ما من عمل يقام، أو مشروع ينجز، أو منظومة تتحرك، إلا وكان أساسها وأصلها فكرة، وما هذا العمل إلّا الوجه الآخر للفكرة التي طبقها صاحبها، ومن هذا المنطلق، يمكننا القول بأن هذا العمل وهذا الإنجاز ما هو إلا تجسيد لتلك الفكرة وانعكاس لها، هذا من جانب، ومن جانب آخر هذا العمل وما فيه من فاعلية يعكسان مدى ما تحتويه الفكرة من فاعلية كامنة فيها. ربما، من أجل ذلك، نحن في منظمة نظرة شباب للتنمية، بحاجة كبيرة للاهتمام بصناعة الأفكار بالقدر الذي نحن بحاجة إلى الاهتمام بالعمل نفسه، وهذا ما يلاحظ في المجتمعات المتقدمة التي ترصد ميزانيات ضخمة لمراكز البحوث والدراسات، من أجل تقديم الأفكار المتجددة والفاعلة. فالفكرة الناجحة هي مصنع الأعمال المنتجة، ومن هنا يمكن القول إن تداول الأفكار ومناقشتها ومحاورتها والتحاور في شأنها هي من شواهد المجتمع الناضج الواعي المتحرك، وعلى العكس من ذلك المجتمعات المتخلفة، التي تتبع في حق نفسها سياسة التجهيل، وأظنها سياسة تعتمد على عدم الشفافية وعدم الوضوح بحيث يجهل الشعب واقع الأمر ولا يرون إلا ما يريد الحاكم أن يروه، وقد تكون سياسة تعتمد على تجهيل الغير والاستبداد بالرأي اعتمادا على الانفراد بالعلم. لربما، أن الحديث عن نجاح المجتمعات يستدعي منا التأمل والتبصر في الأسس التي قامت عليها هذه المجتمعات، هذه الأسس التي جعلت من مجتمعات تنهض وتتقدم، وجعلت من مجتمعات مقابلة تتهاوى وتتخلف. تبقى قوة المجتمعات وفاعليتها وقدرتها على تقديم العطاءات والإنجازات، معتمدة على جملة من المقدمات والأسس والقيم الكبرى، وفي مقدمة هذه الأسس، امتلاك الوعي، حيث إن امتلاك المجتمعات لرصيد حقيقي من الوعي والمعرفة، والمقدرة على التفكير في الأمور وعواقبها بعين نافذة وبصيرة، والقدرة على صناعة والوعي وإنتاجه، هي أولى هذه المقدمات والاحتياجات . لكن مع تطور الحياة المدنية، وتعاظم دور السلطة والسياسة في الحياة الاجتماعية والفردية، ازداد ارتباط المصير الفردي والاجتماعي بالسلطة والدولة، حيث أن مصير الفرد والجماعة، أضحى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالدولة، والعلاقة بالدولة تعني العلاقة بالسياسة والحياة السياسية، وبذلك أصبحت السياسة، والحياة السياسية، جزءا هاما ومحوريا من حياة الفرد، ومن حقه أن يهتم بمسألة السياسة والدولة، ونوع النظام الذي يحكمه؛ لأنّه يقرر مصيره، ويتدخل في كل شأن من شؤون حياته. وأليس من المفترض أن يكون الشباب في طليعة المهتمين بالعمل السياسي والحياة السياسية، وذلك لأسباب عدة من على سبيل المثل لا الحصر، أن الشباب يحملون طاقة جسدية ونفسية، تأهلهم للصراع والتحدي، أكثر من غيرهم، لذلك هم أكثر من غيرهم تهيئة لمواجهة الإرهاب، والظلم السياسي، كما أن العمل السياسي، يستلزم العمل ضمن جماعات، والشباب في هذه المرحلة يبحثون عن التعبير عن النزعة الجماعية فيهم، وهي الانتظام مع الجماعة، فيدفعهم نحو العمل السياسي دافع غريزي، بالإضافة إلى القناعة الفكرية. في مرحلة الشباب، يتجه الإنسان إلى التجديد والتغيير، لاسيما وأن ظروف الحياة المدنية تتطور بسرعة هائلة في مجال التقنية والعلوم، والاستخدام العلمي، فينخرط الشباب في العمل السياسي، رغبة في التغيير والإصلاح، والالتحاق بمظاهر التقدم والرقي المدني. كما أنه في مرحلة الشباب يكون الطموح في احتلال دور اجتماعي، والتعبير عن الإرادة بدرجة عالية، مما يدفع الشباب إلى الانضمام إلى الحركات، والتيارات السياسية، لاحتلال موقع اجتماعي، ودور مرموق في المجتمع.