح باشرنا بطلق النار محبه مغرضه محنه نهايتها يقع جحدان أو إنكار عطى معروفنا دفنه وضيع ودّنا و غدر بي الغدار كأن ماشي جرى أو صار كأن الحب في ظنه حكايه عابره وأخبار طلبت الصلح والهدنه وخلي مايريد الصلح باشرنا بطلق النار عدو الأمس صادقته وهو أصل البلاء كله غلط ما حد يسوي هكذا يازين في أهله يخون العيش من يرضي العواذل في صحاب الدار مصيبه الآدمي لي ماحسب للا يمه والعار أخيراً : رحم الله المحضار شاعرنا العظيم …. الذي ملأ الدنيا وشغل الناس..