استفادةُ الشعوب من الشعوب أكبر من اعتبار الأنظمة بالأنظمة. هذا ما اتضح لي خلال متابعتي لثورتي تونس ومصر العظيمتين. أراد مبارك "سيناريو خروج" أفضل من السيناريو الذي خرج به زين العابدين بن علي، لكنه خرج بشكل أسوأ.. لا تتطلب الثورة أكثر من كسر حاجز الخوف، لهذا كلما حاولتْ الشعوب كسر هذا الحاجز كلما حاولت الأنظمة تقويته، فإما أن ينكسر وتنكسر معه الأنظمة التي صنعته، وإما أن تبقى الشعوب خائفة ذليلة حتى نهاية التاريخ.. أعتقد أن الأنظمة أكثر خوفا من الشعوب في هذه المرحلة، لذلك سيكون إقدامها على البطش أكثر من إقدام الشعوب على الثورة، على أن فاتورة البطش مخيفة أيضا، فهناك محاكمات دولية وهناك تجميد أرصدة، وغير ذلك.. كل نظام يراهن على ظروف بلده المختلفة، وكل الشعوب تراهن على إرادتها. كان أبو الغيط واثقا من كلامه وهو يقول "مصر ليستْ تونس"، تماما كما كان الرئيس صالح واثقا من كلامه وهو يقول "اليمن ليستْ تونس".. اتضح فعلا أن مصر ليستْ تونس، في أسلوب إدارة الثورة، لكنها كانت "تونس" حرفيا في نتائجها، وسيتضح أن اليمن ليستْ "تونس" ولا حتى "مصر" في أسلوب إدارة الثورة، لكنها ستصل إلى حيثما وصلوا.. أعلم جيدا أن تدني مستوى الوعي الشعبي والرسمي في اليمن، قد يجعل المهمة أصعب، أو قد يأتي بنتائج عكسية، لكن لا بد من دفع ضريبة التغيير. إنَّ كل تأخير يعني أننا سندفع الضريبة بشكل مضاعف.. ثم إن الثورتين، التونسية والمصرية، كانتا مدرستين متميزتين في التثقيف الثوري، لهذا السبب حمدت الله أن الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يسقط يوم "جمعة الغضب".. لقد أعطى الشعب المصري لباقي الشعوب، خلال أسبوعين ونصف من الصمود، أروع الدروس الثورية.. من صالحنا أن نعيش ثورة أخرى قبل أن نجرب حظوظنا في الثورة، إن اندلعتْ ثورة جديدة في بلد عربي آخر، ليس لأننا عاجزون عن الفعل، ولكن لتكون أفعالنا أكثر إيجابية.. ولن ننتظر كثيرا، هاهي الأنظمة تتساقط خلال أسابيع.. نحن، في كل الأحوال، نتثقف ثوريا إن لم نثر.. لا تنسوا: المسألة ليستْ أكثر من انتظار أسابيع.