مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بشار الأسد :لا نسمح بنشاط يمس وحدة اليمن
في حوار مطول مع " الحياة"
نشر في حشد يوم 28 - 10 - 2010

في الأسبوع الأخير من حزيران (يونيو) 2006، أجرت «الحياة» حواراً مع الرئيس بشار الأسد. بين ذلك التاريخ وحديث اليوم تغيّر المشهد كثيراً. دخلت العلاقات العربية - العربية في امتحانات بالغة الصعوبة. وقعت «حرب تموز» وتحولت حركة «حماس» سلطة مستقلة في غزة وخاضت حرباً قاسية. تغيّر اسم الرئيس الأميركي. وتغيّرت الصورة في العراق وباتت الأزمة بين المكونات أشد وضوحاً. والبلاد تعيش بلا حكومة على رغم مرور سبعة شهور على الانتخابات النيابية.
أما الدور الإيراني في الإقليم فسجّل تقدماً لافتاً.
تغيّرت الصورة أيضاً في إسرائيل. حكومة يمينية متشددة تغتال فرص السلام يومياً بمواصلة الاستيطان. الآمال التي عُلِّقت على السيد الجديد للبيت الأبيض أُصيبت بما يشبه الانتكاسة. مشاكل كبيرة في الداخل والخارج معاً.
تغيرت الصورة في لبنان. شكّل سعد الحريري حكومته في أعقاب انتخابات نيابية. زار الحريري دمشق خمس مرات، وأكد أن صفحة جديدة قد فتحت وأسقط ما سمّاه الاتهام السياسي السابق. لكن حكومة الحريري سرعان ما اصطدمت بالموضوع المتفجر الذي تشكّله المحكمة الدولية وقرارها الظني. وفي الأسابيع الماضية، بدا الحوار مجمداً بين الحريري ودمشق. عاشت سورية وسط العواصف على مدى ما يقرب العقد. وخرجت من العواصف مستعيدة دورها الإقليمي، خصوصاً في الملفات العراقية واللبنانية والفلسطينية. وسجلت عودة الدفء الى العلاقة السورية - السعودية علامة فارقة في محاولات ترميم البيت العربي.
كيف يقرأ الرئيس الأسد الوضع الراهن في الإقليم؟ وكيف تتعاطى دمشق مع الملفات الصعبة هنا وهناك؟ وما هي حال العلاقات السورية مع هذه الدولة او تلك؟ أسئلة حملناها الى الرئيس السوري، واتسع صدره للإجابة عنها.
هنا الجزء الأول من الحوار الذي شارك فيه مدير مكتب «الحياة» في دمشق الزميل ابراهيم حميدي:
 أنا كصحافي عربي لديّ خوف من هشاشة الوضع العربي العام. ألا يوجد لدى سيادتكم قلق من هشاشة الوضع المحيط بسورية، خصوصاً في العراق؟
- بكل تأكيد. نحن في سورية نعتقد أنه إذا كان وضع الشخص غير هش، لكنه محاط بوضع هش، ويعيش في حالة انتظار كي يتغير الوضع الذي حوله، فهذا كلام غير واقعي. فعلياً الهشاشة التي تسأل عنها هي عملية معدية، بالتالي مهما كان وضعك جيداً كبلد، وأنت في حالة تفاعل مع مَن حولك، فالنتيجة ستكون أنك أنت ستصبح هشاً مثلهم. كل المشاكل الموجودة حولك، أمنية، طائفية، سياسية، لا استقرار بالمعنى العام، ستكون في بلدك عاجلاً أم آجلاً. لذلك، هذا القلق نحوّله إلى قلق إيجابي من خلال عمل فاعل. أنت لا تستطيع أن تنتظر داخل حدودك وتقول لا، أنا ليست لي علاقة. بل العكس أنت متأثر مباشرة، أمنك القومي يتأثر مباشرة، فأنت يجب أن تنطلق كي تساعد الحالة المحيطة بك، كي تتحول إلى حالة إما إيجابية وإما أقل ضرراً على الأقل، كي تخفف الخسائر. الحركة السورية تنطلق من القلق من الوضع المحيط بها.
كان هناك انطباع أن بعض الدول يمتلك أوراقاً اكثر إذا كان الوضع هشاً حولها؟
- صحيح. هكذا كانت الرؤية. وهذا الكلام صحيح، لكننا دائماً كنا نقول مَثَلْ: العقرب أو الحية لا تضعهما في الجيب لأنه ليس معروفاً متى يلدغان. فلم تكن هذه الرؤية إلا من التجارب. لا توجد حالة لا استقرار تستطيع استخدامها لمصلحتك ضد غيرك. هذه أصبحت منتهية. أعتقد بأننا تعلمنا الدرس نحن كعرب، لكن هذا لا يكفي. هذه خطوة في طريق التعلم الطويل الذي نحن بحاجة إليه كعرب، ولكن، الخطوة التي تليها، كيف ستحل المشاكل؟ بالتالي أنت لم تتآمر على غيرك بحالة اللااستقرار، ولكن في ما بعد إذا لم تحل المشكلة نفسها، فكما قلت في البداية فستدفع ثمنها.
إذا دخلنا في التفاصيل، هل تتوقعون حكومة عراقية قريباً؟ وهل تتوقعون حكومة برئاسة نوري المالكي قريباً؟
- أنا لا أستطيع أن أتوقع. أستطيع أن أتمنى، لست قارئ مستقبل، ولكن على الأقل هذه التمنيات، الإنسان أحياناً يحب أن يقول إنها تمنياته وهي توقعاته. ونحن كعرب، بما أن الجانب العاطفي لدينا دائماً يطغى، نحوّل أمنياتنا دائماً إلى توقعات. ولكن كي أكون دقيقاً، أقول أنا أتمنى أن تكون الحكومة قريباً، لأن كل فراغ اليوم سيكون ثمنه أكبر مع الوقت. برئاسة نوري المالكي أو غيره، كان تصوّرنا من يوم انتهاء الانتخابات أن على سورية أن تبني علاقات جيدة مع كل الأطراف العراقيين، لسببين: الأول لأنها تريد علاقة جيدة مع الحكومة العراقية المقبلة، أي حكومة كانت. ثانياً، إذا أردنا أن نساعد العراقيين في حال رغبوا، فلا بد أن تكون لدينا علاقات جيدة مع كل الأطراف، فمن غير الممكن أن نلعب دوراً إيجابياً في العراق، إذا كانت علاقتنا جيدة مع طرف وسيئة مع طرف آخر. لذلك، نقول إن المشكلة ليست في مَن يكون رئيس الحكومة. المشكلة الأساسية كيف تشكَّل الحكومة، أي حكومة وحدة وطنية تضم كل القوى، وما هو برنامج حكومة الوحدة الوطنية تجاه استقلال العراق وخروج القوات الأجنبية، تجاه العلاقة مع دول الجوار، وطبعاً قبل الأولى والثانية، تجاه العلاقة بين القوى العراقية الموجودة على الساحة. بالتالي، على حكومة الوحدة الوطنية أن تترجِم تركيبتها إلى وحدة وطنية على المستوى الشعبي.
العراق كان لاعباً على مستوى المنطقة. بعد سقوط نظام صدام حسين، تحوّل إلى ملعب للتجاذبات الإقليمية، هل يمكن أن نشهد عراقاً لديه الحد الضروري من القرار والاستقلال؟ أم هذه مرحلة انقضت؟
- من تجاربنا خلال العقود الماضية، كل ملعب يوجد فيه الأميركيون، يتحول إلى فوضى، وكل التجارب تثبت ذلك. هل الوضع في أفغانستان مثلاً مستقر؟ هل الوضع في الصومال كان مستقراً عندما تدخلوا؟ هل جاؤوا بالاستقرار إلى لبنان عام 1983؟ لا يوجد مكان دخلوا إليه إلا وخلقوا فوضى، كي نكون واضحين في هذه النقطة، فهذا الجانب طبيعي. هم يتحملون مسؤولية الفوضى. الجانب الآخر، الصدمة التي حصلت بالغزو أيضاً صدمة أخرى تخلق نوعاً من الفراغ على المستويين الرسمي والشعبي، فهذا الفراغ يُملأ بأشياء ربما تكون جيدة، وقد تكون سيئة. في حالة العراق مُلئ بالأشياء السيئة كون طابعها الأساسي كان الطابع الطائفي، ومع ذلك، أقول إنه حتى العراق بمشاكله الكثيرة أثبت حتى هذه اللحظة، الشعب العراقي في شكل عام، أنه ليس طائفياً، أي ليس مهيأً للطائفية. طبعاً هناك قوى طائفية تحاول تكريس الطائفية كي يكون لها موقع، ولكن في غياب الطائفية ينتهي دور هذه القوى، فهي تحاول أن تكرس الطائفية لتحافظ على مستقبلها السياسي.
حتى هذه اللحظة، أعتقد بأن في هذا الملعب بوادر إيجابية كثيرة للمستقبل شرط أن نساعده وأن تكون لديه الإرادة، على كل المستويات، ليمنع الطائفية، وليفكر دائماً بتقليص دور قوات الاحتلال إلى أن تخرج، وكي يفتح علاقات جيدة، كما قلت، مع دول الجوار.
أريد أن أكون صريحاً. هناك انطباع عربي بأن العراق فَقَدَ حصانته كدولة أمام الدور الإيراني الذي يتحول جزءاً من النسيج العراقي. كيف تنظر سورية الى هذا الأمر؟
- عندما نغيب، نحن كعرب، عن دورنا في الساحة العربية، لا يجوز أن ننتقد أي دور آخر، من دون استثناء. هذا جانب. الجانب الثاني، هل الدور الإيراني مشكلة، والدور الأميركي ليس مشكلة؟
ربما يشكل الاثنان مشكلة؟
- أي دور غريب، هو أمر غير إيجابي. الدور الأساسي هو الدور العراقي. ولكن عندما يضعف الدور، كما قلنا لأسباب معينة، الأميركي موجود، وفي حالة فراغ خلقت بعد الحرب، بعد الغزو. سنكون موضوعيين: ليس باستطاعتنا أن نقول ان هناك مشكلة سببها العراقي، العراقي يجب أن يحاول تجاوز هذه المرحلة. ولكن عندما نقول الآخرين من الخارج، ليس باستطاعتنا أن نتكلم عن أحد، والأميركي هو الذي خلق كل المشكلة في العراق. أولاً نتحدث عن الأميركي، ثانياً نتحدث عن غيابنا، ثالثاً نتحدث عن أي أحد آخر، إذا أردنا أن ننتقد أي دور. ماذا لو أراد التركي أن يلعب دوراً، هل نغضب أم لأنها إيران؟ نحن ننسق مع تركيا، لماذا نسمع عن مشكلة في الدور الإيراني ولا نسمع شيئاً عن الدور التركي، مع أن تركيا لها مصلحة كإيران وكسورية في الوضع العراقي، سلباً وإيجاباً. يجب أن نكون موضوعيين ومتوازنين.
