مظاهر البطالة وتأثيرها: - لا شك أن هذا الداء الاجتماعي خطير من حيث التأثير المباشر على حالة الاستقرار والأمن في أي مجتمع، فهو احد الروافد الأساسية للإرهاب وكذلك العصابات الاجرامية الخارجة على القانون بأنواعها من عصابات السرقات والسطو المسلح والاتجار بالمخدرات والدعارة وغيرها من الأمراض المجتمعية المنتشرة هذه الأيام ،وذلك لوحده سبب كاف لاعتبار البطالة داء العصر ومار المجتمعات الاكثر فتكاً عبر التاريخ،مما دفع الدول الاكثر تطوراً لابتكار حلول نوعية لهذه المعضلة مهما كلفت هذه الحلول من أموال او جهود، وعملت لذلك خططاً طويلة الامد لمحاصرة البطالة في مجتمعاتها ،بل وخاضت في بعض الاوقات -حروباً من اجل ذلك كما حصل في امريكا وبريطانيا في الآونة الأخيرة. . البطالة في اليمن وتاثيرها على الأمن والاستقرار:
- ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة ماذا فعلت حكومة بلادنا من اجل مكافحة البطالة التي وصلت الى نسب خيالية مقارنة بدول الجوار وخاصة اننا بدأنا نلمس بل نتوجع من المصائب التي توالت بسبب انتشار البطالة بين الشباب –شباب الثاني والعشرين من مايو-فهؤلاء هم شباب الوحدة الذين لم يشهدوا حروب الجبهة في المناطق الوسطى ومآسيها ولا عرفوا مقدار الدماء التي سفكت في احداث يناير وغيرها من انقلابات الرفاق والدماء التي سفكت بها ولا انقلابات الشمال المتتالية والتي ذهب ضحيتها اشرف ضباطنا وصفوة شباب الثورة في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينات يعني بالمختصر المفيد لم يذوقوا طعم الرعب وعدم الاستقرار والهجرات الجماعية القسرية لذلك لم يستطيعوا تقدير نعمة الاستقرار والديمقراطية التي تنعم بها حالياً حتى وان كانت منقوصة ولتلك الاسباب لا نستطيع ان نحمل هؤلاء الشباب لوحدهم مسئولية ما حدث، فهم وعوا على هذه الدنيا والاحداث الجسام تتوالى والازمات الاقتصادية والاوضاع من سيء الى أسوأ مما شكّل لديهم حالة من الاحباط، فعندما يكمل الشاب دراسته بعد جهدٍ جهيد وبعد ان تكون اسرته قد صرفت كل مدخراتها على تعليمه املاً في ان يعوضهم عندما يكبر ويعمل ليصتدم الجميع بأنهم استثمروا اموالهم بمشروع فاشل فها هو ابنهم عاطل عن العمل يقبع في منزلهم امام التلفزيون او على "القهاوي" أو "مقايل القات" فيما يشبه التقاعد المبكر. - اما اذا كان "مولعي" لا سمح الله في أي اضاف الولعة فلا يصبح امامه حل سوى ان يكون سارقاً او نصاباً او ان ينضم الى احدى العصابات الاجرامية لتوفر له "حق الولعة" وفي حالات اخرى ممكن ان تتشكل حالات من الحقد على المجتمع بأكمله وهنا يكون صيداً سهلاً لجماعات التطرف الديني من حوثية الى قاعدية او الذهاب الى من يدفع اكثر او بالعملة الصعبة من اصحاب الاجندة الخارجية،كل هذا وحكومتنا الموقرة نائمة في العسل لم تكلف نفسها حتى عناء تقديم دراسات حول حلول مقترحة لهذه المصيبة او الكارثة التي تسمى البطالة.
