هاهي القوى الاستعمارية الدولية تتقاسم الثروات النفطية والغازية والمشاريع الاستثمارية الليبية بعد اكثر من 42 عاما من ثورة الفاتح من سبتمبر الخالدة عام 1969م التي قادها وفجرها تنظيم الضباط الوحدويين الأحرار بقيادة أمين القومية العربية العقيد معمر القذافي البالغ من العمر ساعتها 26 سنة.. تلك الثورة التي أسقطت قاعدة هويلس الامريكية والقواعد البريطانية والفرنسية والنظام الملكي السنوسي وأممت الشركات النفطية بعد ان كانت حكرا على الشركات الاستعمارية وانطلقت الثورة وفقا لمبادئ وأهداف ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952م. وبعد إعلان الثورة والزيارة التاريخية التي قام بها القائد المعلم جمال عبد الناصر إلى ليبيا والقى خطابه التاريخي الذي أشار فيه إلى ان العقيد القذافي أمينا للقومية العربية كان ذلك قبل وفاته يوم ان وقع الاتفاق بين القائد العام للثورة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والملك حسين بن طلال بعد مجازر أيلول الاسود التي نفذها الجيش الاردني ضد الثورة الفلسطينية، وقام كل من سالم الصباح وزير الخارجية الكويتي والرئيس جعفر نميري بالزيارة السرية إلى الاردن لتهريب ياسر عرفات إلى مصر الذي حضر اللقاء الذي أفضى إلى وقف نزيف الدم العربي الاردني الفلسطيني واثنا ء اللقاء اشهر القذافي مسدسه بوجه الملك حسين بن طلال وساعتها قلق الملك فيصل بن عبدالعزيز من ذلك الموقف وطلب من الزعيم جمال عبدالناصر إخراج كل الأسلحة من المؤتمر، وبعد ان تم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار ودع ناصر وزير خارجية الكويت وذهب إلى بيته وعلى اثر تلك المجازر أصيب بنوبة قلبية كانت القاضية ورحل إلى جوار ربه وتوشحت الأمة ثياب الحزن والسواد وشاركتها الإنسانية..
امتلاك القنبلة النووية بعدها انطلق القذافي بنفس النهج الناصري واشترى القوارب المطاطية التي عبر الجيش المصري بها الى الشاطئ الشرقي للقناة كما اشترت من فرنسا طائرات الميراج التي استخدمها الجيش المصري أثناء حرب 6 اكتوبر عام 1973م وانطلقت في تقديم الدعم والمساندة للثورات في العالم الثالث وحصار العدو الصهيوني في افريقيا مع الفارق ان عبدالناصر كان يقدم الدعم لثوار زلزلوا الأرض تحت اقدام المستعمر بينما كان القذافي يقدم الدعم إلى قوي حزبية احترفت العمل السياسي بكل قذارته وأصبحت من أثرى الشخصيات العربية وتحولت إلى عصابات من المرتزقة، كما انتهجت الفلسفة الاقتصادية للقطاعات الاقتصادية التي انتهجتها مصر في عهد عبدالناصر إلى عام 1977م وإعلان ليبيا عن سلطة الشعب ووثيقة الكتاب الأخضر وإلغاء الاتحاد الاشتراكي العربي الليبي مما زاد من عزلة ليبيا وتعرضها لأبشع عملية حصار استمر أكثر من تسعة وثلاثين عاما وتعرضت للعدوان الامبريالي الامريكي عام 1987م وتم قصف منزل القذافي واستشهدت ابنته بالتبني ومرت الاعوام حتى تمكنت باكستان من امتلاك القنبلة النووية وبمساندة من ليبيا باعتبارها قنبلة إسلاميه ورغم الثروات الليبية التي تعرضت لحصار عالمي ظلت في باطن الأرض وعندما بدأ القذافي بسياسة المصالحة والتعاون مع الغرب من خلال تسليم المعدات النووية إلى الولاياتالمتحدة تلك العملية التي تمت بعد احتجاز البحرية الايطالية إلى باخرة تركية كان على متنها معدات وأجهزة طرد مركزي للبرنامج النووي التابع للنظام الليبي استطاعت الحصول عليها عن طريق شبكة تهريب دولية تعمل في التجارة والتهريب تمتد من ماليزيا إلى دبي وجنوب افريقيا وكان الوسيط بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وليبيا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وتم توقيع عقود تصل إلى مائتي مليار دولار ولما حدثت الانتفاضات العربية التي قادها الشباب العربي واسقطت أربعة أنظمة عربية كانت ليبيا احدى هذه الساحات التي نشبت فيها حربا انتقامية من نظام القذافي تلك الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدةالامريكية وقوات حلف الأطلسي بتمويل قطري تركي اسرائيلي وفتاوى من القرضاوي وغطاء من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وتطبيق قانون العزل ضد اللجان الثورية وكل من عمل في ظل نظام القذافي مما يعني التهيئة للعنف والصراع الداخلي بسبب تلك السياسة الاقصائية، وسيطرة تنظيم القاعدة بالقيادة الجديدة إطلاق عملية حوار شامل تلتقي فيها كل شرائح الشعب الليبي وتخرج بمشروع وطني يلبي طموحات الشعب الليبي اما سياسة الإقصاء والملاحقات وإطلاق العنان للشركات الامريكية والاوربية بالاحتكارات للثروات والموارد الوطنية الليبية يعني بداية حقبة استعمارية جديدة.