«كلام واضح» مع المالكي
على ماذا اتفقتم مع نوري المالكي؟
- اتفقنا على أن تكون العلاقة جيدة بين سورية والعراق، وأن نطوي صفحة الماضي التي حصلت العام الماضي. هذا بالنسبة الى العلاقة السورية - العراقية. بالنسبة الى الوضع داخل العراق، اتفقنا على توضيح الموقف السوري، أولاً أوضحناه، لأن الكثير من القوى السياسية في العراق في الأشهر الماضية حاولت أن تترجم موقف سورية أو أن تفسره، سواء كان هناك موقف أم لم يكن، بأن سورية تقف مع أطراف معينين أو ضد أطراف معينين. كان موقفنا واضحاً بما أن اللائحة الأخيرة أو القائمة الأخيرة لم نتواصل معها في شكل مباشر كقائمة المالكي، بأننا على مسافة متساوية من الجميع، وأن سورية مستعدة للمساهمة، والمساعدة في الربط بين القوى العراقية من أجل تشكيل الحكومة في المدى القريب. هذه هي النقاط التي تكلمنا بها بالتفصيل، بالإضافة طبعاً إلى العلاقات الثنائية.
إن أردتُ أن أكون صريحاً أكثر، هل تم الاتفاق على إشراك المكوِّن السنّي العربي بنسبة تسمح بترميم العلاقات داخل المجتمع العراقي؟
- كان كلامنا واضحاً. أولاً الحكومة، عندما تكون حكومة وحدة وطنية، يجب أن تشمل كل المكوّنات، وبشرط أساسي هو ألاّ يكون أي مكوّن عبارة عن ديكور، بل أن يكون شريكاً. وهذا يشمل بالدرجة الأولى المكون السنّي، رغم أننا لا نحب التحدث بهذا المنطق في سورية. ولكن ضمن المصطلحات المتداولة الآن في العراق هذا الكلام أساسي. يجب أن يكون (المكوّن السنّي) شريكاً حقيقياً كي تنجح الحكومة، وهذا الكلام تحدثنا به مع كل القوى العراقية من دون استثناء.
هل في هذا السياق، ما يُحكى عن رغبة سورية وتركية في إضعاف دور الأكراد في العراق، وعن أن الدور الذي لعبوه سابقاً كان كبيراً لا يتناسب مع حجمهم؟
- لا. نحن ضد كل القوى الانفصالية في العراق، وفي أي اتجاه كانت. نحن ضد تفتيت العراق. قلقنا الأساسي بعد الغزو هو وحدة العراق، هو الرقم واحد، وحدة العراق وعروبته، كل العناوين الأخرى عناوين فرعية، أو تفاصيل. إذا لم نحُل هذين العنوانين، لا شيء يُحل. فالعمل على موضوع القوى الانفصالية وهي موجودة في أكثر من طرف كما أعتقد، ليس فقط لدى الأكراد، نحن وقفنا ضد كل فكر انفصالي، وذلك خلال كل ما فعلناه نحن وتركيا وإيران.
الدور الايراني
التشديد على عروبة العراق، ألا يخلق بعض الصعوبة في التعامل مع الدور الإيراني فيه؟
- لا. نحن لم نرَ مشكلة حتى الآن في هذا الاتجاه. لا نستطيع أن نطلب من إيران أن تكون دولة عربية، هي دولة لها قوميتها، علينا أن نحترم قوميتها، وهي تحترم قوميتنا. هذه هي علاقة سورية مع إيران. هل تجاوزت إيران قومية سورية؟ نحن نُتَّهم بأننا نبالغ في التمسك بالقومية... ودائماً علاقتنا جيدة بإيران، ولو كانت هناك مشكلة لإيران مع العروبة، لكانت هناك مشكلة بين سورية وإيران. لم تكن هناك أبداً مشكلة. لكن المشكلة أننا نحن كعرب، دائماً نفسر تقصيرنا بطريقة نظرية معينة، بمعنى أنني بتقصيري أرمي المسؤولية على نظرة الآخرين لعروبة العراق أو وحدته. المشكلة في العراق بالنسبة الى موضوع العروبة هي غياب الدور العربي، هذه هي المشكلة الأولى. إذا أردت أن أنتقد، أنتقد إيران أو تركيا، أستطيع أن أنتقد أياً كان، ربما أنتقد نفسي في هذه الحالة، الأخطاء موجودة دائماً في أي أداء. لكنني لا أستطيع أن أتحدث عن أي دور قبل أن ننتقل إلى الدور العربي نفسه.
هل نستطيع أن نتكلم عن تطابق سوري - إيراني مثلاً في العراق؟
- لا، لا يوجد أي تطابق بين أي دولتين، في أي قضية، ولو كان هناك تطابق لما التقينا في شكل متكرر أنا والمسؤولون الإيرانيون في قمتين خلال فترة قصيرة.
هل يمكن أن نتحدث عن تطابق سوري - إيراني في لبنان؟
- لا نستطيع أن نقارن، فالعلاقة الجغرافية بين سورية ولبنان ليست كالعلاقة الجغرافية بين العراق وإيران، الوضع يختلف. في لبنان لا تدخل إيران في التفاصيل (بل) في العموميات، فهي مثلاً يهمها دور المقاومة، وهذا هو موقف سورية، وفي هذا الإطار نستطيع أن نقول نعم هناك تطابق. بالنسبة الى ما نطرحه عن ضرورة أن تكون العلاقة جيدة بين القوى اللبنانية، والحوار اللبناني والاستقرار اللبناني، بالنسبة الى هذه المصطلحات هناك تطابق، لكن الفرق أن سورية تعرف التفاصيل اللبنانية أكثر من إيران في السنوات والعقود التي مرت. فلا نستطيع أن نقارن.
أنا كعربي عندما شاهدت الرئيس محمود أحمدي نجاد في لبنان وفي جنوبه، خالجني شعور وكأن الشرق الأوسط الجديد يقوم، وهو مناقض للشرق الأوسط الذي اقترحته كوندوليزا رايس. أي شرق أوسط بدور إيراني كبير؟ دور تركي يحاول أن يعدل بعض حجم الدور الإيراني؟ والعنصر العربي فيه ضعيف، ويكاد أن يقتصر على المشاركة السورية بعلاقتها مع إيران؟ هل الضعف العربي هو من ملامح الشرق الأوسط الجديد؟
- قبل الشرق الأوسط الجديد، متى كان الوضع العربي جيداً بمعنى الجيد؟ منذ السبعينات، منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، الوضع العربي في تراجع، فنحن لا نربطه بالشرق الأوسط الجديد. لكن التبعات التي حصلت مع الإدارة الأميركية السابقة خلقت الأزمات على مستوى العالم بخاصة في الشرق الأوسط. ظهرت فداحة هذا الضعف العربي، أي أنك في الأوقات العادية لا تشعر بها، الفرق أننا رأيناها الآن، رأينا التفاصيل، رأيناها على المحك، بالأزمات الموجودة، هذا هو الضعف العربي الموجود.
نعم هناك شرق أوسط جديد في مقابل هذه الصورة السوداوية. تحدثت عنها في خطابي عام 2006 بعد أيام عدة تقريباً من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأت في الكلمة: نحن الآن أمام الشرق الأوسط الجديد، ولكن ليس الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه. في المقابل هناك شرق أوسط جديد، هناك وعي أكثر على المستوى الشعبي، هناك تمسك بالمقاومة أكثر، ووعي لضرورة العلاقة الجيدة بيننا وبين القوميات الأخرى في منطقتنا. المنطقة العربية ليست حكراً على العرب، نحن منطقة متنوعة، لدينا جيران وتفاعلنا في كل مراحل حياتنا مع كل هذه القوميات. حتى لو اختلفنا، الوعي موجود. وحتى لو اختلفت معهم لا بد من الحوار، وأنا دائماً أؤكد هذه النقطة. نحن لا نقول ان أحداً لا يخطئ، أو إن هناك أحداً معصوماً عن الخطأ، ولكن أحاوره.
لديّ انطباع بأن العلاقة مثلاً مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أسهل من العلاقة مع أحمدي نجاد. وأن التفاوض مع الأتراك أسهل منه مع الإيرانيين. أنا أتكلم كصحافي، هل انطباعي صحيح؟
- من وجهة نظرك يمكن أن يكون صحيحاً. بالنسبة إلينا في سورية غير صحيح. بالنسبة إلينا الحوار مع الإيراني ومع التركي سهل جداً، لأننا نفكر بالمنطق ذاته على رغم اختلاف الزوايا الجغرافية، وإلا كيف تمكنت سورية من بناء علاقة جيدة، بل ممتازة، مع تركيا خلال سنوات قليلة، وممتازة مع إيران أيضاً، موجودة في الأساس. لا نرى فرقاً.
هل من الطبيعي أن يكون بين سورية وإيران وتركيا هذا النوع من العلاقات، وأن تكون العلاقات السورية - المصرية على هذا النحو؟
- لا، غير طبيعي. كلامك صحيح، وهذا هو الفرق. هذه هي السهولة التي تحدثت عنها، العلاقة العربية - العربية كما يبدو أكثر صعوبة من العلاقة العربية مع غير العرب. لذلك كلامك صحيح، هذا غير طبيعي، ونحن نقر بذلك.
