تركيا تعلن مقتل 20 من جنودها بتحطم طائرة شحن عسكرية في جورجيا    المنتصر يدعوا لإعادة ترتيب بيت الإعلام الرياضي بعدن قبل موعد الانتخابات المرتقبة    تألق عدني في جدة.. لاعبو نادي التنس العدني يواصلون النجاح في البطولة الآسيوية    دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    جنود في أبين يقطعون الطريق الدولي احتجاجًا على انقطاع المرتبات"    إيفانكا ترامب في أحضان الجولاني    الإخوان والقاعدة يهاجمان الإمارات لأنها تمثل نموذج الدولة الحديثة والعقلانية    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    خبير في الطقس: برد شتاء هذا العام لن يكون كله صقيع.. وأمطار متوقعة على نطاق محدود من البلاد    زيارة ومناورة ومبادرة مؤامرات سعودية جديدة على اليمن    عين الوطن الساهرة (2)..الوعي.. الشريك الصامت في خندق الأمن    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يكرم والد الشهيد ذي يزن يحيى علي الراعي    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    بيان تحذيري من الداخلية    إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    حلّ القضية الجنوبية يسهل حلّ المشكلة اليمنية يا عرب    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    الحديدة أولا    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آثار اليمن.. تاريخ في المزاد
نشر في مأرب برس يوم 08 - 10 - 2019

تتعرّض آثار اليمن، خلال السنوات الأخيرة، إلى أشكال شتّى من الاعتداءات التي تفاقمت منذ بدء الحرب التي تشنّها السعودية والإمارات عليه منذ قرابة خمسة أعوام؛ حيث طاول القصف والتدمير والنهب والإخفاء والتهريب عدداً غير قليل من تلك الآثار التي يُقدَّر عمر جزء كبير منها بقرابة خمسة آلاف عام.
تتمثّل تلك الآثار في بقايا الممالك اليمنية القديمة التي شهدت تنوّعاً حضارياً وثقافياً جعل من البلد واحداً من أكثر بلدان العالم ثراءً في مخزونه الأثري الذي يتنوّع بين قصور وقلاع وأسوار وتماثيل وقطع زينة وسيوف ورماح ودروع ونقوش ومخطوطات ومومياوات.
لكن تلك الآثار، التي لا توجد إحصائيات رسمية حولها، باتت اليوم عرضةً لكل المخاطر التي تترصّدها من قِبل أطراف الصراع، الداخلية منها والخارجية، ففي آذار/ مارس 2017، استطاع تسعة عشر "إسرائيلياً" قدموا إلى اليمن من "إسرائيل"، ومن بينهم حاخام الجالية اليهودية، تهريب مخطوطة للتوراة يُعتقَد بأنّ عمرها يتراوح بين 500 و600 عام، لتتهم وزارة الثقافة في حكومة عبدربه منصور هادي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بتسهيل العملية، واستفادتها من بيع آثار اليمن.
عن ذلك، يقول رئيس "الهيئة العامّة للآثار والمتاحف"، مهند السيّاني، في حديثٍ إلى "العربي الجديد": "في تلك القضيّة، قامت الصهيونية بلعبة سياسية لإيصال رسالة مفادها بأنّها قادرةٌ على اختراق اليمن وأخذ ما تريد منه في أيّ وقت"، مُلقياً باللائمة على مسؤولي مطار صنعاء الذي هُرّبت المخطوطة عبره: "كان عليهم أنْ يتّصلوا بمندوب الآثار في المطار ليسألوه عن أهميّتها وقيمتها، لكن ذلك لم يحدث". ومن المعروف أنَّ كثيراً من العائلات اليهودية في اليمن تحتفظ بنسخ قديمة من التوراة.
" في السنوات الأخيرة بيعت قرابة مئة قطعة في مزادات علنية"
خلال أقل من عشر سنوات، بِيع ما لا يقلّ عن مئة قطعة أثرية من اليمن في مزادات علنية بمبالغ تُقدَّر بمليون دولار أميركي في كلّ من الولايات المتّحدة وأوروبا والإمارات، وتشملُ تلك القطع نقوشاً قديمة وتماثيل ومخطوطات تعود إلى العصور الوسطى، بحسب ما كشف موقع "لايف ساينس" المختصّ في العلوم والآثار مطلع العام الجاري.