حركة النهضة تركب الموجة في سياق آخر.. ومما لاشك فيه ان حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي في تونس كانت من الحركات المحظورة وكان نشاطها لا اثر له داخل تونس أبان الحكم العلماني في عهد الرئيسين الحبيب بورقيب وزين العابدين بن علي وكان راشد الغنوشي اللاجئ في اوربا يسوق خطابا معتدلا ويظهر مرونة لإقناع التيارات القومية واليسارية والليبرالية بأنها حركة تؤمن بالآخر وقابلة للتعايش مع القوى السياسية الأخرى وان عليها ان لا تقلق من وصول حركة النهضة إلى سدة الحكم، ومع اشتعال الانتفاضة الشبابية في تونس بعد ان أشعل محمد بوعزيزي النار في جسده بسبب البطالة وتردي الوضع المعيشي ركبت حركة النهضة الموجة وتسلقت على ظهر الشباب الثائر والاتحاد العام للشغل اكبر اتحاد نقابي في تونس والبالغ قوامه 600 ألف عضو الذي ابدى احتجاجه على مقتل بو عزيزي وبدء حركة إضراب شامل ونظم مظاهرات شاملة نتج عنها حالة شلل تام في تلك المسيرات الجماهيرية الحاشدة والمعهود عنه انه اتحاد نقابي مؤثر في تونس حيث نظم قبل ذلك إضرابا شاملا في مدينة صفاقس ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1947م ولعب دورا في استقلال تونس عن الهيمنة الفرنسية يضاف إلى ذلك رفض الجيش إطلاق النار على المتظاهرين وانضمامه إلى صفوف الشعب ولم يكن امام زين العابدين بن علي إلا التخلي عن السلطة وتوجهه مع عائلته إلى المملكة العربية السعودية وكان الشعب متفائلا من المرحلة المقبلة من حيث إطلاق المزيد من الحريات الحزبية والصحفية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع والقضاء على البطالة وتحسين الوضع المعيشي، إلا ان حركة النهضة التي أظهرت الوجه القبيح وبدأت بالتسلق على اكتاف الشباب من خلال انها حركة منظمة ومرتبطة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذين لا يؤمنون بالآخر وكان الخطى الفادح تطبيق قانون العزل ضد حزب الأحرار الدستوري الحاكم في عهد نظام زين العابدين بن علي وإقصائه عن السلطة ومنعه من النشاط السياسي مما نتج عنه كبتا وقمعا جديدا وعلى الطريقة الاخوانية التي بدأت نشاطها داخل تونس متورطة في تقديم التسهيلات للجماعات الإرهابية من السلفيين الجهاديين الذين استطاعوا الخروج من السجن والعبور إلى الأراضي التونسية مع الأسلحة التي نهبوها من مخازن الجيش الليبي الذي تعرض للتدمير تحت القصف الجوي لحلف الناتو وبسبب حكم حركة النهضة التي قدمت لهم كل الرعاية والتسهيلات مما زاد من خطورة الوضع بعد مقتل 8 جنود في جبل الشعانبي والتفاف الشعب حول الجيش رفضا لتلك العمليات الإرهابية وسياسة الإقصاء التي تمارسها جبهة الإنقاذ ضد القوى السياسية الأخرى.. وتزيد الاضطرابات بسبب سياسة القمع التي تمارس من قبل الكومة من جهة وتضيق الخناق على التيار التغريبي باعتبار تونس دولة علمانية منفتحة على الغرب ويضيق الشعب ذرعا من سياسة الاسلمة القائمة على اقصاء القوى الاخرى ومصادرة الحريات العامة وتزايد نفوذ السلفية الجهادية واستشهاد القيادي الناصري شكري بالعيد وتقديم قائد الجيش رشيد عمار للاستقالة بسبب تصاعد العنف بعد ثبوت تورط حركة النهضة الحاكمة في رعايتها للإرهاب وتآمرها معهم ضد الجيش كما ان سياسة الاغتيالات السياسية المتزايدة قد تدفع بالجيش إلى التدخل لإنقاذ تونس من العنف والتي تعيش أزمة كبيرة منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي فالجيش الذي انظم إلى صفوف الشعب الذي أطاح بالحكم يتلقى تأييدا شعبيا للخلاص من قبضة إرهاب حركة النهضة وخاصة وسط المظاهرات المتزايدة لحل المجلس التأسيسي وان سياسة الإقصاء التي تمارس في الدول العربية التي صعدت التيارات الإسلامية للحكم فيها لن تستقر ما لم يكن هناك حوار شامل تشارك فيها الأحزاب الحاكمة وجميع الأحزاب والطوائف والأقليات للخروج بمشروع وطني يلبي طموحات الشعوب ويرسم ملامح المستقبل المشرق للأجيال القادمة.