هل العلاقة السورية - المصرية على المستوى الرئاسي تعاني حساسية شخصية؟
- بالنسبة إليّ، لا. أنا لم أطلب شيئاً من مصر، لا أريد شيئاً من مصر. إذا كنا نختلف سياسياً، فهذا ليس جديداً. نحن في الأساس وقفنا مثلاً ضد كامب ديفيد، ولم نغيِّر موقفنا في أي لحظة، فنحن في سورية نقول: لنفصل العلاقة الشخصية أولاً عن علاقة البلدين، لنفصل العلاقة السياسية عن العلاقة الاقتصادية، وكان لدينا وزراء سوريون في مصر أخيراً، وسيزورنا الآن وفد مصري، ونعمل لانعقاد اللجنة المشتركة. أما على المستوى السياسي، فهناك اختلاف كبير في الآراء. بالنسبة إلينا في سورية ليس مشكلة، ربما يكون لدى بعض المسؤولين في مصر مشكلة، ولا أستطيع أن أعطي الإجابة نيابة عنهم.
هل هناك جهود سعودية لتحسين العلاقات السورية - المصرية؟
- كانت هناك محاولة واضحة عندما التقينا في القمة الرباعية مع أمير الكويت والرئيس مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، بعدها لم تكن هناك أية محاولة أخرى.
هل كانت العقدة لبنان، أم المصالحة الفلسطينية أيضاً؟
- ولا واحدة، لا نعرف. الغريب أننا في سورية لا نعرف ما هي المشكلة، لذلك قلت لك أنا لا أريد شيئاً من مصر، وكي تكتمل الصورة لا بد أن تسأل الإخوة فيها ماذا تريدون من سورية؟ عندها تحصل على الجواب.
قلتم في تصريح: لم أتلقَّ دعوة لزيارة مصر. هل المشكلة في الدعوة؟
- لا. قالوا هل تحتاج زيارة مصر إلى دعوة؟ قلت نعم نحتاج إلى دعوة. هكذا كان الجواب. طبعاً تحتاج إلى دعوة لأن هناك انقطاعاً في العلاقات. أنا لم أستقبل مسؤولاً مصرياً منذ نحو خمس سنوات كما أظن، فإطلاق العلاقة بحاجة الى بعض المبادرات، أحياناً قد تبدو شكلية لكنها ضرورية في العلاقات السياسية والديٍبلوماسية.
قمة الرياض الأخيرة بينكم وبين خادم الحرمين الشريفين، أثارت تساؤلات. قمة سريعة وجاءت بعد زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى لبنان. هل كانت للتطمين إلى أوضاع الإقليم، إلى أوضاع لبنان؟
- لا. كان العنوان الأكبر هو موضوع العراق، في القمة الأخيرة مع الملك عبدالله، وأتى توقيتها بعد لقاءات بيننا وبين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورئيس الوزراء أردوغان، ولقاءين بيني وبين الرئيس أحمدي نجاد. هذه الدول، بالإضافة إلى رئيس الوزراء العراقي، يجمعها في شكل أساسي موضوع العراق، ولديها قلق من هذا الموضوع. في العراق، كانت هناك ديناميكية سريعة أخيراً، في الأشهر الأخيرة، بخاصة بعد الانتخابات. تحالفات وتصريحات وأحياناً صورة ضبابية بالنسبة إلينا، إما لا نستطيع أن نفسر دلالاتها، وإما أننا أحياناً لا نلتقط الدلالات. لذلك كان هناك حوار مكثف بيننا في شكل أن يفسر ما الذي يحصل في العراق. فكانت زيارتي السعودية في هذا الإطار، أي أن ما استنتجناه من حواراتنا مع الأتراك والإيرانيين ومع رئيس الوزراء المالكي، بالإضافة الى لقاءاتنا مع القوى العراقية الأخرى، أردنا أن نتبادل فيه وجهات النظر مع السعوديين، فعقدت قمة أنا والملك عبدالله، طبعاً كانت مغلقة، كي نعطيهم تحليلاتنا ونسمع منهم تحليلاتهم للوضع في العراق.
كيف تصف العلاقات السورية - السعودية؟
- جيدة ومستقرة وخاصة. مرت بظروف صعبة، لكنها على المستوى الثنائي لم تتأثر في شكل كبير.
هل صارت محصنة ضد الانتكاسات؟
- إن شاء الله، نتمنى ذلك، كل انتكاسة تعلّمك دروساً، وكل انتكاسة ستنفعك لأن تحصنها (العلاقة) أكثر.
هناك جانب شخصي أيضاً في هذه العلاقة.
- هذا الجانب كان الضمانة الأساسية لهذه العلاقة، والعلاقة المباشرة بيني وبين الملك عبدالله، هي الضمانة الأساسية لها.
حين يلتقي ملك السعودية ورئيس سورية في هذه الفترة، هل يقتصر الحديث على موضوع؟
- لا. أقصد أن الهدف أو الدافع الأساسي لهذه القمة هو العراق، طبعاً الموضوع اللبناني يمر، ربما الفلسطيني، كله يمر. لكن هدف الزيارة والجزء الأكبر، أو دعنا نقل نحو 80 في المئة كان حول الموضوع العراقي، لكننا تحدثنا في كل شيء.
هل افهم انه توجد محاولة لفصل العلاقة السورية - السعودية عن الموضوع اللبناني؟
- لا. الفصل غير موضوعي. نحن في العلاقات مع الدول العربية بحاجة الى شيئين: بحاجة الى العلاقة معهم في شكل مباشر، والتي فيها علاقات ثنائية وتنسيق في مختلف المجالات، وفيها الجانب الآخر وهو كيف نعكس هذه العلاقة على القضايا الموجودة، سواء عن حسن نية بأننا نريد أن نحسّن الوضع العربي بهذا الكلام العام، أو من خلال قضايا توجِد قلقاً. لنا مصلحة في التنسيق مع هذه الدول تجاه هذه القضايا. على سبيل المثال، عندما قلت ان هناك قلقاً من الوضع في العراق، من تفتيته أو ما شابه، أو من الحالة الطائفية الموجودة، من الطبيعي أن أسعى الى تحالفات كي نتعاون على حل هذه المشكلة. الشيء نفسه في موضوع لبنان، أي أن لنا مصلحة في التنسيق السوري - السعودي، وليست لنا مصلحة في فصل العلاقة عن الموضوع اللبناني.
هل بُحِثت في قمة الرياض، إعادة الاتصال بينكم وبين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؟
- لا توجد مشكلة الآن بيني وبين الرئيس الحريري، أي لا يوجد نوع من الجفاء. لكنني أعتقد بأن المشكلة أنهم ربما توقعوا في لبنان أن سورية ستتدخل في كل مشكلة كي تدخل في التفاصيل. أنا كنت واضحاً مع كل من التقيتهم في لبنان بمن فيهم الرئيس الحريري، بأننا نحن في سورية ليست لدينا رغبة في الدخول في التفاصيل اللبنانية، وبخاصة عندما نرى أن لا رغبة لبنانية في الحل، هذا من جانب. من الجانب الآخر، لا شك في أن سورية اتُّهمت كثيراً بموضوع التدخل في لبنان، فعندما يتفق اللبنانيون على دور سوري، نحن جاهزون. من جانب آخر، وهو الأهم، نحن لا نريد التدخل إلا إذا كان هناك حلٌ كبير. فربما كل هذه التفاصيل خلقت نوعاً من الجفاء وكأن سورية ابتعدت. نحن فعلاً لم نبتعد، لكن تطور الأحداث في لبنان أظهر أننا ابتعدنا، لأننا لا نريد الدخول في التفاصيل. ولكن، لا توجد مشكلة بيني وبين الرئيس الحريري.
الكيمياء... والمؤسسات
خمس زيارات للرئيس الحريري الى دمشق، وكلام عن بناء علاقة شخصية، وكان هناك حديث عن الكيمياء والاتصال، حتى في الصحف المؤيدة، أو المتعاطفة مع سورية. هل تتوقف الكيمياء فجأة؟
- هذه الكيمياء شخصية، نحن من جيل واحد، ربما لدينا اهتمامات متشابهة. فالعلاقة على المستوى الشخصي بُنيت، وكان ذلك واضحاً من شكل الزيارات، بعد اللقاءات الرسمية تكون هناك دائماً وجبة (غداء، عشاء)، أي جلسة أصدقاء، لكن العلاقة بين الدول لا تُبنى على الجانب الشخصي فقط. هذا الجانب يساعد في العلاقة بين الدول والتي تبنى على العلاقة الرسمية، السياسية. العلاقة السياسية هي التي بحاجة إلى تطوير بين سورية ولبنان، وهذه تعتمد على العلاقة المؤسساتية، وهذا الذي اتفقنا عليه. هذه العلاقة المؤسساتية، باعتقادي، تسير في شكل جيد، سقفها هو العلاقة اللبنانية- اللبنانية، عندما تكون هناك مشكلة في لبنان، سيكون لدينا سقف لا نستطيع أن نتجاوزه في هذه العلاقة.
