بدأت المملكة العربية السعودية، في الفترة الأخيرة، تغازل طهران، بعد عقود من توتر العلاقة بين البلدين، لا سيما أن المملكة تعتبر أن لدى الجمهورية الإسلامية مشروعاً توسعياً في المنطقة العربية يهدد نفوذها التاريخي، وهي سعت إلى مواجهة ذلك بكل الوسائل الممكنة. وشهدت الفترة الأخيرة، بعض الساحات العربية ما يمكن تسميته ب"الحرب الباردة" بين النفوذين (السعودي – الايراني)، وهو ظهر بشكل واضح خلال الحرب السورية، من خلال دعم الرياض لقوى المعارضة مقابل وقوف طهران إلى جانب النظام على مختلف الصعد الإقتصادية والسياسية والعسكرية. لكن المثير للعديد من التساؤولات، هو الدعوة التي وجهها وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة بلاده، كمان ان الأمر الذي صعب فهمه هو السعي السعودي، إلى فتح حوار مع الإيراني بعيداً عن المصلحة الأميركية، لا سيما أنّ بين الجانبين (السعودي والأميركي) تاريخًا طويلاً من العلاقات المميزة. وتعتبر دعوة المملكة العربية السعودية لوزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” إلى الرياض، هي الأولى منذ بداية الصحوة العربية التي دفعت البلدين لخوض حرب بالوكالة على النفوذ في المنطقة. وما يؤكد مصداقية السعودي في دعوتها هو تنحية بعض الرموز المتطرفة من النظام السعودي، خصوصاً مدير المخابرات السابق بندر بن سلطان، كانت مؤشراً قوياً على ذلك. ويسود التوتر العلاقات بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، لكنه تفاقم في الأعوام الماضية بسبب النزاع في سوريا خصوصاً. فالسعودية لا تنظر بعين الرضى إلى ما تصفه بأنه "تدخلات" إيران في البحرين والعراق واليمن المحاذية كلها للمملكة من الشرق والشمال والجنوب، فضلاً عن الملفين النووي والسوري. الدور الأمريكي في التقارب ومن الواضح ان لعب التطور في المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي دوراً بارزاً على هذا الصعيد. وتشعر السعودية بالقلق إزاء نتائج الاتفاق المرحلي المبرم في نوفمبر بين إيران والدول الكبرى وينص على تجميد البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على طهران. وتشير الأنباء إلى أن الولاياتالمتحدة حاولت إقناع الرياض للتوصل إلى تسوية مع إيران، رغم انعدام الثقة بين القوتين، كما أن وزير الدفاع الأمريكي “تشاك هاجل” والذي وصل الرياض قبل ايام، سيسعى حسب مراقبين لإتمام الصلح بين الطرفين، معتمدا على تصريحات الرئيس الإيراني “حسن روحاني” برغبته في تحسين العلاقات مع السعودية. وكان القادة السعوديين قد حذروا من سياسة الولاياتالمتحدة تجاه طهران، وإحضارها إلى طاولة المفاوضات، حيث إنها تلعب دورا مهما في تقلب الرأي في المشكلة السورية وغيرها، باستثناء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما ان دعوة الرياض علامة واضحة على تعقد الأوضاع في المنطقة، وأنه يجب أن تحل بالموافقة المتبادلة بين الأطراف، فبعد عشرة أشهر من الشلل السياسي في لبنان، تم تشكيل الحكومة قبل شهرين، حيث لعبت السعودية وإيران دورا في تشكيلها. رد ايراني على استحياء وردا على توجيه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الدعوة لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض وإجراء محادثات مع المسؤولين السعوديين، أعرب نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن ترحيب إيران بمفاوضات مع السعودية لتشجيع حصول تقارب بين البلدين وتسوية المشاكل الإقليمية. وقال المسؤول الإيراني التي نقلت تصريحه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" "نرحب بإجراء مفاوضات ولقاءات مع المسؤولين السعوديين لتسوية المشكلات الإقليمية وتبديد الغموض وتطوير العلاقات".