على غير العادة، أثار التسجيل الصوتي الأخير لأنور العولقي جدلا كبيرا وردود أفعال متباينة حين تطرق لقضية الصحافي المتخصص في شئون تنظيم القاعدة عبد الإله حيدر شائع, والذي تلقى في الثامن عشر من شهر يناير الماضي حكما بالسجن لخمسة أعوام بتهم تتحدث عن علاقة له بالتنظيم، وبأنور العولقي تحديدا. ويبدو أن حساسية التوقيت الذي صدر فيه تسجيل العولقي كانت سببا في إثارة ردود الأفعال تلك، حيث ذهب بعضها إلى اتهام العولقي بالعمالة للولايات المتحدةالأمريكية، كون التسجيل يصب في صالح الموقف الأمريكي من قضية شائع هذه الأيام. وبعيدا عن مثل هذه التهم والاستنتاجات، دعونا نقرأ هذا التسجيل على ضوء جملة من الأحداث التي سبقت تاريخ نشره. في مطلع الشهر الجاري وجه الرئيس علي عبد الله صالح بالإفراج عن الصحافي شائع، ونقل موقع الحزب الحاكم على شبكة الانترنت عن مصدر في قيادة نقابة الصحفيين اليمنيين قوله إن مساعي حثيثة يقودها وكيل أول نقابة الصحافيين سعيد ثابت وأمين عام النقابة مروان دماج لاستكمال تنفيذ التوجيهات الرئاسية والإفراج عن عبد الإله حيدر. لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أبدى قلقا شديدا من قرار الإفراج عن شائع، في اتصال هاتفي بالرئيس صالح، بحسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام، وهو ما أثار كثيرا من الشكوك حول علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتقال شائع. وبدورها وجهت منظمة هود لحقوق الإنسان رسالة لسفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بصنعاء تطالب بتوضيح الموقف الأمريكي إزاء ما نُشر في بعض وسائل الإعلام حول المكالمة التي دارت بين أوباما وصالح.. لكن الرد السفارة جاء ليؤكد القلق الأمريكي من قرار الإفراج فعلا. ففي المؤتمر الصحافي الذي عُقد لمناقشة الانزعاج الأمريكي من قرار الإفراج، قال سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية بصنعاء إن الصحافي عبد الإله حيدر شائع متورط بدعم "منظمات إرهابية"، وإن الحكومة كانت محقة في محاكمته، وإن قضيته ليس لها علاقة بالإعلام وحرية الرأي. لكن تصريح السفير الأمريكي قوبل باستنكار شديد في الوسط الصحافي والحقوقي، حيث اعتبرته منظمة هود لحقوق الإنسان موقفا "يتناقض مع أبسط قواعد احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وتلقي المعلومة وإيصالها وهي الحقوق الإنسانية الطبيعية التي أكدت عليها كل مواثيق الأممالمتحدة ذات الصلة". تجدر الإشارة هنا إلى أن التهم التي وُجهت للصحافي عبد الإله حيدر شائع كان من بينها أنه على علاقة بالداعية أنور العولقي، واختيار مثل هذا التوقيت لذاك التسجيل سيخدم الموقف الأمريكي وسيعقد قضية شائع، بحسب البعض، فهل أُريد لهذا التسجيل أن يلعب هذا الدور فعلا، من خلال تحريك العولقي؟!. محتوى التسجيل يتحدث التسجيل من حيث الجملة عن زيف حرية التعبير لدى الغرب، ويشير العولقي في بدايته إلى اختلال ميزان الحرية الأمريكية الغربية، ففي الوقت الذي يسمحون فيه بحرية التعبير عن كافة صور الكفر والفسوق، حد تعبيره، إلا أنهم يقفون في وجه حرية التعبير التي تفضحهم. وقال العولقي "إن أمريكا وعملاءها يحكمون بناء على الترويج لوهم كبير اسمه الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وما هذه العبارات إلا ستار للسيطرة على مقدرات وثروات العالم وظلم الناس وسلبهم حقوقهم، مضيفا: "إن الصحافي والإعلامي الذي يحاول تبيين الحقائق للناس يُبتلى ويُمتحن". وضرب العولقي مثالا لذلك بسعيد بن زعير "الذي سُجن لفضحه للنظام السعودي"، وبتيسير علوني وسامي الحاج اللذين سُجنا "بسبب بيانهما لجرائم أمريكا في أفغانستان" وختم بعبد الإله حيدر شائع الذي وصفه بالصحافي الحر "لأنه فضح الجريمة الأمريكية في اليمن". يشير العولقي هنا إلى الغارتين الأمريكيتين على محافظتي أبين وشبوة نهاية عام 2009م، في معرض إشادته بعبد الإله حيدر شائع الذي قال إنه "كان السباق في فضح هذه المؤامرة بعد أن تبنت الحكومة اليمنية العملية" مضيفا: "وقد صرح الصحافي عبد الإله أثناء المرافعات في المحكمة أن ذلك كان سبب سجنه". وأكد العولقي بأن التهم التي كيلت للصحافي شائع زائفة ولا أساس لها من الصحة، وكان الغرض منها التغطية على السبب الحقيقي لاعتقاله. ودلل العولقي على أن المراد من اعتقال شائع هو تكميم الأفواه التي تجهر بالحقيقة، بسعي الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى حجب موقع "ويكليكس" لمجرد "نقله لوقائع الحرب الأمريكية في العراق، ونقله لحوارات الساسة الأمريكيين مع عملائهم حول العالم". كما عاد العولقي ليُذكر بحادثتي أبين وشبوة، مطالبا الإعلاميين النزيهين ب"حمل الراية من عبد الإله حيدر ومواصلة المسيرة، لأن فضح هذا التواطؤ يجب أن يصل إلى كل بيت" مضيفا: "وعلى الإعلاميين في العالم الإسلامي أن يربئوا بأنفسهم من أن يكونوا مطايا وأدوات لترويج المخطط الأمريكي الاستعماري". ووصف العولقي كل من تيسير علوني وسامي الحاج وعبد الإله حيدر شائع بأنهم "نماذج لصحافة المبدأ". ويختتم العولقي تسجيله بذكر دليل آخر على سعي الإدارة الأمريكية لتلفيق التهم ضد كل من يقول الحقيقية: "فحميدان التركي الذي كان يدير دار للنشر الإسلامية في أمريكا لُفقت له تهمة أخلاقية يقضي بها الآن حكما بالسجن لتسعة وعشرين عاما، واليوم صاحب موقع ويكليكس تُلصق به التهمة ذاتها لإشغاله وتحييده في عمله عن نقل الأسرار الداخلية للبيت الأمريكي". لماذا الآن؟ حرصت على أن أورد الجزء الأكبر مما جاء في التسجيل الصوتي للعولقي لتكون الصورة أكثر وضوحا، فكثير من وسائل الإعلام نقلت خبر التسجيل الصوتي عن وكالة الأنباء البريطانية "رويترز"، ووكالة رويترز ركزت على آخر فقرة في التسجيل، الفقرة التي دعا فيها العولقي إلى مناصرة الصحافي عبد الإله حيدر. ومما تقدم يبدو أن العولقي أراد أن يستغل الموقف الأمريكي من قضية عبد الإله حيدر شائع للحديث عن العلاقة الزائفة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين الحرية، دون التفكير بتأثير توقيت نشر التسجيل من عدمه على قضية شائع. وربما أدرك العولقي أن توقيت نشر التسجيل لن يكون في صالح هذه القضية، لكنه استبعد أن يتم الإفراج عنه، بسبب دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية على الخط، فعلى الرغم من الحملات الواسعة التي نظمتها أكثر من جهة، وعلى رأسها قناة الجزيرة، للمطالبة بالإفراج عن المصور سامي الحاج والإعلامي تيسير علوني، إلا أن الإفراج جاء