وتحتوي بعض تلك القطع على معلومات مفصّلة عن موطنها الأصلي وتاريخ نقلها الذي يعود إلى عقود ماضية، بينما لا يتضمّن البعض الآخر أيّة تفاصيل، ما يعني أنها نُقلت مؤخّراً.
عن ذلك يقول الأستاذ في قسم الآثار بجامعة صنعاء، علي سعيد سيف، ل "العربي الجديد": "تُعدّ القطع الأثرية حلقات علمية متسلسلة، تدل على مستوى تطوّر حضارةٍ من الحضارات علمياً وثقافياً وفنياً وعسكرياً، ومراحل ذلك التطور وتنوّعه مكانياً وزمانياً، وبالتالي فإن عملية تهريبه وبيعه تُفقِد البلد حلقةً علمية من حلقات هويته التاريخية"، مضيفاً: "من شأن ذلك أن يُحدث فجوةً تاريخية كبيرة، فاليمنيّون برعوا في كثير من العلوم والآداب والفنون، لكنَّ كل ذلك يظلُّ مجرّد حديث ما لم تكن هناك آثار تؤكّده".
في منطقة دوعن بمحافظة حضرموت، فُتح أكثر من عشرين محلّاً لبيع الآثار اليمنية في وضح النهار قبل أشهر قليلة، ونشر الباحث اليمني عبد الله محسن على صفحته في فيسبوك بلاغاً بذلك إلى كلّ من وزير الثقافة ومدير مكتب الثقافة في حضرموت ورئيس "الهيئة العامة للآثار والمتاحف" في اليمن. وبعد يوم من ذلك، نشر مدير مكتب ثقافة حضرموت، رياض باكرموم، أنَّ الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عدد من المتاجرين بالآثار.
ينفي سكّان المحافظات الجنوبية المعلومات المتداولة بخصوص بيع الآثار، مفضّلين الحديث عن العبث المتواصل بآثار اليمن من قِبل أطراف الصراع في اليمن. لكن، هل انتهَت تلك الظاهرة في دوعن وبعض المناطق الواقعة في حضرموت؟ وما مصير المتاجرين بالتراث الوطني؟ وما الخيارات التي لجأت إليها السلطات للحدّ من الظاهرة؟ أسئلة طرحتها "العربي الجديد" على رياض باكرموم، لكنها لم تتلقّ إجابة منه.
ومع احتدام الحرب في اليمن، ارتفعت وتيرة شحنات القطع الأثرية المرسلة من السعودية إلى الولايات المتّحدة. ومؤخّراً، وضع "ائتلاف تحالف الآثار"، وهو منظّمة غير حكومية تُكافح بيع القطع الأثرية المنهوبة، قائمةً تضمّ 1631 قطعة جرت سرقتها من العديد من المتاحف اليمينة.
" شهدت مناطق مختلفة فتح محلّات لبيع الآثار في وضح النهار"
أمّا أسباب استمرار ظاهرة التهريب، فتتمثّل، حسب مدير عام "حماية الآثار والممتلكات الثقافية"، عبد الكريم البركاني، في إهمال الدولة حماية ممتلكاتها الثقافية، وضعف التشريعات والقوانين الخاصة بحماية التراث، إضافةً إلى "قلّة التوعية في أوساط المجتمع بأهمية الحفاظ على الممتلكات الثقافية".
من جهة أُخرى، دفع الوضع المعيشي الذي تسبّبت فيه الحرب والصراع السياسي المستمرّ منذ قرابة عشر سنوات، بالكثير من السكّان القاطنين بالقرب من المناطق الأثرية إلى اعتبار تجارة الآثار مهنةً تُدرّ الكثير من المال دون بذل الكثير من الجهد. لكنّ هذا النشاط لا يقتصر على هؤلاء؛ بل إنه "كثيراً ما يمارسه أشخاصٌ في هرم السلطة أو من النافذين في الدولة، والذين يستفيدون من الحماية من المساءلة بفضل مناصبهم"، كما يؤكّد علي سيف، قبل أن يُضيف: "لا يوجد قانون آثار قوي في اليمن، كما أن الحكومة لم تطبّق القانون المتساهل، وإذا طبّقته فإن هناك من يقوم باختراقه من الحاصلين على الحصانة".
