طبخات إعلامية فريدة من نوعها من ناحية الشهرة حيث ذاع صيتها في ربوع المعمورة متعدي الحدود الدولية للدولة الواحدة المدججة بالأسلاك الشائكة وحرس الحدود نظرا لما تحويه من مواد "تهويلية إعلاميا" أضيفت على موادها لغرض تحسين نكهتها أو لغرض في نفسها حتى أن صيتها "الطباخي" فاق صيت وشهرة الطباخ "شيف".. هناك من يرى انه لو ظلت كل القنوات والوسائل الإعلامية مستندة إلى الواقعة أو الخبر مجردا كما هو أو كما وقع بدون "بهارات" كما يقال لظلت خدماتها الإخبارية لا تتجاوز أسوار المنشأة أو المؤسسة ،ومن هذا المنطق فان تلك البهارات وان كان جزء منها من صلب الخبر يمثل أحدى ابرز الركائز الطبيعية عمل المراسلين لتلك الوسائل والقنوات بل أن كثيراً من تلك القنوات هي التي توجه سير عمل مراسليها في إعداد تقرير معين وفق محددات معينة وتشترط منطلقات معينة للتقرير،بل يذهب الأمر إلى أن منتج الأخبار أو حتى رئيس التحرير في تلك الوسيلة يتواصل شخصياً مع المراسل ويسوق له قائمة بأحداث وأخبار حدثت صبيحة هذا اليوم أو ذاك وبالتالي فأنه لابد من إبراز علاقة هذه الأحداث بتلك وتلك بهذه وهكذا وصولا إلى صيغ مبالغات كثيرة يقع فيها المراسلون فينزلقون إلى منزلق التهويل الذي قد لا يكون منطقيا في كثير من الحالات بل قد يتسبب في حرج شديد لجهة معينة أو لسياسة معينة.
انفتاح إعلامي وبناءً على ما سبق يجد البعض بعكس آخرين، انه قد لا يكون مفر من التهويل الإعلامي في كثير من الحالات خاصة اليوم في ظل تعدد السياسات والتوجهات لكل قناة ولكل وسيلة إعلامية،فهذه الوسيلة تشترط مزيداً من التهويل في تناول موضوع ما لغرض تنفيذ أجندة معينة للوسيلة وللجهة التي تتبعها هذه الوسيلة ،سيما وأن العصر أتاح مزيداً من التعدد الفضائي والانفتاح الإعلامي الذي جعل الخبر خاليا من عناصره الرئيسية المفترضة وجعل بالإمكان توسيع دائرة تلك العناصر إلى ما لا نهاية. ولهذا يمكن القول انه لا يمكن أن يظل الحياد المطلق لدى المراسل سائداً مهما بلغ مستوى حياد الوسيلة التي يعمل لصالحها، وبالطبع في بلادنا تحديداً أدى تداخل الأحداث وتشابكها ومناخ حرية التناول إلى حالات كثيرة من التهويل وشطط التناول والخروج من المنطق إلى حد كبير ولكن يظل القول بضرورة هذا التعدد ومستويات التناول ضرورياً طالما ظل مناخ الحرية هو السائد..
خلل مهني في الحقيقة هناك ما يدعو للاستفهام والتعجب أن تصبح السلطة الرابعة أداة للهدم لا للبناء.. أداة للتحريض لا للتوعية.. أداة للتهويل لا للتنمية.. أداة للخداع لا للحقيقة.. فما نشهده اليوم من إرهاب إعلامي منظّم يستهدف سمعة ومكانة اليمن لخدمة أطراف معينة من خلال تهويل إعلامي لما يحدث في اليمن على انه الويل والهلاك ولا شيئا سواه.. أو تصوير إخفاقات مجتمع يبحث عن موطئ قدم له في سلم الدول الأكثر فقراً وجهلاً وبطالة وتخلف على انه السبق الصحفي المثير لشهية القراء السلبيين على حساب شريحة كبيرة من المجتمع فالواضح أن هناك سوء مهني في استغلال الحد المدمر من سلاح مهنة الصحافة..
ولعل أسباب ذلك يعود إلى شواهد عدة وجميع الشواهد تؤكد على أن هناك خلل مهني في تركيبة الخطاب الإعلامي الموجه نحو سمعة اليمن وحول فيما إذا كان هنالك ميثاق شرف يصون مهنة الصحافة من التورط في خطاب إعلامي يجمع بين التهويل والتضليل.
وطن مثقل بالأعباء أن هناك واجبات لا زالت تنتظر نخوة الوسط الإعلامي ، والمسئوليات الملقاة على عاتق مهنة الإعلام ما تزال تنتظر نخوة رجالات الصحافة وصحوة الأقلام الشريفة لترجمتها نصياً في خطاب أعلامي رصين وجاد قادر على خدمة قضايا الوطن والنهوض به حيزاً من اليمن عما يسيء لليمن بوصفه بلد مأزوم بالنخب والأنظمة، لكنها تلتفت إلى الحد المشرف في سلاح الإعلام ، وهل يمكن أن نقر الوطن على انه اؤلئك الرجال الذين أصبحوا جزءً من ثقافة البناء بعد حملات التدقيق المستمر؟ وهل يمكن أن نسمع الوطن على انه ذلك الشباب الذي استعاد ثقته بنفسه وهويته بعد حملات التعليم المفتوح؟ وهل يمكن أن نتصفح الوطن على انه اؤلئك الأطفال الذين ترعرعوا على الفضيلة والأخلاق بعد حملات التنشئة المبكرة؟ هذا ما ينتظره وطن مثقل بالأعباء من أبناء يبدوا أنهم فقدوا اتصالهم بمجتمعهم الذي يأمل النهوض به فأصبحوا خارج نطاق خدمة القضايا الوطنية والمشاكل الاجتماعية.
