يستعد شباب الثورة بمحافظة تعز - اليوم - لإحياء الذكرى الثانية لمجزرة 11/ 11/ 2011م، والتي يعتبرها الكثيرون بأنها كانت حدًّا فاصلًا بين عهدين، عهد ما قبل الثورة أي نظام الرئيس السابق وعهد ما بعد الثورة، كما أنها الخاتمة النهائية لسفك الدماء من قبل القوات المحسوبة على الرئيس السابق صالح حينها وانتصارًا للثورة في إسقاط نظام الرئيس، حيث لم يلبث بعدها الرئيس السابق سوى فترة قصيرة ووقّع على المبادرة الخليجية التي قضت بنقل السلطة وتجريده من قيادة اليمن، لكن آخرين يعتبرون أن ذلك اليوم الذي يصفونه بالمشهود كان - فعلًا - انتصارًا للثورة التي أسقطت الرئيس السابق صالح من الحكم، وأبقت على نظامه حتى اليوم، وخاصة في محافظة تعز، والتي قدّمت الكثير من التضحيات، وكانت مهدًا للثورة ومنطلق شرارتها الأولى نحو التغيير، لكن هذا التغيير لم تشهده تعز حتى اللحظة، ولم يتغير حالها؛ فلا تزال تعاني من الفساد التي كانت تعاني منه قبل الثورة، ولا يزال من ثارت ضدهم هم أنفسهم من يديرون المحافظة حتى اللحظة، كما يقول، بل ويذهب الكثير من أبناء تعز إلى القول: إن الخدمات كانت متوفرة في عهد النظام السابق أفضل مما هي الآن، ويجمعون أن كل ذلك هو عقاب لها وتأديب على انطلاق الثورة منها، وهي اليوم تحيي الذكرى الثانية للمجزرة، والتي راح ضحيتها قرابة 14 شهيدًا، بينهم 3 شهيدات و5 أطفال، علاوة على 60 جريحًا، إضافة إلى تدمير بعض المباني، ومن ضمنهم مستشفى الروضة، والذي تعرض لأكثر من 15 قذيفة. سقط على الأرض بفعل الانفجار... اليوسفي.. اللقطة التي هزت العالم أبو بكر اليوسفي كان أحد الشهود على مجزرة جمعة "لا حصانة للقتلة"، وهو صاحب اللقطة التي أظهرت الجريحة زينب وهي تسقط كالطير المذبوح كلما حاولت النهوض.. يقول اليوسفي: في ذلك اليوم اشتد القصف على مدينة تعز، وخاصة مع حلول ساعات الصباح الأولى، وبعد صلاة الفجر خرجت وبعض الزملاء إلى بعض الأحياء المجاورة للساحة لتوثيق جرائم النظام الهمجية من قصف الهزائم من استهداف الأطفال والنساء.. يتابع اليوسفي: عند الساعة الحادية عشرة أردنا الوصول إلى المنصة كما اعتدنا كل جمعة غير أننا وجدنا صعوبة في الوصول إليها بفعل الرصاص المنهمر على الساحة من كل الاتجاهات.. ويردف اليوسفي: اضطررنا للمشي عبر الأماكن التي لا تقع في مرمى الثكنات العسكرية حتى وصلنا إلى المنصة، وبعدها بدأنا بالإعداد والتجهيز للنقل المباشر لصلاة الجمعة بمعية الزميلين هشام الجرادي والزميل أسيد العديني.. ويتابع المصور: فجأة لم أدرِ بنفسي إلى وقد سقطت على الأرض من جراء انفجار عنيف أدركت ساعتها أنها قذيفة استهدفت مصلى النساء أدت إلى سقوط 3 شهيدات، فيما قذف الانفجار بالجريحة إلى خارج المكان ولحظتها قمت بتحويل الكاميرا مباشرة باتجاه الدخان ومصلى النساء لتوثيق تلك الصورة، التي وفقني الله لالتقاطها، فالجريحة زينب عندما كانت تتألم وتسقط كلما حاولت النهوض بفعل إصابتها، وهي لقطة وفقني الله بها كي يشاهد العالم جرائم ذلك النظام الهمجي القاتل للنساء والأطفال. ويختم اليوسفي حديثه بالقول: اليوم وبعد مرور عامين على جريمة 11/ 11/ 2011م، وكل ما شاهدت تلك الصورة على شاشات التلفاز أشعر بالحزن والمأساة لأنها أولًا تذكرني بتفاصيل ذلك اليوم الدامي، وخصوصًا