الكلام الذي قاله الرئيس سعد الحريري والتراجع عن الاتهام السياسي لسورية، نُظر إليه وكأنه خطوة كبيرة، أي بالنسبة الى الحريري، خصوصاً أمام جمهوره، وكأنه قدمها. هناك بعض الشعور في بعض الأوساط بأنه عومل بشيء من القسوة بعد ما قدمه، خصوصاً بموضوع المذكرات القضائية السورية؟
- أولاً عندما أعلن في جريدة «الشرق الأوسط» هذا الكلام، اتصلتُ به مباشرة في اليوم التالي، كي أثني على ما قاله. عندما بدأ الهجوم، وصلني من الرئيس ميشال سليمان أن هناك شعوراً يتطابق مع ما تقوله، فاتصلت في اليوم ذاته بالرئيس الحريري كي أقول له أنني فهمت أنه حولك أنت أو ربما أنت لديك هذا الانطباع، لا، هذا الكلام غير صحيح، نحن العلاقة بيننا وبينكم مؤسساتية، والعلاقة تعني وزيراً لوزير، ومسؤولاً لنظيره، وهكذا. كل التفاصيل اللبنانية لم ندخل فيها، بكل وضوح، هذه التفاصيل لبنانية. يقال هذا قريب من سورية، محسوب على سورية، بعيد عنها، نحن خارج هذه التفاصيل. أما بالنسبة الى المذكرات القضائية، فأنا منذ اللقاء الأول مع الرئيس الحريري، في أول مرة زار فيها سورية، كنت واضحاً بأن هذه الأمور التي تحدث، وهي بدأت طبعاً قبل زيارته الأولى لسورية، أصبحت في القضاء. ومهما أخّر القضاء الموضوع، في النهاية لا بد أن يُصدر حكماً، أي أنه يوجد إجراء قضائي لا يمكن إخفاؤه. فهذا كان ضمن العملية التي بدأت قبل العلاقة مع الرئيس الحريري، واستمرت. كان لا بد أن تنتهي بهذا الشكل. طبعاً في لبنان، يحبون أن يفسروا كل شيء سياسياً. حسناً، لو أردنا أن نفسرها سياسياً، هل يستطيع أي شخص من الذين تكلموا في لبنان، الذين اعتبروا أن هذه رسالة سورية إلى الحريري، أن يفسر ما هو مضمون هذه الرسالة؟ أو أن يفسر ما هو توقيت هذه الرسالة. على أي أساس مبني. أتحداهم أن يفسروا أو يعطوا أي مضمون عملي أو توقيت يؤدي فعلاً إلى رسالة تستفيد منها سورية. هذا الكلام غير منطقي، أنا بحثت عن رسالة، حتى إعلامياً، لم أرَ هذه الرسالة، كله مجرد اتهام لسورية. لذلك لا، أنا لا أريد أبداً أن أربط ما بين المذكرات وما بين الجو السائد في لبنان، لا يخدم سورية.
الجو السائد حالياً في لبنان لا يخدم سورية؟
- لا. ولو أردنا أن نربط توقيت المذكرات بالجو السائد في لبنان، فذلك لا يقدم أي خدمة لسورية، فهي عملية قضائية. لو كنا نريد أن نسيّس الموضوع، ربما لو كنا فعلاً نريد أن نتدخل في القضاء كما يقال، لكان علينا البحث عن توقيت آخر، لكن الحقيقة انها عملية قضائية ونحن تركناها تسير في شكل طبيعي.
هل القضاء خارج المصالح العليا للدول؟
- لا، ولكن بعد أن تبدأ العملية لا بد أن تسير في اتجاه معيّن، أي لا بد أن تنتهي من الألف إلى الياء. لا تستطيع أن توقفها.
انا صحافي وأريد خبراً، متى سنرى الرئيس الحريري في دمشق؟
- في أي وقت يريد. سورية لم تغلق أبوابها في وجه الرئيس الحريري.
إذا قرأ الحديث واتصل بكم هل سيكون الاتصال قد عاد؟
- مباشرة، أكيد. قلت لك لا توجد مشكلة بيني وبين الرئيس الحريري قبل الحديث أو بعده.
هناك عقدة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. باللقاء مع الرئيس الحريري، هل تبيّن أن هناك إمكانية للوصول إلى صيغة تحفظ لبنان من تداعيات القرار الظني أو المحكمة. هل يوجد في الكلام مع السعودية ما يُظهر وجود مظلّة ما لحل من هذا النوع؟
- تطرح قوى لبنانية أن كلمة قرار ظنّي، تكون عادة في جريمة عادية، أما في جريمة وطنية في بلد منقسم طائفياً، فالقرار الظني يدمر بلداً. أي أنه إذا كان الهدف هو اتهام أشخاص، فلماذا لا يُبنى الاتهام على أدلة وليس على ظن. أنت بحاجة إلى أدلة. هذا هو الطرح الذي نسمعه من القوى اللبنانية، وهو طرح مقنِع. نحن في حوارنا مع اللبنانيين خصوصاً مع الرسميين منهم، المحكمة هي شأن لبناني، كيف يريدون أن يذهبوا فليذهبوا في الاتجاه الذي يريدون. لكننا نتحدث عن وجهة نظر نسمعها، وهي مقنعة، أن القرار الظني يصدر في جريمة عادية، عندما يكون هناك دليل، قدموه. لماذا يريدون قراراً ظنياً، لماذا لا يكون قراراً اتهامياً نهائياً مثبتاً؟ هذه هي وجهة نظرنا، لنتعامل مع الأدلة، الضمانة لعدم تسييس المحكمة وعدم ضرر لبنان، هي أن تكون هناك أدلة. من لديه دليل فليقدمه وانتهى الموضوع.
المبعوث السعودي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله يأتي باستمرار، هل يتبلور حل؟
- الحقيقة هنا، وستكون نقطة الضعف في جوابي، أن لدينا علاقة مع طرف من اللبنانيين، لو كانت لدينا علاقة مع كل الأطراف لكان بإمكاننا أن نعطي صورة بانورامية. الآن لماذا نلتقي أنا والأمير عبدالعزيز؟ لأن السعودية عليها أن تغطي الجانب الذي لا توجد لدينا علاقة معه. هذه الحوارات لم تنتهِ، وأتوقع أن يكون هناك لقاء قريب بيني وبين الأمير عبدالعزيز، فلا أستطيع أن أقول الآن ان لدينا رؤية كاملة للحل قبل أن نسمع من القوى اللبنانية. الكثير من هذه القوى تكون متناقضة مع بعضها في الطروحات، الأمر بحاجة إلى فلترة. كثير من القوى اللبنانية تحتاج إلى وقت كي تتشاور مع بعضها، مع حلفائها، مع قواعدها. حتى اليوم، لا يوجد شكل نهائي للحل، لكننا نحن الآن في مرحلة لملمة أو تجميع أفكار.
هل يمكنني القول أن سورية لا تؤيد الاحتكام إلى القوة للخروج من الأزمة الحالية في لبنان؟
- نحن لا نؤيدها، القوة دائماً تجلب المزيد من الدمار والخراب على الجميع.
أي أن سيادتك تستبعد 7 أيار جديداً؟
- 7 أيار أو 7 من أي شهر تريد أن تسميه، هي ليست مربوطة بهذا الاتجاه. أنا لا أريد أن أتحدث عن 7 أيار لأن 7 أيار كان لها ظرف معيّن، ولكن لنقل أي صدام في أي وقت من أية قوى سيخرب لبنان، سيدمره، ولكن في الوقت ذاته الواقع لا يهتم برغباتنا، الواقع يسير بحسب الحقائق التي تؤثر فيه، فعلينا ألاّ نكون حالمين أو رومانسيين كي نعيش على التمنيات، أي اننا كنا نتمنى ألاّ تحصل كل الصدامات في لبنان عبر العقود الماضية لكنها حصلت. فنحن الآن لسنا في وارد أن نستبعد أو أن لا نتمنى أو أن لا نرغب أو نرفض أو أن ندين في المستقبل. نحن الآن في وارد العمل فقط من أجل أن نمنع لبنان من الوصول إلى هذه الحالة.
هل هناك معلومات عن أن القرار الظني متأخر؟
- كله كلام إعلام. لا توجد لدينا أية معلومات جدية أو فعلية في هذا الموضوع. كله عبارة عن حديث إعلامي أو ربما إذا لم يكن إعلامياً، فهو حديث في الأوساط السياسية، أو الأوساط المهتمة. ولكن لا توجد لدينا أية مؤشرات، ليست لدينا كسورية علاقة مباشرة مع المحكمة. إذاً، لا يمكن أن أعطيك إجابة عن هذه النقطة بالذات.
جنبلاط كما كان
كيف أصبحت العلاقة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط؟
- جيدة. هناك وضوح، شفافية، أعتقد بأن السنوات الماضية كانت كافية كي توضح كل ما لم يكن واضحاً على المستوى المحلي اللبناني والإقليمي بما فيه السوري والدولي. وكانت الردود الأخيرة على الدور الأميركي وعلى الجولات الأميركية المشوشة، كان الرد واضحاً، من وليد جنبلاط أو من المسؤولين الذين معه في الحزب. أعتقد بأن الخط السياسي أصبح واضحاً بالنسبة إليه، ورجع وليد الذي كنا نعرفه منذ زمن.
هل يقلقك إذا صدر في الإعلام أن الحريري استقال؟
- لا أريد أن أضع نفسي مكان اللبنانيين في هذه النقطة. سأحاول أن أكون دقيقاً، لكننا نعتقد بأن سعد الحريري قادر على تجاوز الوضع الحالي. في الأزمة الحالية هو قادر على مساعدة لبنان، نعتقد بأنه شخص قادر. أنا أعتقد بأنه الآن الشخص المناسب جداً لهذه المرحلة الصعبة.
ما هو المفتاح الحقيقي الآن للعودة إلى التعاون، ولتتحسن صورة هذه الحكومة، لأنها عملياً حكومة شلل وطني لا تفعل أي شيء؟
- دائماً في لبنان، الحكومة، أي حكومة، تعكس الوضع السياسي فيه. الوضع السياسي غير جيد، بل مقلق في لبنان. إذا لم تكن هناك عملية حوار وتواصل بين القوى السياسية، وهذا الحوار ينتج اتفاقاً على نقاط معينة، منهجية معينة، أهداف معينة، ومسار معين، أي حكومة ستكون غير فاعلة.
هل الطريق للوصول إليك يمرّ ب «حزب الله»؟
- لا، ولكن بالنسبة إلينا موقفنا معروف تجاه المقاومة، أية مقاومة. بالنسبة إلينا المقاومة غير قابلة للنقاش، لا في وضع داخلي، ولا في وضع إقليمي، ولا في وضع دولي، هذا الأمر محسوم لدينا. والطريق يمر عبر المقاومة، إذا كان بالأساس موقف هذه الجهة هو ضد المقاومة، كيف سأجلس مع شخص هو ضد المقاومة وأنا موقفي مع المقاومة؟ ما هي النتائج التي سنتوصل إليها؟ يجب أن يكون أساس الالتقاء بيني وبين أي طرف هو الموقف من المقاومة وليس «حزب الله». أنا لا أقول عن «حزب الله»، أقول عن المقاومة، كي أكون واضحاً، طبعاً «حزب الله» هو فصيل أساسي، لكنني أتحدث عن المقاومة كمبدأ وليس كحزب، فبهذا المعنى، يمر عبر الموقف من المقاومة ولا يمر عبر الحزب كحزب.
