في رسالة له وجهها, في يوليو الجاري, إلى الثورات العربية, وبالأخص منها ثورتا تونس ومصر, قال الزعيم الأفريقي العالمي الشهير نيلسون مانديلا "إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي", مستدلا بمقولة للمفكر حسن الترابي "إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل". وقال مانديلا, إن ما يفهمه من الترجمات التي تصله عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين "وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء", وهو ما يراه أمرًا خاطئًا من وجهة نظره. وأضاف منديلا, الذي أصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا من مايو 1994 إلى يونيو 2000, أن رسالته للعرب تأتي "واجب النصح أولا، والوفاء ثانيا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري". وفيما تذكر "يوما مشمسا من أيام كيب تاون", حين خرج من السجن بعد 27 عامًا, قال: "إن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلًا؟". وخاطب العرب في رسالته: "أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير, وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم". وفيما قال إنه يتفهم الأسى الذي يعتصر قلوب العرب, ويعرف أن مرارات الظلم ماثلة، أوضح أن استهداف كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين (في تونس ومصر) قد يسبب للثورة متاعب خطيرة؛ "فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمينة وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي". وأضاف الزعيم الأفريقي الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1993، إلى جانب أكثر من 100 جائزة دولية, إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن, موضحا أن مرحلة ما بعد الثورة في غنى عن ذلك "عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم, وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة". وفيما خاطب التونسيين والمصريين ومعهم بقية العرب في المرحلة الثورية الراهنة "أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة", قال "الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم, وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته", ف"النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير". وحينما تذكّر خروجه من السجن, في ال11 من فبراير 1990, قال مانديلا إن أكبر تحد واجهه "هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق" لكنه وقف دون ذلك "وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر". وبما أن ذلك "سياسة مرة لكنها ناجعة", رأى نيسلون مانديلا الذي اختارته الأممالمتحدة سفيرا للنوايا الحسنة عام 2005, أن على العرب, في تونس ومصر خصوصًا, أن يرسلوا "رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات من طبيعة وحجم ما ينتظرها". تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا, يقول مانديلا, ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع القصص النجاح الإنساني اليوم. وأضاف في رسالته التي وجهها من هوانتون ب جوهانزبيرغ: أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. *لقراءة نص الرسالة, انقر هنا.