مشهد الجريحة زينب المخلافي، ثانيًا: إن المجرمين والقتلة ما زالوا في مراكز السلطة يحكموننا حتى اليوم.. مريم نجيب.. رحلة مع الألم "مريم نجيب - البالغة من العمر ال16 عامًا - كانت إحدى اللواتي أصبن في مصلى النساء، والتي بدورها كانت ترقد في غرفة العمليات أثناء القصف على مستشفى الروضة، أصيبت مريم في يدها اليمني بإعاقة دائمة لا تستطيع بسببها تحريك أصابعها، إضافة إلى بعض الآلام النفسية والمعنوية التي تشعر بها حتى اليوم.. تقول مريم: إن ذلك اليوم يمثل بالنسبة لها مأساة كبيرة؛ خاصة وأن القتلة لا يزالون حتى اليوم يسرحون ويمرحون كما يشاؤون.. تنقّلت مريم ما بين مستشفى الروضة واليمن الدولي وصولًا إلى مستشفى "الحمد" بدولة قطر الشقيقة، وهي تطالب بمحاكمة القتلة والمجرمين والتغيير التي كانت تحلم به، وما من مسيرة أو مظاهرة صغيرة أكانت أم كبيرة تطالب بمحاكمة المجرمين والقتلة والتغيير إلا وتجدها مشاركة فيها. قصة استشهاد الشهيدة المربية الأستاذة/ تفاحة صالح العنتري في اليوم المتمم للشهر العاشر للثورة اليمنية 11/ 11/ 2011م، وفي جمعة "لا حصانة للقتلة" تستعد تفاحة الثورة لاستقبال ذلك اليوم العظيم، وكعادتها في كل جمعة تقوم بتنظيف مسجد الصالحين، حيث تسكن في شقة ملحقة به كون زوجها إمام المسجد وخطيبه.. كانت تفاحة تسابق الزمن؛ مخافة انطفاء الكهرباء، وعدم تمكنها من تنظيف المسجد؛ كون ذلك اليوم هو يوم الجمعة، ومن جهة أخرى لحرصها على أن تكون السابقة في الحضور إلى ساحة الحرية. في ذلك اليوم ودّعت الشهيدة الثائرة زوجها وابنتها وابنها الذي كان مصابًا بوعكة صحية، ولم تكن تعلم أنه الوداع الأخير.. تركت تفاحة كل شيء خلفها، وهي تكاد أن تطير شوقًا إلى ساحة الحرية، الساحة التي عشقتها.. كان يومًا عصيبًا، كانت القذائف والأعيرة النارية تطلق من كل الاتجاهات باتجاه الساحة، ورغم ذلك صمد الثوار، ولم يتزحزحوا.. الشهيدة كانت تدرك أن المستهدف الأول في الساحة هو فندق المجيدي، فتذهب إلى أخواتها الجالسات بالقرب منه لتطلب منهن عدم الجلوس تحت الفندق حتى لا يصبن بأذى في تلك اللحظات يرن جرس هاتفها، إنها ابنتها وهي تسألها عن سبب تأخرها عن اللحاق بها إلى الساحة وتحثها على الاهتمام بأبيها وأخيها، وتسألها عمّا إذا كانت قد قامت بإعداد طعام الغداء فلم تكد تنهي مكالمتها وإلى جوارها زينب وياسمين ومريم وسمية حتى أطلقت قذيفة الغدر والخيانة سقط الهاتف من يدها وهي ما زالت تتحدث مع ابنتها وبمجرد سماعها صوت دوي القذيفة، وأنها قد أصابتها شظية من ناحية ظهرها متجهة نحو القلب رفعت يديها وكبرت: الله أكبر، سقطت على الأرض مضرجة بدمائها التي كانت تتدفق منها بغزارة، وفي ذات اللحظة سقطت جوارها الشهيدتان زينب وياسمين، تم إسعافها إلى مستشفى الروضة، حيث حاول الأطباء جاهدين إنقاذها، ولكن دون جدوى.. الساعة الواحدة ظهرًا تفيض الروح الطاهرة إلى بارئها لتلحق بركب المجاهدين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا.. بعد ثلاثة أعوام من الثورة.. تعز تشعر بضيم كبير لم تكن مجزرة 11/ 11 مجرد قذيفة عابرة على فوهة مدفعية انخرطت في مشروع الانتقام المؤلم من ثورة الشعب حتى الوهلة الأولى لا تبدو كذلك.. ثمة جريمة مستفزة، مرتكبوها بدوا أشبه بقتلة محترفين اختاروا