هناك وضع لبناني واضح، هناك انحسار لدور المسيحيين في لبنان، وللمرة الأولى دخلت الحساسية بين المكوّنات، تحديداً بين الشيعة والسنّة. على المدى الطويل، هذا الوضع ألا يقلق سورية؟ انحسار الدور المسيحي في لبنان، والسنّة والشيعة في سباق على لبنان ومَن له القرار فيه...
- إذا كان على المدى القصير يقلقنا، فبكل تأكيد يقلقنا أكثر على المدى البعيد، لأنه إذا لم يُعالَج على المدى القصير، سيتفاقم وسيتحول لبنان كما كان مخططاً له، بخاصة في الثمانينات وليس فقط السبعينات، إلى كانتونات طائفية. أما بالنسبة الى الوضع المسيحي، فالذي يضعفه أكثر هو الانقسام المسيحي. في مراحل مختلفة خلال العشرين عاماً الماضية وأكثر، الانقسام المسيحي ساهم في إضعاف الدور المسيحي، وفي النهاية المكوّن المسيحي هو أحد المكونات الأساسية في لبنان. تغيُّر هذا المكوّن وتغيّر وضعه، يؤديان في المحصلة الى تغيير كل الوضع في الصورة اللبنانية، لا يؤدي الى تغيّر منعزل، وهذا سينعكس على الطوائف الأخرى في لبنان، أيضاً سلباً. بالتالي الصورة التي تتكلم عنها حول الطوائف الأخرى، لا تنفصل عن هذا الموضوع، هناك تبادل بينها، كالأواني المستطرقة، يوجد شيء هنا وشيء هناك سيؤثر على بعضه. طبعاً نحن قلقون من هذا التغيّر. لبنان الذي تغيّر دوره التاريخي على رغم المشاكل الأساسية الموجودة فيه كبنية طائفية وكنظام سياسي، لكن الصورة الموجودة فيه بالنسبة الى التوازن بين الطوائف تتراجع وتحوّله إلى بلد، معالجة مشاكله في المستقبل أصعب.
كيف هي علاقتك مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون؟
- جيدة، علاقتي جيدة، وفيها ثقة ووضوح، وهو كان دائماً واضحاً مع سورية، قبل أن يزورها، مواقفه واضحة تجاهنا.
أستنتج، من كلامك أن لا تغيير في الحكومة بلبنان، ومعارضة سورية لأي انهيار أمني فيه؟ هل استنتاجي صحيح؟
- طبعاً صحيح، ولكن بالنسبة الى النقطة الأولى، لم أسمع من أي طرف لبناني رغبة في تبديل الحكومة. أعتقد أن ذلك كان في الإطار الإعلامي وفي إطار التصعيد، وفي الواقع التقينا معظم القوى السياسية في سورية خلال الشهرين الماضيين، لم نسمع ولا مرة طرحاً بضرورة تغييرها (الحكومة).
معظم القوى اللبنانية؟
- المعارضة. على الأقل المعارضة. لم نسمع أن المعارضة تريد أن تبدّل الحكومة، لم يُطرح (الموضوع) معنا في سورية، أعتقد بأنه بقي فقط في الإطار الإعلامي.
الجزء الثاني والاخير من الحوار
كم تبدو المسافة بعيدة بين النوم في دمشق والنوم في بغداد حين يكون الزائر صحافياً عربياً يبحث عن أجوبة لأسئلته. في أيار (مايو) الماضي استولى عليّ القلق حين نمت على مقربة من دجلة. شعرت بأنني أقيم بين حطام دولة اسمها العراق، كنا نراهن على ان تكون رافعة في معركة البحث عن المستقبل العربي. ولم يكن العنف وحده ما يبعث على القلق. أخطر منه رائحة الطلاق بين المكوّنات، وتحول هذا البلد العريق ملعباً لجيرانه بعدما كان لاعباً في إقليمه.
في بغداد خالجني شعور بأن أكبر ثروة يمكن أن ينعم بها شعب هي ثروة الاستقرار، ولو كان مشوباً بأخطاء ونواقص. في غياب الاستقرار يضيع النفط ويضيع الغاز، وتضيع الطاقات البشرية وتضيع أعمار أجيال. لا أقصد بالاستقرار إقفال النوافذ امام التطلع الى الإصلاح والتطوير. الحماية الحقيقية للاستقرار تستدعي فتح النوافذ، والقدرة على الاستماع والتفاعل.
في بغداد شعرت بالثمن الرهيب الذي يمكن ان يدفعه بلد نتيجة للرهانات المتهورة، أو الأحلام الانتحارية والقراءات المغلوطة للوضعين الإقليمي والدولي. إنها مأساة ان يعجز الحاكم عن قراءة اتجاهات الرياح فيسرّع اصطدام سفينته بالصخور وغرقها.
النوم في دمشق مختلف عن النوم في بغداد، حين يكون الزائر صحافياً عربياً. يخالجك شعور بأن سورية نجحت في اجتياز عقد كامل أقامت خلاله وسط العواصف التي هبت على جيرانها أو من أراضيهم. انه عقد صعب بدأ عملياً مع هجمات 11 ايلول (سبتمبر) وما تبعها من محطات عراقية ولبنانية شائكة. أحياناً تدافع الدول عن نفسها خارج حدودها. وتشعر أحياناً ان بعض الاضطراب لدى جيرانها يمكن ان يعزز موقعها أو يضمن سلامتها. في اللقاء مع الرئيس بشار الأسد شعرت بأن سورية لا تشعر اليوم انها مهددة على غرار ما شعرت به بعيد الغزو الأميركي العراق والزلزال الذي ضرب لبنان. شعرت ان سورية تستعد للتصرف كقوة استقرار في محيطها. في هذا السياق فهمت ما أبلغه الأسد الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من ان مشاركة المكوّنات العراقية في حكومة وحدة وطنية يجب ان تكون مشاركة حقيقية وفعلية، وليست مجرد ديكور. وفي السياق نفسه فهمت كلام الرئيس السوري عن العلاقة مع لبنان ورئيس وزرائه سعد الحريري.
يشعر زائر دمشق بأن القيادة السورية تملك حالياً من الطمأنينة ما يشجعها على التوجه نحو تقديم نفسها كقوة استقرار، أو قوة مساعدة على الاستقرار، وأنها تفرد لحسابات التعاون الاقتصادي وعائداته مكاناً أكبر في رسم السياسات. وتقارِب الملفات بواقعية أكبر يمكن قراءتها بين السطور إذا غابت الصيغ المباشرة. وليس ثمة شك في ان التوازنات الجديدة في الإقليم تلقي على دمشق مسؤولية مضاعفة في بذل جهود أكبر لترميم البيت العربي، ولو اقتضى الأمر تجاوز حساسيات أو شكليات. واضح ان العلاقات السعودية - السورية استعادت قدراً من الدفء يسهل البحث المشترك في سبل إطفاء الحرائق العربية مع الالتفات الى انه من غير الطبيعي ان تبقى العلاقة المصرية - السورية على ما هي عليه الآن. وإذا كان من الصعب حالياً التقريب بين القراءات للوضع في المنطقة بملفاته العراقية والفلسطينية واللبنانية، يمكن على الأقل الاتفاق على آلية لإطفاء الحرائق يتم الانطلاق منها لوقف تدهور أوضاع اللاعب العربي في الإقليم، قياساً بأحوال اللاعبين الآخرين.
تبقى فكرة خبيثة مرت ببالي وأنا أسلك طريق بيروت - دمشق. أشار السائق الى موكب سيارات معتمة الزجاج، وراح يخمّن هوية صاحب الموكب. شعرتُ بلذة ان تكون صحافياً وأن تقتصر همومك على العودة بحديث ناجح. وقلت من يدري حجم التوتر الذي يعيشه صاحب الموكب الذي اجتاز مسرعاً. أغلب الظن انه منهمك بالسؤال عن مستقبله. لعله نائب يحلم بأن يصير وزيراً، أو وجيه يحلم بأن يتحول نائباً. شعرتُ بلذة أن يكون المرء صحافياً تقتصر طموحاته على حديث يثير اهتمام القراء ويرد على اسئلتهم.
أريد هنا ان أسجّل ان الرئيس بشار الأسد كان سخياً في الوقت الذي منحه ل «الحياة»، وأجاب عن كل الأسئلة التي طرحتها. هنا نص الجزء الثاني والأخير من الحوار: 
 بالنسبة الى العلاقة السورية - الأميركية، صدرت قبل أيام وثائق قيل فيها ان سورية كانت مصدر الأحزمة الناسفة في العراق. هل ما زال موضوع العراق يسمّم العلاقة، أم موضوع الموقف من المقاومة الفلسطينية أو «حزب الله». أين العقدة التي تحول دون عودة علاقات شبه طبيعية بين سورية وأميركا؟
- العقدة أننا لا نقول لأية جهة، بما فيها أميركا، «نعم» إلا إذا كنا مقتنعين، وإذا كانت تعبّر عن مصالحنا. هذه هي المشكلة، لذلك أعتقد بأن هذا الموضوع سيخلق مشكلة في كل القضايا المختلفة. أي أن لدينا موقفاً واضحاً في الموضوع الفلسطيني. لنا موقف في الموضوع اللبناني، في موضوع المقاومة، في موضوع العراق، مواقفنا واضحة وهي لا تريحهم. لا تريح، إذا لم نقل كلهم، على الأقل جزءاً كبيراً من المؤسسات في الدولة الأميركية. هذه هي المشكلة، أي هي قديمة وليست جديدة.
ألا يوجد شيء عملي جديد؟
- شيء عملي، لا. الشيء الوحيد هو أننا لم نعد نسمع لغة الإملاءات، ولكن، شيء حقيقي على الأرض؟ لا نرى شيئاً جدياً حتى الآن. بدأت عملية جس نبض في موضوع السلام، لكنه مجرد جس نبض. أخذ ورد، أي أفكار. فلا يوجد أي شيء فعلي على الأرض في أي موضوع، لا العلاقات الثنائية ولا القضايا الأخرى التي تهمنا.
هل هناك تعاون أمني مع الولايات المتحدة؟
- حالياً لا يوجد.
حتى في ما يتعلق ب «القاعدة»؟
- لا، في أي موضوع، ولا في «القاعدة».
