للأسف الشديد ، لم يعد رمضان يحضى بتلك الهالة والعظمة والقداسة التي كان يحضى بها في السابق من كل أصناف الناس ومراتبهم ، بل لقد أصبح اليوم موسما للتفريط عند البعض ، وتضييع الأوقات ، لقد أصبح شهر الكسل والدعة والخمول ، لنكن صرحاء ولنبدأ بأنفسنا، وكيف نستقبل شهر رمضان؟! إن الأمة الإسلامية بأفرادها من: (تجار - موظفين - عمال - أصحاب شهوات - أخيار) يستقبلون هذا الشهر..فكيف هو حال التجار في هذا الشهر؟! التجار في رمضان ونقصد بذلك: التجار الذين يتاجرون بالدرهم والدينار، لا بالأعمال؛ كيف هو حالهم في شهر رمضان؟! هل يقولون: قد جاء شهر الخير والبركة، فلنتصدق ولنؤد الزكاة، ولنحذر من الحرام، ومن الغش، ومن الربا؛ لأننا في شهر عظيم، وإذا صمنا دعونا الله تبارك وتعالى، ونحن نأكل الحرام من أي مصدر كان! فيكون حالنا كحال ذلك الرجل الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟! وأعجب من ذلك أن بعض التجار ينتهزها فرصة؛ لزحمة الناس ولكثرتهم ولإقبالهم على المطعوم والمشروب وسائر الكماليات؛ فينتهزها فرصة للغش في شهر رمضان، وقد يأتي الغش بألوان متعددة. فمن الغش: التخفيضات الكاذبة. ومن الغش أيضاً: إخراج البضاعة التي تقادم عهدها وانقضى أوانها، فيقول: هذا رمضان والناس تشتري ولا ترى!! اخرجوا كل ما في المستودعات وبيعوا منها!! فيكون موسماً للغش، وموسماً للتجارة الخاسرة في الدنيا والآخرة. فما من شهر تتوالى النذر فيه عن قلة الطعام والشراب أو احتمالها كشهر رمضان؛ ولهذا يسعى الناس بطمع وشره ليكون المخزون كافياً في شهر الصوم! وكل منا يشفق ألا يجد في رمضان ما يكفيه من بعض المؤن. ولهذا نستعد من أول شعبان أو في آخره، لنجمع أكبر ما نستطيع أن نتزود به لرمضان، حتى إن البيت الواحد قد يشتري ما يكفي لثلاثة بيوت؛ لماذا؟! لأنه شهر تعارفنا أنه ربما نقصت فيه المؤن، مع أن المخزون كافٍ والأمر متيسر، وكل البضائع من ضروريات وكماليات متوافرة في شهر رمضان، وكأننا مقبلون على شهر مأمورون فيه أن نعبَّ من الشهوات عباً، وأن نملأ البطون كل ساعة وكل حين. وليس هو شهر الصيام الذي كان يستقبله الصحابة الكرام بالفرح، حتى إن الفقراء وأصحاب الحاجة كانوا يُسَرُّون في رمضان؛ لأنهم يجدون أنهم هم والأغنياء سواء. أما الآن فالفقير يزداد حسرة على حسرة؛ حين يضطر أن يستدين في رمضان، ويقول للتجار: (أقرضوني! جاء رمضان وليس عندي شيء) لأنه سينفق بدلاً من الألف ألفين أو ثلاثة، وإلا ذهب هو والعيال في حسرة مما يرى الناس يتفننون فيه بأنواع الأطعمة، وهو على التمر والخبز كأنه في الفطر! فهذا واقعنا. ولو استقام حالنا في رمضان كحال المؤمنين الأوابين، لكان أول ما يخف ويقل حتى يكاد يتلاشى هو الأسواق، مع عدم التوسع كثيرا في المأكولات والمشروبات وما حسن من أنواع الأطعمة ، فاللائق أن يقل إقبال الناس حتى على شراء المباحات، لماذا؟ لانصرافهم إلى اغتنام هذه الأوقات للعبادة، ولكن ليالي رمضان تشهد من الحركة ما لا يشهده سائر العام!! فمتى يكون حالنا في هذا الشهر العظيم كما كان حال أولئك الجيل الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى على جميع الأمم؟! لا بد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال وأن نعد الإجابة؛ فإن كنا حقاً نريد أن نغتنم أوقات الخير وفرصه ومواسمه، وأن نتاجر مع الله تجارة رابحة فلنعمل كما عملوا والطريق أمامنا ميسر، ولله الحمد. الاستعداد بالإيمان فلنعش الشهر بإيمان صادق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد قال الشاعر على نحو من هذا أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد فأد حقه قولا وفعلا وزادك فادخره للمعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادما يوم الحصاد