المواطن اليمني كائن نصف حي يتمدد بالأزمات وينكمش بالجرعات ويمر بعدة مراحل في حياته أسعدها "مرحلة ماقبل الجرعة"، وهي مرحلة تستمر تسعة أشهر يقضيها في بطن أمه بلا جرعات ولا أزمات ولا ضرائب ولا ارتفاع اسعار. أول ما ينزل من بطن أمه تستقبله الحكومة بجرعة تحصين وهذه هي الجرعة الوحيدة الايجابية في حياته، ولودققنا النظر لوجدنا أن الحكومة تحرص على تجريع الأطفال منذ نعومة أظافرهم ضد الأمراض لكي يستطيعوا لاحقا تحمل الجرعات الاقتصادية؛ هذا ان كتب الله لهم الحياة ولم يموتوا بلين العظام أو سوء التغذية. والجرعة في القاموس الحكومي اليمني مأخوذة من الفعل "تجرع، تجرعا، فهو مجروع من الجوع"، واصطلاحا: "هي وسيلة تلجأ من خلالها الحكومة لتغطية عجزها الاقتصادي والمالي من ظهر المواطن بعد أن تكعفه بجرعة غلاء". والجرعة فعل مرفوع بالاسعار وعلامة رفعه الهروب من الإصلاحات. ويقول الشاعر اليمني المتجرع بن ابي المتجرع: "وراء كل جرعة فشل عظيم". والمواطن اليمني من أكثر سكان العالم استقبالا للجرعات لدرجة أن الناس في نهاية الاسبوع لم يعودوا يتبادلون رسالة "جمعة مباركة" بل "جرعة مباركة"، فترد عليه: "علينا وعليكم" (على اعتبار أن آثار الجرعة محصورة على الشعب ولاتطال المسؤولين). عزيزي المواطن: الحياة جرعة كبيرة، والمثل الغرابي يقول: "بين اخوتك متجرع ولا وحدك داغز ريش". كنا معزومين في عرس أحد الأصدقاء، وقبل الغداء قمنا بجرعة (برعة سابقا). وعلى جدران السجن كتب احد المعسرين: "اتقوا الجرعة فقد قتلت اخوكم عبده فشفشي". وعندما تتلاقى مع أي صديق في الطريق يقول لك قبل ان تودعه: "أي جرعات" ( قصده أي خدمات). والجرعة صارت لغتنا الرسمية اليومية، اليوم "تجرعت" من البيت الى العمل وانا "جارع" طريق، وغيري كثير من المتجرعين والمتجرعات، وكان أحدهم يغني:"ايها الجارعون تحت التراب". تجرعوا (ترجمتها بالعربي تصورا) مافيش ولاباص واحد "مجروع" في الفرزة! اصحاب الباصات "متجرعين" لأن الغاز "اجترع"، وعلبة الديزل اجترعت من مائتين وخمسين مجروع (الريال سابقا) الى ثمانمائة مجروع، وختامه جرعة.