منذ أي عام هو متوقف؟
- أعتقد منذ العام 2005، منذ خمس سنوات متوقف. ونحن ربطناه بتحسن العلاقات الثنائية، قلنا لهم إنه لا يمكن أن يكون هناك أي تعاون أمني من دون علاقات ثنائية جيدة وتعاون سياسي.
أي عودة سفير؟
- لا. السفير يهم أميركا. نحن سفيرنا موجود في أميركا. إذا أرادت أن تعيّن سفيراً في سورية، فهذا يخص أميركا ويخدمها. عدم وجوده في سورية لا يضر سورية. مهمة سفيرنا في أميركا أن يخدم مصالحنا وليس العكس. فهذا (تعيين سفير أميركي) مجرد شيء شكلي يعبّر عن إشارة، هو مؤشر، لكنه ليس شيئاً عملياً.
هل لديكم نوع من الخيبة من الرئيس الأميركي باراك أوباما؟
- لا. لأن اوباما شخص. في النهاية، في أميركا توجد مؤسسات، ولوبيات (جماعات ضغط)، وكونغرس. توجد جهات مختلفة. أعتقد بأن أوباما أراد أن يقوم بإنجازات. الآن على مسار السلام، يحاول أن يقوم بشيء، ولكن يبقى الرئيس في أميركا وحده غير قادر على القيام بإنجازات كبرى، عندما لا تكون المؤسسات داعمة له.
هل القطيعة التركية - الإسرائيلية أزعجت سورية؟ كان من الممكن أن تلعب تركيا دوراً مرافقاً أكثر للتفاصيل...
- لا، لأن إسرائيل ومع مجيء هذه الحكومة في بداية العام الماضي، بدأت مباشرة حملة على مستوى الدول المعنية أو المهتمة، بخاصة في أوروبا ولدى الأميركيين في شكل بديهي، للشرح وللإقناع بأن الدور التركي لا يمكن أن يبقى في عملية السلام. إذاً، هذه الحكومة الإسرائيلية سعت منذ البداية لتقويض الدور التركي. وأتت قضية الهجوم على أسطول الحرية (مرمرة) كي يكون هناك شيء عملي يضرب هذه العلاقة، ويضرب الدور التركي. لكن إسرائيل من قبل، وبصرف النظر عن هذه الحادثة، لم تكن تقبل بالدور التركي لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير قادرة أو غير مهيأة للسلام. فكيف يمكن أن يكون هناك دور تركي لو كان موجوداً اليوم، ولا يوجد شريك إسرائيلي؟ فالدور التركي مبني على وجود شريك إسرائيلي، والشريك غير موجود، بالتالي لا يمكنني أن ألعب دوراً في السلام، ولا تركيا تستطيع.
في المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، هل نتوقع شيئاً ملموساً؟... هناك الكثير من المصالحات والحوارات، لكننا لا نرى مصالحة حقيقية.
- ترى شيئاً ملموساً عندما تقرر الأطراف كلها أن تكون خاضعة للمصالح الفلسطينية - الفلسطينية، أو للتأثيرات الفلسطينية - الفلسطينية وليس للتأثيرات الخارجية. عندما يقررون أن يتصالحوا مع بعضهم بعضاً كفلسطينيين. عندما يكون هذا الملف فلسطينياً بامتياز، وليس إقليمياً أو دولياً، تحصل مصالحة. طالما أن هذا الملف، ولو بجزء منه، يتبع لدول أخرى أو يتأثر بدول أخرى، أشكّك بإمكانية وصول الأطراف إلى حل نهائي.
هل هناك طرح يتعلق بزيارة قريبة للرئيس محمود عباس إلى دمشق؟
- لا، لم يُطرح الموضوع.
هناك مناطق عربية أخرى مشتعلة. نرى اليمن، السودان يستعد للطلاق. الصومال. هل يقلقك هذا؟ كلما حصل فراغ في مكان، طلت منه «القاعدة». والآن هناك أخبار في العراق تفيد بأن قسماً من «الصحوات»، يعود إلى «القاعدة» بسبب أسلوب التعامل معه.
- «القاعدة» هي نتيجة، أو فكر «القاعدة». نحن نتحدث عن «القاعدة «وكأنها منظمة متماسكة. لا، الحقيقة انها قضية فكر، تُطلَق عليه تسمية «القاعدة» تجاوزاً. ولكن هي نتيجة وليست سبباً. أنا يقلقني السبب، يقلقني الفراغ الذي أدى الى هذا السبب. يقلقني الإحباط الذي أدى الى هذا السبب، هو نتيجة إحباط. يقلقني ضعف النمو والتطور الذي أدى الى هذا السبب، تقلقني الأخطاء السياسية والفراغ السياسي والأداء السياسي الخاطئ لنا كمسؤولين، والذي يؤدي الى هذه النتيجة. هذا هو المقلق. هذه مجرد أعراض، كما لو أن لديك آلاماً في البطن، ألم البطن لا يدل على شيء، بل على مشكلة خلفه، ما هي المشكلة التي تقف وراء ألم البطن، وليس الألم بحد ذاته.
ألا تحاول «القاعدة» أن يكون لها نشاط في سورية؟
- طبعاً، في كل مكان بما فيه سورية، متواجدة. في كل الساحة العربية والإسلامية تقريباً، ولكن ليس بالضرورة أن تكون منتشرة. جغرافياً هي متواجدة، أما شعبياً فهي محدودة حتى الآن، الناس لديهم وعي، على الأقل في سورية.
هل هناك اعتقالات؟
- هناك حالات أمنية من فترة لأخرى، كانت هناك محاولات أُحبِطت في مرات مختلفة.
هل حدث شيء أخيراً؟
- لا يخلو الأمر من بعض الحالات كل عدة أشهر، ولكن لا يوجد شيء حديثاً.
هل تم إحباط محاولات تفجير مثلاً؟
- طبعاًً، محاولات تفجير، أحياناً محاولات تهريب لمواد متفجرة مع دول الجوار، وهكذا. ليس بالضرورة أن تكون محاولات ضد الدولة.
هل هناك معلومات عن وجود «القاعدة» في شمال لبنان، تقلق سورية مثلاً؟
- حالياً، لا توجد لدينا معطيات كثيرة عن حركة نشطة في شمال لبنان. منذ عامين كانت الحركة نشطة جداً، لكن ذلك لا يعني أنها غابت. كما قلت، هي جغرافياً متواجدة في كل الساحات، ودائماً نُطلق عليها تسمية «الخلايا النائمة». كونها نائمة فأنت لا تعرفها، والقلق هو مِن الشيء الذي لا تعرفه، وليس من الشيء الذي تعرفه. الآن هناك تواصل. العمليات التي تُحبَط في سورية، تدل الى أن في دول الجوار في شكل عام، حركة ل «القاعدة»، بخاصة في لبنان والعراق. طبعاً العراق معروف، ليس هذا سراً. لكنّ لهم تواجداً في لبنان ايضاً. لدينا نحن جزء من المعلومات وأحياناً لا نعرف ما هي تتمتها. الأهم أن تكمل المعلومات، أن تكون متكاملة كي تعطي صورة واحدة.
الحوثيون
هل طلب منكم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح شيئاً يتعلق بالحوثيين، بالموضوع اليمني؟
- لا، لم نتدخل في هذا الموضوع. طبعاً كان هناك حديث مع الرئيس علي عبدالله صالح، وتشاور لمعرفة كيف هو الوضع وكيف يمكن أن نساعد، ولكن لم يطلب منا أية مساعدة.
ولا حتى بالتدخل لدى أطراف يمنية لها علاقة بجنوب اليمن؟
- لا توجد لدينا أية أطراف لها علاقة. جنوب اليمن موضوع مختلف، لكنه لم يطلب. في سورية لا يوجد أي نشاطٍ معادٍ لليمن، وسورية موقفها واضح من وحدته. كنا من الدول الداعمة في شكل كبير جداً لوحدة اليمن، فلا يمكن في شكل طبيعي أن نسمح لأي نشاط من سورية أو يمر عبرها، ضد وحدة اليمن تحت أي عنوان.
هذا المجال ممنوع؟
- حتى لو عدت إلى موقفنا من الوحدة بين سورية ومصر. على رغم كل الأخطاء التي حصلت تجاه سورية، وكانت كبيرة جداً وأساءت إلى سورية، كان موقفنا في شكل أساسي ضد الانفصال. نحن مع إصلاح الأخطاء إذا كانت موجودة، لكننا لسنا مع نسف الإنجاز.
أهم قرار
ما هو أصعب قرار اتخذته؟
- في أية مرحلة؟
منذ اليوم الذي تسلمتم فيه السلطة؟
- أحياناً، الكثير من الأشياء لا تعرف صعوبتها إلا لاحقاً، لا أعرف إذا كان يسمى صعباً. إذا كنت مقتنعاً بشيء فيجب ألا يكون صعباً، ولو كان قراراً حاسماً أو مهماً. أستطيع أن أقول أهم قرار وليس أصعب. ذلك أدق، لذلك توقفت عند كلمة صعوبة.
أهم قرار؟
- أهم قرار عندما تمكنا من رؤية المخطط الأميركي من بعد 11 أيلول (سبتمبر). وقلنا لأميركا في مفاصل عدة: لا. طبعاً أنا لا أتكلم عن قرار واحد. هي مجموعة قرارات كانت مرتبطة ببعضها بعضاً، بدأت مع 11 أيلول ولم تنتهِ، ولكن وصلت الى ذروتها عام 2005 مع الهجمة على سورية من خلال موضوع التحقيقات الدولية وموضوع لبنان، وكان المطلوب من سورية أن تقدم كل التنازلات في العراق، طبعاً، كي نساعد القوات الأميركية. دعنا نأخذها بالتسلسل: أولاً، مساعدة أميركا أو الوقوف إلى جانبها في جهدها السياسي للتحضير لحرب العراق، قلنا لا. ثم بدأت المساومات بعد عام 2003 كي ندفع الثمن من خلال التنازل في موضوع السلام، وكان هناك وسطاء أوروبيون، فقلنا: لا. أيضاً كانت تلك القرارات كلها مهمة.