وأضاف "لقد أرسلنا دعوة لوزير الخارجية لزيارة السعودية، لكن العزم على القيام بالزيارة لم يتحول إلى واقع بعد. وتابع:لكننا سنستقبله في أي وقت يراه مناسباً للمجيء". موضخا أن بلاده "لم تتلق بعد دعوة مكتوبة، لكن لقاء بين الوزيرين مدرج على جدول الأعمال". من المستفيد من التقارب الايراني السعودي؟ التقارب السعودي الإيراني يفتح المجال أمام علاقات جديدة تُرسم إقليميًا، وينعكس ذلك إيجابًا على المنطقة ولبنان خصوصًا، إذ قد يساهم في حلحلة عقدة انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان. ويؤكد النائب عاطف مجدلاني (المستقبل) في تصريح صحفي: أن التقارب السعودي الإيراني سينعكس إيجابًا على المنطقة ككل، ونأمل على لبنان أيضًا، معتقدا أنه جاء نتيجة إنفتاح سعودي على إيران، وإيران على البلدان العربية، لأن إيران أيضًا هي بوضع صعب، مع حصار إقتصادي مؤذٍ لها، فارتأى الإيرانيون أن السياسة العدائية التي كانت موجودة على أيام أحمدي نجاد لم تأتِ سوى بالمصائب والتراجع الاقتصادي. وقال انه من الممكن أن يكون هناك تغيير في السياسة الإيرانية تجاه الدول العربية والمجاورة، وهذا الانفتاح جيد، وعليه أن يكون بداية تفاؤلية للدول العربية وللسلام بينها، والأهم أن يكون الإنعكاس إيجابًا على لبنان، لافتا إلى أن انعكاسات هذا الانفتاح قد تؤدي ربما إلى عدم التدخل في أمور الدول العربية الداخلية في المستقبل، وعدم التدخل في لبنان، وربما إعطاء أوامر لحزب الله بالخروج من سوريا والعودة إلى لبنان، وهذا القرار ممكن أن يريح الداخل اللبناني. هل الانفتاح الإيراني السعودي يعطي مؤشرًا إيجابيًا لإمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى القريب؟ يقول مجدلاني إن هذا ممكن أن يساعد، فالأوضاع الإقليمية كان لها دائمًا الأثر الكبير على الاستحقاقات الداخلية ومنها رئاسة الجمهورية، وقد تتحلحل العقد وخصوصًا عقد 8 آذار/مارس من خلال تقديمها لمرشح ومجيء أعضائها ونوابها إلى المجلس النيابي كي يكون التنافس ديموقراطيًا. دواعي الدعوة ونقطة الانطلاقة ويرى الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده أن الدعوة السعودية لايران، في حال كانت صادقة، تعني أن السعودية تسعى إلى إعادة رسم سياساتها الخارجية في المنطقة بعد فشلها في أكثر من مكان، لا سيما في سوريا والعراق ولبنان، وهي تعلم أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا عبر البوابة الإيرانية. ويؤكد زاده، أن هذه الدعوة لا يمكن أن تفهم إلا في سياق السعي إلى تحسين العلاقات المتوترة مع طهران، ويعتبر أن لقاء السفير السعودي في طهران عبد الرحمن بن غرمان الشهري ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني، قبل فترة قصيرة، كان نقطة الإنطلاق في المرحلة الجديدة. بدوره، يشير المتخصص في الشأن الخليجي نضال شقير ،إلى أن الرياض قد تكون لا تفضل الحوار مع طهران من حيث المبدأ، لكنها باتت بحاجة إلى ذلك في هذه المرحلة، لا سيما أنها تواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، ويعتبر أنها لو لم تقدم على هذه الخطوة كانت على الأرجح ستجد نفسها في عزلة كبيرة، ويرى أن الساحة اللبنانية، على صعيد الإستحقاق الرئاسي، ربما تكون المختبر الأول لهذا الحوار. اتجاه اجباري ويعلق شقير على الخطوة السعودية بالقول: "مجبر أخاك لا بطل"، ويعتبر أن المملكة كانت مضطرة إلى أخذ هذا الخيار، نظراً إلى الظروف والمعطيات التي تغيرت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، وهي في مجملها تنحو لإعتماد إستراتيجية الحوار لمعالجة الأزمات. ويؤكد شقير، في حديث صحفي،أن ما حصل يعتبر تغيراً جذرياً في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن كانت ترفض بشكل مطلق فكرة الحوار مع الجانب الإيراني، ويذكر بأن ظريف كان قد قام بجولة في الفترة الأخيرة على مختلف الدول الخليجية باستثناء المملكة، لكنه يدعو إلى إنتظار نتائج الحوار بين القوتين الإقليميتين، لأن ما حصل ليس إلا إبداء رغبة باللقاء.