. الفرص الضائعة: وقد دهشت عندما عقد اجتماع لندن لدعم اليمن ونحن نعرف ان هذا المؤتمر عقد ليس لسواد عيون اليمنيين بل كان محاولة جادة لايجاد حل لاقامة الارهاب بمعنى انه كانت حاجة ملحة بالنسبة للمانحين قبل اليمن ولكن بسبب سوء الادارة وعدم الكفاءة في حكومتنا صُدمنا بأن المانحين يطالبون حكومتنا بدراسة جدوى المشاريع بتكلفة خمسة مليار دولار وحكومتنا المبجلة لم تستطع تقديم سوى ما كلفته تساوي ملياري دولار فقط،وقوتنا فرص سانحة للقضاء على البطالة وكان بامكاننا تقديم نموذج مميز على الطريقة المثلى للحرب على الارهاب من خلال تقديم مشاريع ضخمة طموحة من شأنها حل مشكلة البطالة وان يشكل مؤقتاً لمدة من عشر الى خمسة عشر سنة وهذه مدة كافية لكي نأخذ نفسنا والتفكير بحلول اخرى..لكن كيف؟ حتى لا تكون انشائية-يعني "بتوع كلام"- فكان علينا تقديم بعض الامثلة:
. أمثلة على طرق محاربة البطالة: 1- كان علينا في مجال اعادة بناء شبكة الكهرباء والطاقة في بلادنا الاعتراف بأن كل محاولات "الترقيع" في جانب الطاقة كانت فاشلة والحل في ايجاد حلول جذرية ومحطات توليد طاقة غازية ونووية جديدة واعادة تركيب شبكات جديدة بدلاً من الصيانة الفاشلة والمكلفة التي لم تخرجنا الى طريق طوال الاربعين سنة الماضية وطبعاً كلنانعرف ان مشروعاً طموحاً مثل هذا يحتاج الى جيش من العمال والشباب على مدى سنين لانجاح مثل هذا المشروع الحيوي لبلدنا في مثل بلدنا. 2- كان علينا ان نستمر في مجال استنباط حلول لازمة المياه التي تهدد حضارتنا ومدننا وكلنا سمعنا بذلك التقرير المرعب حول نضوب المياه في صنعاء وما حولها والتي تتحول الى مدينة اشباح بسبب شحة المياه والذي من الممكن ان تكون محطات التحلية ومصانع التكرير جزءاً مهماً من الحل.وذلك من خلال محطتين لتحلية مياه الشرب في كلٍ من عدن والحديدة مع شبكات التوصيل الى صنعاء والمدن الاخرى،ولكم ان تتخيلوا كم من العمال سنحتاج لمثل هذه المشاريع الكبرى والطموحة. 3- كان علينا الاستثمار في مجال المياه والري والزراعة من خلال استخراج المياه الجوفية الكامنة في "غيل باوزير" في حضرموت واستصلاح الاراضي التي حوله لتحويلها الى قبة نحقق من خلالها نوعاً من الاستكفاء الذاتي من بعض الاغذية التي ممكن ان تجود بها ارضنا ارض الخير،ويعمل بها شبابنا،ولا يفوتنا ان نذكر حكومتنا اننا لم نستكمل قنوات الري في سد مأرب والتي تسمح لنا باستغلال هذا السد بشكل كامل ليعود بالخير على بلدنا وشباب بلدنا وعلى اقتصادنا المتهالك. 4- لماذا لا نستثمر في مجال النقل كما فعل اخواننا المصريون في مشاريع "مترو الانفاق" وشبكات السكك الحديدية،فهذه الشبكات التي تسمى الميترو داخل المدن والقطارات خارج المحافظات تأخذ وقتاً فعلاً ولكن تستطيع ان تعمل على تشغيل جيش من الشباب والفنيين اثناء الانشاء وبعد الانشاء على حد سواء وقد رأيت بأم عينيّ وأنا أزور امريكا وخاصة نيويورك، فقد كنت استطيع ان ارصد الكم الهائل من موظفي المترو ببدلاتهم المميزة ودار في رأسي ان مشروعاً ضخماً مثل هذا بإمكانه حل مشكلة البطالة في اليمن لعشرين سنة قادمة،وممكن ان يرفد الخزينة العامة بأموال تضاهي اموال النفط التي لا نلمسها ولا حتى نشمها. 5- علينا الاستثمار بشكل افضل في مياهنا الاقليمية وشراء المزيد من سفن الصيد البحري كاستثمار حكومي في مجال الاسماك وغيرها ليعود بالعملة الصعبة للخزينة العامة ولتوفير فرص عمل اكثر لشباب المحافظات التي تشرف على هذه السواحل،وكذلك تقديم تسهيلات للصيادين لشراء المزيد من القوارب الصغيرة،وعمل المشاريع ذات العلاقة بدلاً من استغلال الشركات المشبوهة لسواحلنا بطريقة غير شرعية ومضرة بثرواتنا البحرية.
الخلاصة: المهم ان نعمل شيئاً بدلاً من الحيرة والانتظار حتى يأتي غيرنا لحل مشاكلنا فلا هم يستطيعون حلها كما نستطيع نحن ولا نحن نسلم من التدخل في شؤوننا الداخلية وتبعات هذا التدخل على امننا القومي والاقتصادي،فدائماً التدخل الاجنبي مربوط بالتنازلات المؤلمة علينا وعلى الاجيال القادمة. ونقول لحكومتنا المبجلة والحكومة التي ستأتي بعدها خيراً الف مرة ان نضيء شمعة من أن نلعن الظلام. كما نطالب مؤسسة الرئاسة بالتدخل سواء ضمن الشرعية او خارجها فنحن في حالة حرب مع عدو اسمه البطالة،ويجب اعلان حالة الحرب عليه وعلينا جميعاً تحمل مسئولياتنا الوطنية كأفراد ومنظمات تجاه شباب هذه الامة فهم الرصيد الحقيقي قي صراع هذه الأمة مع البقاء.