رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، أنّ التهديدات السعودية بخفض مستوى التعاون الأمنيّ والسياسيّ مع الولايات المتحدّة الأمريكيّة هي تهديدات فارغة المضمون، مشدّدّةً على أنّه لا توجد اليوم في العالم قوةً عظمى، مثل أمريكا، على استعداد لملء الفراغ الذي قد ينتج عن قطع العلاقات بين واشنطنوالرياض، ذلك أنّه بدون الحماية الأمريكيّة للمملكة لا تقدر الأخيرة على ضبط الأمن والآمان في الداخل، وتعجز عن حماية حدودها من العدو الخارجيّ. علاوة على ذلك، أكّدت الدراسة على أنّ العلاقات الإستراتيجيّة المتينة بين الدولتين، والتي وصلت إلى ذروتها مع بداية السبعينيات من العام الماضي، هي علاقات قويّة جدًا، وفي حال إلغاء هذه العلاقات أوْ تخفيف وتيرتها، فإنّ المملكة العربيّة السعودية ستخسر كثيرًا، كما أنّ تداعيات هذه الخطوة، في حال خرجت إلى حيّز التنفيذ، ستكون دراماتيكيّة، وتُلحق الأضرار الجسيمة بالرياض، التي ستبقى دولةً غنيّة، ولكن بدون الحارس الإستراتيجيّ، وهو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدّة الأمريكيّة. وساقت الدراسة قائلة إنّ قرار السعودية برفض شغل مقعد مجلس الأمن الدولي أثار جدلاً حول دوافع القرار وتداعياته، لاسيما أنّه عكس رسالة غير مباشرة حول توتر العلاقات بين واشنطنوالرياض، على خلفية الخلافات حول ملفات رئيسية في منطقة الشرق الأوسط كمصر، وسوريّة، وإيران ، وهو ما دفع المحللين والمختصين ومراكز الأبحاث إلى تسليط الضوء على بواعث القلق السعودي من الاضطرابات الإقليمية، ومدى تأثير ذلك في علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. وأضافا الدراسة قائلةً إنّ رفض السعودية غير المسبوق لمقعد مجلس الأمن لا يتصل فقط بسوريّة، ولكنّه رد على التهديد الإيرانيّ. ولفتت إلى أنّ موقف السعودية، من مجلس الأمن يُعبّر عن الخوف من استجابة الرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما، لمبادرات إيران الرامية إلى تحسين العلاقات مع الغرب. وبحسب الدراسة، فإنّ تغيير النظام في سوريّة، وعدم تمكين إيران من امتلاك سلاح نووي سوف يعزز نفوذ السعودية. وقالت الدراسة أيضًا إنّ الأمر اللافت حول تدهور العلاقات الأمريكيّة- السعوديّة هو أنها تسير نحو هذا الاتجاه منذ عامين، لكن لم يقم أي أحد في الرياض أو واشنطن بتحرك حاسم لتفادي ذلك. هذا الخرق في العلاقة، وفق الدراسة، بات أكثر دراماتيكيّة، عندما رفضت السعودية تسّلم مقعدها في مجلس الأمن، الأمر الذي وصفه الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية، بأنّه رسالة للولايات المتحدة وليس للأمم المتحدة. كما عّبر الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، عن خيبة أمل كبيرة بسبب تعامل الولاياتالمتحدة مع الشأن السوري، والقضية الفلسطينية. وأشارت الدراسة أيضًا إلى أنّ ما ينبغي أن يجعل إدارة أوباما تشعر بقلقٍ أكبر هو أن مخاوف السعودية حيال سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط يتشارك فيها أربعة حلفاء تقليديين لأمريكا في المنطقة، وهي: مصر، والأردن، والإمارات، وإسرائيل. حيث يقول مسؤولو هذه الدول إنّ أوباما قام بتقليص نفوذ الولاياتالمتحدة، من خلال تخليه عن الرئيس حسني مبارك في مصر، ودعم محمد مرسي