وخلال فترة النظام السابق الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، اعتاد مسؤولون اقتناء قطع أثرية ذات قيمة ثقافية وتاريخية ووضعها في منازلهم، من بينهم القيادي العسكري المقرَّب من الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، مهدي مقولة، والذي اكتشف الحوثيّون متحفاً أثرياً في منزله أواخر 2017، وهو واحد من ضمن عشرات القيادات التي عُرفت بتهريبها الآثار آنذاك.
وقام مروان دمّاج، وزير الثقافة في حكومة هادي، بتعميم تقرير مكوَّن من 290 صفحة باللغتين العربية والإنكليزية، يتضمّن اتهامات للحوثيين بتهريب وسرقة الآثار، لكنه يورد تفاصيل عمليات النهب في كل من "متحف عدن الوطني" و"متحف تعز الوطني" و"المتحف الوطني" في زنجبار بمحافظة أبين، وهي متاحف تقع تحت سيطرة التحالف منذ خمسة أعوام، وليست تحت سيطرة المتَّهَمين.
على الجانب الآخر، يوجّه "أنصار الله" الاتهامات لحكومة هادي والتحالف بسرقة الآثار، معتبرين أنَّ الآثار التي تقع في مناطق سيطرتهم لم تتعرّض للنهب أو للتهريب، وهو ما يُشير إليه السيّاني بالقول: "مقتنيات المتاحف في هذه المناطق محفوظة ومتكاملة، إلّا من بعض آثار متحف ذمار الذي قصفه التحالف".
بسبب وجوده في مفترق طرق تجارية عالمية، شكّل اليمن مسرحاً للتبادل الثقافي مع شعوب المنطقة وملتقىً للتجارة بين الشرق والغرب، كما يُعدّ، إضافةً إلى ذلك، موطناً للبن والمُر والبخور، وهو ما جعله يزخر بكمية كبيرة من العملات الذهبية التي تعود إلى العصر الروماني، بالإضافة إلى التماثيل الرخامية، والمخطوطات النحاسية والمخطوطات العربية والعبرية التي مرّت عليها عدّة قرون.
وتشير أبحاث ل "تحالف حماية الآثار" إلى أن آثاراً يمنية بيعت في الولايات المتحدة بما قيمته ثمانية ملايين دولار خلال العقد الماضي، كما أسهم "التحالف" لاحقاً، وإلى جانب ما دمّره من تاريخ اليمن وآثاره، في خلق جو فوضوي كان له أثر كبير في إفساح المجال أمام لصوص الآثار.
ويقول عبد الكريم البركاني، إنَّ "تهريب الآثار والاتجار بها من قبل مافيا التاريخ يُهدّد هوية اليمن الممتدّة عبر التاريخ، إذا لم تكن هناك استراتيجية وطنية لحمايتها"، مضيفاً أنَّ "إصدار تشريعات صارمة متمثّلة في قانون الآثار الجديد، الذي يقبع في أدراج الحكومة ومجلس النوّاب منذ عدّة سنوات، سيحدّ من المشكلة، لأنه يشمل تعديلات على مواد القانون القديم لسنة 1997، وفيه نصوص صارمة بمعاقبة مرتكبي مظاهر الاتجار بالتاريخ".
ويُحمّل اليمنيّون أطراف الصراع في الداخل والسعودية والإمارات والولايات المتحدة مسؤولية الاعتداء على تاريخهم، فالأخيرة تُعدّ مركزاً لبيع وترويج التاريخ المسروق، بينما تعمل السعودية على طمس هوية اليمن الثقافية وتدمير آثاره، كما دمّرت بنيته التحتية بعد أن طمست كثيراً من آثار نجد والحجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.