يوم 17 يوليو/ تموز من كل عام اهتمام خاص في اليمن، فوسائل الإعلام الرسمية والحزبية تكرس جل حدثيها عنه، كما تعقد الندوات والمؤتمرات وحلقات النقاش، ويتبارى كبار المسؤولين الحكوميين والوزراء والكتاب والصحفيين في كتابة مقالات تشيد بهذا اليوم الذي يعتبرونه منعطفا هاما في حياة اليمن. فاليوم يحتفي بمرور 29 عاما على حكم الرئيس علي عبد الله صالح لليمن وبداية السنة الثلاثين، مع التأكيد أن فترة بقائه في الحكم ستستمر حتى العام 2013 وذلك بعد فوزه بانتخابات سبتمبر/ أيلول 2006. وقد تولى الرئيس صالح زمام الحكم في اليمن الشمالي يوم 17 يوليو/ تموز 1978 في أعقاب اغتيال رئيسين هما إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي، وقد تم اختياره رئيسا من مجلس الشعب التأسيسي الذي كان يعد المؤسسة البرلمانية في البلاد آنذاك. ويرى رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبد الغني أنه بذلك الاختيار دخل اليمن عهدا جديدا من الممارسة الديمقراطية واعتماد الأسلوب الديمقراطي أداة وحيدة لانتقال السلطة وإدارة شؤون الدولة، بديلا عن أسلوب التغيير بالقوة المسلحة الذي صبغ مرحلة ما قبل عام 1978. وأكد في مقال له إن عهد الرئيس صالح تميز عبر نحو ثلاثة عقود بسلسلة من التحولات والإنجازات التي شكلت أهم وأعظم ما تحقق لليمن، معتبرا أن الوحدة والديمقراطية تترسخان اليوم في ضمير ووجدان كل أبناء الشعب اليمني. وقال إن ثمة اختبارات صعبة عاشها اليمن، وقد تمكن تحت قيادة الرئيس صالح من تجاوزها والانتصار عليها، وكان من أبرزها القضاء على الانفصال أثناء حرب صيف 1994، إضافة إلى تحويل اليمن من مرمى الحملة الدولية ضد ما يسمى الإرهاب، إلى شريك حقيقي وفاعل لأميركا في هذه الحملة. وفي المقابل يختلف الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء مع الرأي السابق، ورأى أنه لم يتم ترسيخ دولة الوحدة، حيث تم التعامل مع الوحدة كهدف تكتيكي، مع أن الوحدة هدف إستراتيجي، كما تم التعامل مع الوحدة كمولد للشرعية دون الانتقال إلى شرعية الأداء والإنجاز والفاعلية. واعتبر الظاهري في حديث للجزيرة نت أن دولة الوحدة غدت اليوم مقترنة بتنامي الفساد، كما أن الحكومات اليمنية المتعاقبة ما انفكت تصور الفساد على أنه منجز. وبشأن صدور قانون مكافحة الفساد، وقانون براءة الذمة المالية، وتشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد، قال إن الإشكالية تكمن في احتباس الإرادة، فمن المهم إيجاد بنية قانونية ودستورية في البلاد، لكن الأهم أن تفعل هذه البنية وأن تنعكس على إصلاح الواقع. وأضاف الظاهري أن الرئيس صالح يعتمد على أصحاب الثقة والمتزلفين وبعض المتملقين وحملة المباخر، أكثر من اعتماده على ذوي الخبرة والكفاءة، معتبرا ذلك سببا في تردي واقع اليمنيين، فالأسعار في ارتفاع متواصل والفساد في انتشار، ولم نر حتى اللحظة فاسدا واحدا يعاقب أو يحاسب للأسف. وحذر من انتشار ثقافة كراهية المؤسسية والاكتفاء بالتمسك بعباءتها دون السعي الجاد لإيجاد مؤسسات حديثة بالدولة، وقال إن" الشخصانية هي السائدة في النظام السياسي اليمني، وللأسف ما زال الحكم عبر الأزمات وصرعنة الجسد المجتمعي اليمني وغياب الاستقرار السياسي". وشدد على أن الإشكالية الأساسية هي في وجود شلل للإرادة السياسية وغياب إرادة الفعل الرشيد، مشيرا إلى أن الفرصة ما زالت سانحة أمام الرئيس صالح كي يقوم بتنفيذ وعوده الانتخابية قبل أن يصل الشعب إلى مرحلة اليأس. من جانبه رأى القيادي بحزب المؤتمر الشعبي الحاكم الدكتور أحمد محمد الأصبحي أن آراء الظاهري مردودة عليه، فأولا هو يسقط ما في نفسيته، وثانيا أن الذين يلوكون مثل هذه الأحاديث يجحدون ما يتحقق من إنجازات كبيرة وما ينعم به الشعب بتحقيق وحدته، وإنهاء حالة التشطير الجغرافي وأيضا التشطير النفسي، فكل هذه الإنجازات تحسب للرئيس صالح. ونفى الأصبحي وجود تراجع للديمقراطية، وقال إنها قائمة ومتنامية والأدل على ذلك هو أن الجميع يتحدث بكل حرية، في وقت يتواصل فيه انعقاد المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية في اليمن، ولو كان الحكم في البلاد فرديا ما سمح لأحد أن يأتي وبكامل حريته ليناقش في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.