متأخرا كثيرا، ويقوي هذا أن الموقف الأمريكي من قرار الإفراج عن شائع كان جادا وصارما، وبالتالي لا معنى لتأخير نشر التسجيل. ومن غير المستبعد أن يكون التوقيت محسوبا بدقة، لغرض استغلال امتعاض الوسط الإعلامي والصحافي والشارع بشكل عام من الموقف الأمريكي إزاء هذه القضية، وتوظيفه ضد مصداقية الشعارات الأمريكية في الحرب على الإرهاب. كما أن العولقي حاول أن يربط في تسجيله، وإن بشكل غير مباشر، بين التدخل الأمريكي العسكري المباشر من خلال الغارات الجوية المشار إليها في محافظات أبين وشبوة ومأرب وغيرها، وبين التدخل الأمريكي في قضية شائع، لغرض إحراج الحكومة اليمنية وإظهارها كمتواطئة أو كمن لا حول له ولا قوة أمام المطالب الأمريكية. أيضا.. تركيز العولقي على حادثتي أبين وشبوة، واعتماد أمر كشف الصحافي شائع لتورط أمريكا فيهما، كعمل تسبب في اعتقاله وفي محاكمته، يوحي بأنه يريد أن تبقى تلك القضية حية، لما لها من تأثير، خصوصا على أبناء تلك المحافظات، وبالتالي لا بد من اقتناص أية فرصة تصب في صالح بقاء تلك القضية مثارة، بل إنه قال بصريح العبارة "يجب علينا أن لا ننساها"، وكرر ذلك: "يجب أن تدخل كل بيت". ومن كل ما تقدم يبدو مستبعدا، بل مستحيلا، أن يكون توقيت نشر التسجيل مقصودا لغرض دعم الموقف الأمريكي من هذه القضية، وإذا كان العولقي عميلا، والصحافي عبد الإله حيدر شائع بريئا، فما الداعي لأن تستخدم الحكومة الأمريكية ذاك العميل لإلحاق الضرر بذاك البريء. تجدر الإشارة هنا إلى أن إشادة شخص في القاعدة بالصحافي شائع، لا تمثل إدانة له، فقد أشاد العولقي في التسجيل المذكور بجوليان أسانج المسيحي صاحب موقع "ويكليكس" وأدان تصرف الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاهه وتجاه موقعه، كما أشاد بتيسير علوني وسامي الحاج وغيرهما. وأذكر أن اليمني رمزي بن الشيبة طلب من يسري فودة، في حلقة العد التنازلي من برنامج "سري للغاية" أن يلتقي بالدكتور الكويتي عبد الله النفيسي، وكذا بالصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي، وأشاد بهما وبمواقفها، ولم يمثل هذا الطلب إدانة لهذين الشخصين. القاعدة تدرك أنها محاربة إعلاميا، وعلى نطاق واسع جدا، ومن حقها أن تعبر عن امتعاضها من مضايقة أي صحافي أو ناشط حقوقي تعتقد أنه يقول الحقيقة.
تأثير التسجيل على قرار الإفراج لا أعتقد أن لهذا التسجيل تأثيرا على قرار الإفراج، رغم أنه قد يُستغل، من الجانب اليمني المحرج من الرأي العام، كمبرر لعدم أو لتأخر الإفراج عنه، والذي لم يكن ليتم أصلا مادام أنه يتعارض مع الرغبة الأمريكية.. ليبقى الموقف الأمريكي، حتى الآن، هو المتحكم بمصير هذا الصحافي اليمني، لأن هناك فاصلا زمنيا تجاوز العشر الأيام بين توجيه الرئيس علي عبد الله صالح بالإفراج عن الصحافي شائع وبين صدور تسجيل العولقي. وإذا ما أرادت الحكومة اليمنية أن تدافع عن سيادتها التي نال منها أنور العولقي في تسجيله حين اتهمها بالتواطؤ مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في الغارات الجوية التي استهدفت مناطق في بعض المحافظات اليمنية، وفي اعتقال ومحاكمة وسجن الصحافي شائع، فعليها أن تقوم بتكذيبه عمليا من خلال الإفراج عن هذا الصحافي. صحيفة الشموع