النقطة الثالثة، كيف تعاملنا مع الموضوع اللبناني. طبعاً عندما أخذنا قراراً بالخروج من لبنان، كان هذا أحد القرارات المهمة، لأننا كنا نعرف ما هي اللعبة. عندما جاء الأميركيون بعد عام 2003 طالبوا بإغلاق مكاتب المقاومة الفلسطينية في دمشق وطرد قادتها. وهذا كان هدفهم الرئيسي بعد عام 2003، فكان جوابنا الرفض في شكل واضح. هذه كانت أهم مطالب زيارة (وزير الخارجية الأميركي السابق) كولن باول، عندما أتى في الزيارة الثالثة وكانت بعد الحرب (على العراق) بثلاثة أسابيع. قال: انتصرنا ونريد منكم الطلبات التالية: أولاً، ثانياً، ثالثاً، ورابعاً. حينها قامت «حماس» بمبادرة منها للوقوف مع سورية في ذلك الوضع الذي كان يعتبر صعباً، بنزع اليافطات من على مكاتبها. قلت له (باول) ان «حماس» قامت بهذا العمل. قال: مطلوب منكم أن تطردوهم. ويومها رفضت وقلت له: بلِّغ الرئيس (الأميركي السابق جورج) بوش اننا لن نطردهم.
بعدها في عام 2005، عندما بدأت المواجهة مع سورية، بعد خروجنا من لبنان، وعندما قررت المواجهة في خطابي في مدرّج جامعة دمشق في مثل هذا الوقت، في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2005. قد يكون هذا محصلة القرارات المهمة في قرار المواجهة. هم لم يفهموا القرارات التي اتخذناها واعتبروا أن لا بد من المعركة فقررنا المواجهة، وكان هذا أهم قرار.
مواجهة الأميركيين؟
- مواجهة كل من يقف ضد مصالحنا من دون استثناء، إن كان بوش أو (رئيس الوزراء البريطاني السابق توني) بلير أو (الرئيس الفرنسي السابق جاك) شيراك.
هل شاهدتم على التلفزيون سقوط بغداد في عام 2003؟
- طبعاً، كنت أتابعه مباشرة.
ماذا كان شعورك كرئيس لسورية؟
- كان شعوري هو أن الورطة الأميركية بدأت.
منذ اللحظة الأولى؟
- أجل...أجل. حتى قبل ذلك، قلت لهم ذلك عام 2002.
لمن قلت ذلك؟
- إلى أعضاء الكونغرس وتوني بلير عندما كنت في بريطانيا، وكل من تحدث معي. أعضاء الكونغرس الذين كانوا داعمين للحرب وكانوا يأتون ويتحدثون عن الصواريخ الساحقة التي ستدمر، وكل هذا الكلام. كنت أجيبهم بكلمتين: ستربحون الحرب وستغرقون في المستنقع. وفي حديثي إلى صحيفة «السفير» في ذلك الوقت، قلت هذا الكلام وأن المقاومة ستبدأ وإلى آخره.
كانت الصورة واضحة، وهذا الذي نقوله نحن. أهم شيء أننا كنا قادرين على أن نرى تسلسل الأحداث منذ البداية. كنت أقول لهم: ستغرقون وستبحثون عمن ينجدكم ولن تجدوا من يساعدكم في العراق. وهذا ما حدث.
لذلك عندما كنا نشاهدها (سقوط بغداد) كانت بداية ورطة (الأميركيين). طبعاً بالنسبة إليّ كمواطن عربي، كانت هناك إحباطات عندما نرى عاصمة عربية ودولة بأكملها تسقط، وتسقط خلال أسابيع. طبعاً هذا لم يكن ضمن الحسابات، كانت هناك حسابات تتحدث عن أشهر من المقاومة أو غيرها. لكننا كما يبدو لم نكن نعرف تفاصيل الوضع داخل العراق، فكانت الصورة مغايرة تماماً.
اتخذتم قراراً بإفشال الغزو؟
- كان من البديهي. بالنسبة إلينا قبل الغزو، طالما أننا ضد الغزو أن نكون ضد الاحتلال. هذا الموقف معروف، نحن حتى اليوم نسميها قوات احتلال ولا نسميها قوات أجنبية.
أيها كانت أصعب مرحلة عليكم؟ قابلتكم في 28 شباط (فبراير) 2005، شعرت بأنها كانت مرحلة ضغوط كبرى.
- قد تتفاجأ إذا قلت لك أن الأمور بالنسبة لي تكون مقلوبة. في تلك المرحلة كنت على المستوى الشخصي مرتاحاً أكثر من هذه الأيام، لأنك عندما تكون في المعركة فإنك تعرفها وترى معركة واضحة، ولكن عندما لا تكون لديك معركة تفكر بما يتم تحضيره. بالنسبة إليك، يجب ألا تكون مرحلة المعارك هي الصعبة، بل ما بين المعارك، لأنك لا تعرف ما الذي ستأتي به المرحلة المقبلة، وهنا يكمن القلق.
هل المرحلة الحالية من تلك المراحل؟
- أجل، مراحل الراحة هي المقلقة وليست مراحل المصاعب أو الضغط. الضغط قد يكون أسهل، فعندها تظهر الأهداف، إذا كنت قادراً على رؤيتها طبعاً، فيصبح توجهك واضحاً وتعلم تماماً كيف تتجه الأمور، وتكون لديك معركة ستخوضها فإما أن تربح وإما ان تخسر. فترات الراحة هي التي تقلق، لأنها تدفع الأشخاص على المستوى الرسمي والشعبي الى التراخي، وعندها يكون لديك قلق من أية معركة بعدها. هل يا ترى هذا التراخي وصلنا في مرحلة لأنه لا توجد معارك مباشرة، مع أنها لم تتوقف والضغوط مستمرة؟ الفكرة الأساسية هل أن التراخي بحد ذاته هو الخطير وليس المعركة، هذه هي وجهة نظري.
ماذا تنتظر في العلاقات الدولية؟ علاقة قوية مع إيران، وعلاقة دافئة مع السعودية، وعلاقة مع تركيا، تنتظر علاقة مع الأميركيين؟ وهل الانتظار السوري عامل ضاغط على القرار السياسي؟
- لا، هناك سوء فهم أحياناً لفكرة الانتظار السوري، أن سورية تنتظر وتستغل اللحظة. لا، هذا كلام غير دقيق، أنت تنتظر عندما تعرف أن أي عمل ستقوم به لن يؤدي الى نتيجة، عندها تنتظر. لا تقوم بعمل، لأنه هدر للوقت وللجهد، في المقابل نحن في كل مكان نستطيع أن نتحرك فيه لنرى نتائج، نتحرك فوراً، والدليل أن لدينا حركة سياسية واسعة. في السنوات الماضية لم تكن موجودة، دائماً الحركة السياسية السورية تتسارع وتزداد، فنحن نتحرك، لا ننتظر، نحن لا نعتقد بأن الانتظار حالة صحية. هو حالة سلبية، ولكن إذا فُرِضت عليك بمعنى أنك فقدت الأمل بإنجاز شيء في حالة معينة، فالأفضل أن تنتظر. ألا تقوم بعمل وتفشل فيه، هنا يصبح الفشل أسوأ شيء، أقل سوءاً هو الانتظار، وأفضل شيء أن تقوم بعمل وتنجز. هكذا تسلسل الأمور عندنا.
عودة الى الموضوع العراقي. وحدة العراق، عروبته واستقلاله، مبادئ أساسية في السياسة السورية. من خلال اتصالاتكم وزيارات المسؤولين العراقيين إلى دمشق بمن فيهم المالكي، هل حصلتم على تأكيدات باحترام، أو بالعمل لتطبيق هذه المبادئ وتهميش القوى الانفصالية في العراق؟
- هذه كونها مبادئ في السياسة السورية، نطرحها مع كل القوى العراقية منذ (بداية) الاحتلال حتى اليوم. هذا حاضر في كل لقاء. فلا يمر لقاء ونتحدث بالتفاصيل إلا عندما نبدأ بهذه المقدمة وبتوضيحها وربط أي شيء بها. وللتوضيح أكثر، معظم القوى العراقية التي التقينا بها تؤكد على الكلام ذاته، طبعاً لا نستطيع أن ندخل في النيات.
بمن فيهم المالكي؟
- من دون استثناء، بمن فيهم المالكي. سمعنا هذا الكلام في شكل واضح من الجميع.
واستكمالاً للموضوع اللبناني، كان هناك كلام فحواه أنه بعد عيد الفطر الماضي، سيزور رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري بيروت لعقد اجتماع اللجنة الاقتصادية الاجتماعية او «هيئة المتابعة والتنسيق». هل هذا الأمر لا يزال قائماً؟
- لا، لأنه كان مجرد كلام إعلامي، لأن اللجنة عقدت من خلال زيارة الرئيس الحريري منذ أشهر قليلة. فالزمن قصير جداً، لا توجد تطورات تستدعي الآن اجتماع لجنة مشتركة في سورية أو في لبنان. عادة اللجان المشتركة تجتمع كل سنة في بلد، أي خلال سنة تكون هناك تطورات، تكون هناك سلبيات ظهرت على ساحة العلاقة، فيتم خلال هذا اللقاء تلافيها، إضافة إلى توقيع اتفاقات جديدة، أو طرح مشاريع جديدة.
الزمن الذي طُرِحت فيه الفكرة تفصل عن زيارة الرئيس الحريري بشهر أو شهرين، فكان ذلك كلاماً إعلامياً. لا أعرف ما مصدره، إلا أنها لم تكن مخططة، ما زال من المبكر الحديث عن لجنة مشتركة وحتى الاتفاقات الحالية لم ندرس ولم نقوّم ما نفِّذ منها أو لا. الموضوع ليس مجرد لقاء.