من البداية مواجهة الإرادة الجماهيرية العريضة، ولزمتهم معدات حربية ثقيلة ما كان أسهل على نظام المخلوع من توفيرها، ولَكَم عانت تعز كثيرًا من جراء وحشية ردة فعل الشرعية البائدة تجاه صحوتها، ولعل مجزرة 11 نوفمبر المروعة، والتي راح ضحيتها ما يقارب ال 15 شهيدًا قضوا جميعًا بنيران "المدفعية الثقيلة" تأتي في سياق التدليل على الانتقام الاستثنائي و"النوعي" من تعز كإحدى أكبر المحافظات الخارجة عن طوق النظام السابق..!، يهتف ثوار اليمن ضد جزار سوريا ويصلّون كل ليلة من أجل هلاكه، ولا يدرون بأن "النظام السابق" رمى تعز بأكثر من جزّار على شاكلة الأسد، ولولا أن هؤلاء وجدوا من يردع همجيتهم لما تركوا في المدينة عرقًا ينبض بالحياة، ولَأحالوها إلى أطلال متراكمة بعضها فوق بعض.. (وكانت في اليمن مدينة اسمها تعز)..!! بعد سلسلة مجازر مروعة وثورة صمود عارمة تبدو اليمن أقرب في مسعاها لاجتياز مشهد مظلم قاتم نحو صورة أكثر إشراقًا وانفتاحًا وحرية وديمقراطية ورخاء، وعلى المستوى المحلي في تعز لا تزال هناك عقبات تحول دون إحداث تغيير يليق بتضحيات الشباب.. لا أدري ما إذا كانت تعز في وضعية العقاب الآن لتضحياتها في الثورة لكن من المؤكد أن تعز تشعر بضيم كبير الآن، بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على الثورة وعامين على توقيع المبادرة الخليجية، بينما لا تزال في قبضة النظام السابق، يمارس فيها جنونه من قتل واغتيالات واختطافات وفساد.. يوم انتصار مستمر.. ولكن! ضياء الحق السامعي: رغم سقوط 14 شهيدًا، بينهم ثلاث نساء وأربعة أطفال وعشرات الجرحى في 11/11/2011م، ورغم سعة الدمار الذي طال أحياء مدينة تعز وشوارعها بشكل مرعب ومخيف لكنه ليس بأبشع جرم من قصف مصلى النساء ومستشفى الروضة أثناء تقديمه الخدمات للجرحى.. فكان هذا اليوم هو انتصار آخر، شاهد العالم أجمع ذلك المشهد الذي كانت تستغيث فيه إحدى الجريحات ولعنت الأمم والشعوب القتلة ومن وراءهم، مثنية في الوقت نفسه على الثوار وشجاعتهم وسلميتهم، ويا لهذا الانتصار من عظمة.. إنه انتصار الدماء على لغة الرصاص، وانتصار المقتول على المجرم القاتل، وانتصار السلمية على الهمجية والاستبداد والإجرام، وها هي الذكرى الثانية تحل علينا وإحياؤها يرتَّب منذ أيام، وحكايات وأحاديث الشهداء والجرحى والثوار تتناول الإشادة بالثورة، واللعنات على القتلة ومن يقف وراءهم، وفعاليات هذه الذكرى تطالب اليوم - بوضوح ليس أبلغ - بضرورة محاكمة من عينهم السفاح وسخر لهم المؤسسات والمكاتب الرسمية كمستشفى الثورة والمجمع القضائي وقلعة القاهرة ومكتب التربية والمعهد الصحي، والتي سخّرت "كمتاريس" للقتل والتدمير بفعل تعبئة مدرائها والقائمين عليها لنظام العائلة الوحشي، والذين - للأسف الشديد - لا يزال بعضهم في مواقعهم، وكأن لم يجرموا بحق أبناء تعز، كما أنه من الواجب على كبار مسؤولي الدولة الذين جاؤوا من صف الثورة، وبفضل دماء شهدائها وشهيداتها، وعلى رأسهم الرئيس هادي، النظر إلى محافظة تعز التي لا تزال تعاني الكثير والكثير، والتي يتم التآمر عليها اليوم على أيدي بعض أبنائها، والتي يمارس ضد معظم مكوناتها أبشع سياسة الإقصاء والتهميش، فلا التغيير الذي كان يطمح به الشهداء والشهيدات تم، ولا الخدمات الأساسية توفرت.