لا دين ولا وطن انني استغرب من التهويل والمبالغة في تضخيم الأحداث والتي منها على سبيل المثال خطر القاعدة في اليمن، واعتبر مثل ذلك يخدم القاعدة أكثر مما يضرها. كما أن من المثير والمريب أن من يثيرون الضجيج ويهولون في وسائل الإعلام المحلية والعربية والدوائر السياسية أيضاً من خطر القاعدة في اليمن هم من يمتنعون عن التطرق إلى كثير من التساؤلات المطروحة في الشارع العربي والإسلامي، إزاء ذلك الهوس الذي يحاول تصوير الإرهاب وكأنه عجينة عربية وإسلامية فيما يتم إغفال أن الكثير من الخلايا الإرهابية تنشأ في الغرب، وان الإرهاب آفة دولية لا دين ولا وطن له. أن الوقائع تكذب مثل هذا الطرح حيث واليمن كان من أوائل دول العالم التي تعرضت لشرور هذه الآفة العالمية الخبيثة، ومن أوائل الدول التي حذرت المجتمع الدولي من خطورته ،لتواجهه وتجابهه بحزم وقوة منذ البداية. كما أن هذه الحقيقية لا يمكن لأي كان دحضها أو إنكارها أو الجحود بها، وبالتالي لا معنى لمحاولة البعض التعمية عليها أو تغييرها وبما يتلاءم ويتساير مع أهواءهم الشخصية التي لا تمت لروح الوطنية بصلة كما إنها تعتبر دليل قاطع على نوايا مسبقة للمتاجرة بالوطن والاسترزاق من وراءه وليس كما يصورون للشعب من خلال تلك الشعارات الرنانة الزائفة التي انكشف القناع عن وجهها وظهرت على حقيقتها.
مسؤولية نقابة الصحفيين نقابة الصحفيين اليمنيين هي المسؤولة عن كل هذا، ومطلوب منها ان تقيم دورات متخصصة بتطوير الصحفيين ووسائل الإعلام لتسهيل عملية الحصول على المعلومة بدلاً من تضخيمها وتكبيرها في معظم الأحيان ،وتحفيز هرمون المشاعر الوطنية التي أصبحت تعاني من ضمور في أعماقهم حتى لا تصل إلى مرحلة ما هو اكبر من ذلك. وأنا على يقين انه لو تكاتف الجميع على انتشال كل ما هو خطا من بين الوحل لخرج كل شيء من بينه وأصبحنا مجتمع يسودة الحب والمودة بدلاً من التراشق بالأقلام والأعيرة النارية واختلاف وافتعال المشاكل لهثا وراء حفنة من الدولارات.
إعلام مضاد التهويل الإعلامي يحدث كمحصلة لعدة عوامل: أولاً: انعدام الشفافية الإعلامية وصعوبة الحصول على المعلومات الدقيقة فيقوم المراسلون والإعلاميون بشكل عام إلى الاجتهاد والمبالغة أحيانا. ثانيا: التهويل الإعلامي لا يرتبط بالمراسلين بقدر ارتباطه بالقنوات التي يعمل فيها المراسلون والمراسل في الأول والأخير هو موظف محكوم بسياسة القناة التي يعمل فيها بمعنى إننا لا نستطيع التحكم في التهويل الذي مصدره خارجي إلا بطريقة واحدة فقط وهي أن تكون وسائلنا الإعلامية على مستوى التحدي الإعلامي وان نوجد إعلام مضاد يوضح الحقائق التي يتم تهويلها. ثالثا: لا يمكن قصر التهويل الإعلامي على المراسلين فحسب فالمراسل في بداية الأمر ونهايته هو صحفي وتستطيع أن تضبطه بقانون لكن المشكلة أين هذا القانون إذا كنا على المستوى الصحفي نواجه مشاكل تشريعية تتمثل بتجمد قانون الصحافة والمطبوعات الجديد وقانون المعلومات في مجلسي النواب والشورى فكيف نستطيع أن نضبط هذا التهويل وسلطتنا التشريعية لم تنجز القوانين الصحفية المطلوبة. رابعا: العالم في زمن العولمة أصبح أشبه بالقرية الصغيرة ويستحيل علينا التعامل مع الإعلام على انه حنفية نستطيع ضبطها متى نشاء وفكها متى نشاء وأي قناة أو وسيلة أخبار عالمية تستطيع بكل سهولة الدخول إلى اقرب موقع أخباري يمني والحصول على المعلومة التي تريدها بل إنها تستطيع التواصل مباشرة مع مصادر محلية دون الحاجة إلى مراسلين. إذن ما هو الحل ؟ كيف نواجه هذا التضخيم ونتلافى آثاره على بلادنا وسياساتها وعلاقاتها؟ الحل من وجهة نظري يتمثل في عدة نقاط أهمها: وجود شفافية إعلامية توفر المعلومة للمراسلين بسهولة وتقطع عليهم طريق الاجتهاد واللجوء إلى مصادر غير موثوقة. تقوية وسائل إعلامنا لخلق اتجاه إعلامي خارجي مضاد يستطيع أن يوضح الصواب من الخطأ في التهويل الذي يحدث. سرعة انجاز قانوني الصحافة والمطبوعات والمعلومات.