في جولاتكم الخارجية الأخيرة في السنتين الأخيرتين، طرحتم «رؤية استراتيجية» لتحويل سورية إلى نقطة ربط لخطوط النفط والغاز والنقل بين البحور الخمسة (الأحمر، الأبيض، قزوين، الأسود والخليج العربي)، ماذا تحقق في الفترة الأخيرة، وكيف تنظرون الى المستقبل؟ أين يقع العراق ضمن هذه الرؤية؟
- الذي تحقق هو الربط الكهربائي. ولكن دعنا نبدأ بالشيء الأكبر. العنوان الأكبر هو فكرة أن تكون سورية مركز»hub» فيها مبالغة إذا لم تكن المنطقة هي المحور. لكن سورية ستستفيد من المنطقة، فأنت لا تستطيع القول أن سورية هي المركز لوحدها. فما دور العراق إذاً؟ وما دور تركيا؟ الأردن ما دوره؟ مجرد أن أكون مركزاً فهم مراكز. عندما تحدثت عن ربط البحار الخمسة، الفكرة ان الموقع الجغرافي الكبير من الممكن أن يكون مركزاً، ولكن من الصعب أن يكون بلداً، ضمن هذا الإطار تحدثت عن المنطقة كلها، سورية جزء. الذي تحقق في هذه المنطقة في شكل أساسي، أولاً، في مجال الكهرباء. الربط الكهربائي أول ما بدأ وأصبح موجوداً موضوع البيع والشراء. الطاقة، أصبحت موجودة. الغاز طبعاً تحقق عن طريق مصر والأردن وسورية، والآن اقتربنا من إنجاز أو إنهاء الخط مع تركيا وهي تبني الآن الخط إلى سورية. بقي بناء ما مسافته 90 كيلومتراً، وهذا الخط هو الذي سيكون جزءاً من خط «ناباكو» باتجاه أذربيجان. كنا نناقش أيضاً خطاً إيرانياً – تركياً - سورياً. هذا لم نذهب إليه فما زلنا في حالة حوار مع الإيرانيين حول سعر الغاز، لذلك لم نبدأ به. لا نستطيع أن نبدأ قبل الاتفاق على سعر الغاز. ما وقعناه مع العراق هو إقامة خطي نفط وخط غاز بين سورية والعراق. هذا الشيء أُنجِز كتوقيع في هذه المرحلة. الآن سيكون هناك لقاء لصوغ المناقصة، ووضع الآليات ومن ثم عملية البناء.
هناك زيارة قريبة للرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى سورية؟
- جرى اتصال بيني وبين الرئيس سليمان قبل نحو أسبوع تقريباً، وتكلمنا وكان لديه بعض المعطيات يريد إكمالها. قلت له أن لديّ بعض المعطيات التي لها علاقة بالوضع اللبناني، وعندما تكتمل المعطيات لديّ ولديك من الممكن أن نعقد لقاء، ولكن لم نحدد موعداً .
كيف هي العلاقات مع الرئيس سليمان؟
- جيدة جداً، هناك تواصل دوري بيني وبينه على الهاتف.
جيدة جداً ؟
- هناك اتصال مباشر وتنسيق دائم.
قيل أن سورية لا تقبل من أصدقائها أو من القوى اللبنانية أن تكون في المنطقة الرمادية. هل صحيح أن سورية تريد إما الأبيض وإما الأسود؟
- لا، أحياناً البعض يحاول أن يعرّف التكتيك بأنه منطقة رمادية. التكتيك يُفرض بحسب الساحة. المهم ألا تكون المبادئ رمادية، إذ يجب أن تكون واضحة. مواقف الرئيس ميشال سليمان مثلاً من موضوع المقاومة واضحة، من موضوع لبنان ووحدته واضحة، هذه هي المبادئ، ولا يجوز أن تكون رمادية. أما كيف تتعامل مع القوى اللبنانية كمسؤول، فهذا يصبح موضوعاً ذاتياً. فعندما لا تهمني مواقفك ربما أقيّمك رمادياً، يهمني أن تكون معي، مع الأبيض والأسود معي أو مع الأبيض والأسود مع الآخرين. أعتقد بأن مواقف الرئيس ميشال سليمان واضحة وهو عبّر عنها في شكل معلن، وليس في الجلسات الخاصة فقط. نحن نعتبر أن الرئيس سليمان واضح.
العلاقة مع الجوار
سؤال له علاقة أيضاً بالزيارات الخارجية، دائماً في الفترة الأخيرة هناك سفر لكم إلى أماكن جديدة، أو إحياء علاقات تاريخية على أسس جديدة. أين تضعون هذه الزيارات، وفي أي سياق؟
- في سياق الخريطة. عندما تكون لديك خريطة، ما الذي يؤثر بك. تركيزنا دائماً أول الأمر على دول الجوار. عندما بدأنا مع تركيا، بدأنا لأنها دولة مجاورة، ونحسّن الآن علاقاتنا مع العراق على رغم الأزمة التي حصلت العام الماضي. هدفنا أن تكون علاقاتنا جيدة مع الدول المجاورة، الشيء ذاته مع لبنان، ومع الأردن الذي كانت العلاقات باردة معه منذ سنوات، واليوم باتت حارة. نحن، أولاً، نريد الطوق القريب، يجب أن تكون علاقتك معه جيدة، ليست لديك مصلحة في أي مشكلة معه.
المرحلة التالية، عندما نتكلم عن البحار الخمسة. هي ليست كلها مجاورة، فنحن من خلال هذه الرؤية الإقليمية، لا بد أن نبني علاقاتنا. لذلك، أرمينيا وأذربيجان مجاورتان لتركيا وتعتبران تتمة لها، وقبرص تجاورنا في شكل طبيعي. لكن رومانيا وبلغاريا تقعان على البحر الأسود، وأيضاً أوكرانيا، فنحن نتكلم عن منطقة هي البحر الأسود الذي يجب أن تكون علاقتك جيدة به.
الآن نفكر في أن هناك دولاً مهمة بصرف النظر عن هذه الخريطة، لكننا نعطي أولوية للجوار أولاً. ثم للمنطقة الإقليمية التي نتكلم عنها، ثانياً، لأن هناك بنية تحتية مشتركة. ثالثاً، يجب أن تبني تحالفات على مستوى العالم في الاتجاه السياسي في المحافل الدولية وغيرها. هناك دول جيدة، وذهابنا إلى أميركا الجنوبية كان في هذا الإطار. ربما من الصعب أن تبني بنية تحتية لعلاقة في شكل سهل مع أميركا الجنوبية، بسبب البُعد والمحيطات التي بيننا.
أما اليوم، فالصين مثلاً تريد أن تبني خط سكك حديد للقطار لنقل البضائع، سيأتي في اتجاه إيران. حسناً، وصلت إلى منطقة البحار الخمسة. ما موقعك الآن من هذه العقدة،عقدة النقل؟ يجب أن تكون جزءاً منها. في المقابل، يجب أن نبدأ التفكير بأفريقيا. الآن ندرس الموضوع. أفريقيا قارة مهمة ولها مستقبل مهم، ولكن ما هي الخريطة التي ستتحرك فيها؟ لا تستطيع أن تتحرك مع قارة بأكملها، ولا بد أن تكون لديك نقاط تركيز بأهمية الدول كي تبدأ العلاقة معها ومن ثم توسعها. نحن نمشي بهذه الخريطة التي نقوم بتكبيرها شيئاً فشيئاً. بؤر، بؤر ومن ثم تتوسع.
لدى بعض الدول الأوروبية شعور بأن سورية تدير ظهرها، أولم تعد كما كانت مهتمة بعلاقتها مع الدول الأوروبية، ويعطون مثالاً موضوع اتفاق الشراكة.
- لا، هذا مجرد شعور. الفارق أننا دائماً كنا مهتمين وما زلنا. الآن نوسع علاقاتنا مع الدول الأخرى في شكل كبير، ومع مناطق أخرى. الجانب الثاني أن هناك دولاً صاعدة في هذا العالم، قوى صاعدة اقتصادياً وسياسياً، في مقدمها الصين والهند. لا شك أن علاقاتنا معها تاريخية، وأن علاقاتنا المميزة مع القوى التي تصعد حالياً، ينظرون إليها، لا أريد أن أقول على حساب علاقتنا معهم، ولكن في المقارنة أصبحت العلاقة ليست بالأهمية ذاتها كما كانت سابقاً.
الجانب الثالث أن الأوروبي هو الذي عزل نفسه عن المنطقة. نحن لم نعزله، هو أضعف نفسه في المنطقة، ولا تستطيع أن تفصل هذه العلاقات عن أهمية الدور الذي يلعبه الأوروبي. عندما يضعف الأوروبي دوره السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ستضعف معه أهمية العلاقات الاقتصادية والسياسية، لأنه غير موجود. كيف تقيم علاقة مع جهة موجودة في شكل ضعيف؟ الأوروبي أضعف نفسه.
أين نحن من المؤتمر المقبل لحزب «البعث»؟ وماذا تتوقعون من هذا المؤتمر؟
- لدينا تجربتان. نجاح المؤتمر يعتمد على نجاح الانتخابات التي تسبقه. والحقيقة أن أكبر مشكلة واجهتنا في السنين العشر الماضية، خصوصاً السنوات الخمس الماضية، هي الحديث عن انتقاد آليات الانتخاب. أو بمعنى آخر، لم تعبّر الانتخابات عن رغبة كثير من القواعد الحزبية في هذا الإطار. نتائج الانتخابات لم تصل الى مستوى آمال القواعد الحزبية. فالموضوع الذي ندرسه الآن في شكل أساسي: ما هي الآلية الأفضل كي نجلب أفضل الناس إلى المؤتمر، لأنه في النهاية يأخذ القرار نيابة عن كل القواعد الحزبية.
إذاً، عندما لا يكون المؤتمر بهذا المستوى، يؤدي ذلك إلى الإحباط أيضاً على المستوى الحزبي. فلا بد أن تكون الآليات التي ندرسها الآن هي التي تُعبّر في الحد الأفضل عن القواعد الحزبية. وعندما نصل إلى المؤتمر يكون قوياً، ويكون لقراراته دعم أكبر على مستوى هذه القواعد.
هذا هو التصور الأساسي. أحياناً يفضل أن تعقد مؤتمراً في مرحلة فيها وضوح رؤية، لأنك ستبني سياسة يتبناها الحزب لسنوات، فلا بد أن يكون هناك وضوح أكثر بالنسبة الى التحولات السريعة التي تحدث في محيطنا الإقليمي، أو ربما أبعد من الإقليمي. والنقطة الثالثة الآن اننا نناقش الخطة الخمسية المقبلة. قد يكون هذا أيضاً محوراً مهماً يترك للمؤتمر. هناك عناوين كبيرة، بناءً عليها يمكن أن يتحدد موعد المؤتمر.



انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.