الإخواني، ومعارضة التغيير في 30 يونيو الذي أطاح بمرسي، والتذبذب في سياسة سوريّة، والآن الدخول في مفاوضات مع إيران، وكل ذلك دون استشارة الحلفاء العرب المقربين. وقالت الدراسة الإسرائيليّة أيضًا إنّه من الواضح أنّ السعودية تريد لفت الانتباه، لكن المفاجئ هو عدم قدرة البيت الأبيض على تقديم التطمينات المناسبة خلال العامين الماضيين، لافتةً إلى أنّ المشاعر السيئة التي سادت بعد سقوط مبارك تتعمق شهرًا بعد شهر بسبب دعم الولاياتالمتحدة لانتخاب مرسي كرئيس للبلاد، وتجميد جزء من المساعدات للجيش المصريّ، بعد سقوط لمرسي، والوعود السريّة بتقديم المساعدات للمتمردين السوريين التي لم تقدم أبدًا، والتهديد بضرب سوريّة، ومن ثم التحالف مع روسيا بدلاً من ذلك، وأخيرا الانفتاح الدبلوماسي تجاه إيران، الخصم اللدود للملكة العربيّة السعودية في الخلايج، على حدّ تعبيرها. وتابعت دراسة مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ قائلةً إنّ السياسات مزعجة، لكن الضرر الأكبر نتج عن شعور السعوديين بأنهم تعرضوا للتجاهل، وحتى في أذهانهم أنه تّم تجاوزهم، ذلك أنّه في المجتمعات الخليجية التقليدية، أي شعور بالخيانة يمكن أن يؤدي إلى ضرر دائم. ومع ذلك، فإنّ الإدارة الأمريكيّة تسمح للمشاكل بالاستمرار. علاوة على ذلك، رأت الدراسة أنّ افتقار الإدارة الأمريكية إلى الاتصال مع السعوديين والحلفاء العرب الآخرين أمر محير في الوقت الذي تسعى فيه الولاياتالمتحدة إلى استكشاف سياسة جديدة مثل العمل مع الروس على نزع السلاح الكيميائي في سوريّة، والتفاوض للوصول إلى اتفاق مع إيران. تلك المبادرات الأمريكية تقضّ مضاجع السعوديين وآخرين أيضا، مما يجعل التشاور الوثيق أمرًا أكثر أهمية. وبرأي الدراسة، فإنّ المظلة الأمنيّة التي تُقدّمها الولايات المتحدّة للسعودية منذ سنوات طويلة، بدأت تتزعزع مع اندلاع أحداث ما يُسّمى بالربيع العربيّ، الأمر الذي أدّى إلى دخول العلاقات الثنائيّة المركبّة والمعقدّة بين البلدين في امتحان صعب. وأضحت الدراسة أنّ القشّة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات بين الرياضوواشنطن كان الاتفاق الأمريكيّ الروسيّ حول تجريد سوريّة من الأسلحة الكيميائيّة، في الوقت الذي رأت السعودية أنّ أزمة الكيميائيّ السوريّ هو فرصة نادرة لتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لسوريّة وإسقاط الرئيس د. بشّار الأسد. وعلى الرغم من التوتر الشديد بين البلدين، أكّدت الدراسة، على أنّه من السابق لأوانه رثاء العلاقات الإستراتيجيّة بينهما، أوْ ذلك أنّ الاستقرار في منطقة الخليج، سيظّل عاملاً مركزيًا في السياسة الأمريكيّة الخارجيّة. وأوضحت الدراسة أنّ الإمكانيات المتاحة أمام السعودية محدودة للغاية، ذلك أنّها غير قادرة على معالجة التهديدات الإستراتيجيّة المحدّقة بها لوحدها، كما أنّه لا توجد قوّة في العالم على استعداد لردع إيران في الخليج، سوى الولايات المتحدّة، مع ذلك، لم تستبعد الدراسة أنْ تبحث السعودية عن خطوط أخرى، مثل التزود بالأسلحة النوويّة لحماية نفسها. وخلصت الدراسة إلى القول إنّ التوتر الحاصل في العلاقات بين الرياضوواشنطن لا يُهدد التعاون الوثيق بينهما، علاوة على أنّ قطع العلاقات سيُلحق بالمملكة أضرارًا إستراتيجيّة كبيرة.