كان عنوان مقالي هذا العام بمناسبة الذكرى الحادية عشر لاغتيال جار الله هو "الدولة المدنية في فكر جار الله عمر"، ولكن كارثة مستشفى الدفاع الأمنية والإنسانية والسياسية التي يرى مصدر مطلع ورصين أن لا علاقة للقاعدة بها فرضت نفسها.
الهجوم أرسل أكثر من رسالة للسلطة وللشعب ولمؤتمر الحوار ولرعاة المبادرة الخليجية تقول امضوا فيما تريدون ولكن سيظل زمام الأمور بأيدينا.
تركة صالح المخجلة جعلتنا بلدا القتل فيه اكسجين للقتلة وخبر يومي يدمي قلوب شعب شلت قدراته عن فهم مايجري ولايملك إلا القول إنه لو كانت لدى من يتولون مسئولية الأمن ذرة من ضمير وولاء للوطن وحرص على الأرواح لتنحوا جميعا وأفسحوا المجال والمكان لمن هو أكفأ منهم.
أما السلطة أو السلطة- بفتح السين واللام- فالشعب لايدري هل يلومها أم يعذرها لعجزها المضاف عن توفير الأمن له كحق من حقوق الإنسان.
مصالح الأوطان تسمو على مصالح الأحزاب والتآلفات والتحالفات ولكن هذا الأمر يمارس في الكواكب الأخرى.
أنا واثق ومثلي كثيرون أن المرحلة الانتقالية ليست هي ما يهم البعض المهتم أكثر بحصاد مابعدها ومن ثم لايعنيه اليوم ومشاكله ودماؤه وأوجاعه فغدا سينسى الناس كل ذلك بتميمة أو خطبة مسجد أو حديث شريف يحض على تقبل المكاره المكتوبة سلفا والقبول بالقضاء والقدر لكي لاندخل في دائرة الشرك والعياذ بالله .
تلقيت رسالة من صديق عزيز طال انقطاع التواصل بيني وبينه فإذا به يصدمني بقوله إن ابن أخته الطبيب في مستشفى الدفاع شاهد مقتل ستة من زملائه الأطباء ولساعات طويلة تسمر في مكانه ولم تفارق عيناه أشلاءهم المتناثرة أمامه وهو مختبئ تحت السلم، والآن لايتحدث مع أحد في بيته ويردد فقط أسماء زملائه الستة.
أعرف والد الطبيب وخاليه وعمه وأتألم لما حدث لابنهم كما أتألم على وفاة القاضي الكفوء عبد الجليل نعمان وزوجته وكل الضحايا.
هذه الكارثة الوطنية فرضت نفسها على ربط ماحدث في مستشفى الدفاع بذكرى اغتيال جار الله عمر الذي لو تعاملت سلطة صالح مع اغتياله بالحزم وبالعدل الواجبين ونال الجزاء كل من جاء اسمه على لسان القاتل السعواني ابتداء من "الشيخ"عبد المجيد الزنداني ومرورا بالدكتور أحمد الدغشي و"الشيخ" محمد الأنسي وعبد الجبار المراني أمين سر هيئة القضاء للتجمع اليمني للإصلاح وعضو خلية جامعة الإيمان "آنذاك" وأمل الضاوي وهناء الكبوس وعائض الشايف وعبد السلام الحريري وغيرهم.
الأخير كما ذكرت في مقال سابق أطلقه رئيس جهاز الأمن السياسي بضمانة الزنداني بحجة مرض لم تبرهن عليه شهادة طبية وكان يكفي كلمة من الزنداني وتوجيهات من المتواطئ الرئيس السابق علي صالح الذي كان يعمل لديه فواز الربيعي فراشا في دار الرئاسة واختفى أو أخفي قسرا لأنه كان من المطلوبين في القائمة الامريكية.
اسم الحريري اختفى من لائحة الاتهام ومن سجلات التحقيقات وخريطة الجريمة.
أما الزنداني فلم يقم بذلك عبثا وكان يخشى أن يصاب الحريري بالضعف ويعترف بدوره في الاغتيال لذلك داس على الشريعة وطعنها في مقتل ولعب دور القاضي في منح البراءة للحريري من تهمة الاشتراك في اغتيال جار الله ووفر له ضمانة لا إسلامية ولا إنسانية ولا قانونية ولا قبلية وحصّنه من المثول أمام القضاء.
نعلم أن من يمرض في الامتحان "الدنيوي"لايعفى منه بل يمتحن عندما يتعافى، أما الزنداني فلم يحسب للامتحان الأخروي حسابه.
وأرجو ألا أتطرف في القول إنه لوكان الزنداني صادق الإيمان ويجسد مايقوله في سلوكه لوضع نفسه تحت إمرة العدالة. الزنداني استضاف في منزله في عدن القاتل السعواني طبقا لأقوال المتهم ميمون الحداد الذي حكم عليه بخمس سنوات سجن ولا يعلم أحد هل نفذ الحكم أم لا، وفي ذات المنزل تواجد شخص يدعى محمد المقطري سمع كل مادار ولكنه لم يستجوب مطلقا.
الزنداني أعفي من المثول أمام القضاء وكان يعرف القاتل السعواني حق المعرفة ومع هذا فقد منح قضاء صالح الزنداني حصانة قضائية غير مسبوقة وغير مشروعة.
وقد يرد الزنداني الجميل لصالح عندما تحين فرصة عودة المصالح عما قريب بمنحه حصانة يمنية تضاف إلى حصانته الدولية غير المشروعة التى تبعد عنه سيف العدالة وتطبيق العدالة الانتقالية التي لا يعترف بها الزنداني.
مدرسة الاغتيالات واحدة وعقيدتها الدموية واحدة ووسائلها متشابهة وتطرفها يبدأ كثقافة تجعل الخصم لا قيمة له وتوجه بعناية إلى نشئ فقير معرفيا وماليا يستقطب منذ الصغر ومكانها المساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم.
الآن، واللهم لاحسد، لدينا ثلاث جامعات للفتوحات ولاستقبال حفظة القرآن إضافة إلى كليات علياء للقرآن الكريم، وهذا الأمر غير موجود في أي بلد.
تساءلت من قبل عن سوق العمل الذي يمكنه أن يستوعب ويوظف مخرجات هذه الجامعات والكليات وهل نحن بهذه الجامعات والكليات نخلق استجابة لتحديات العصر أم نعد متظاهرين للاستقواء بهم في الشوارع في المستقبل ضد قوى التجديد وللزعيق بشعارات التكفير على وزن إحداها في مصر"أنا مسلم مش حاستسلم".
لقد تم اغتيال جار الله عمر في 28 ديسمبر 2002على يد متطرف تربى في حضن الفكر الزنداني التكفيري - الإرهابي و اغتياله يشبه اغتيال المهاتما غاندي في 28 يناير 1948 بعد استقلال الهند بأقل من نصف عام جوزي بجزاء سينمار. استقلال الهند لم يكن شيئا ذا قيمة لدى قوى التطرف الهندوسية والأمر نفسه عندنا عندما يحين ذكر مناضلي حرب تحرير الجنوب أو الإمام يحيى.
"جودسي أو قودسي " قتل غاندي عن قرب بدم بارد وكان ينتمي إلى فصيل سياسي - ديني متطرف يسمى جند الله (شيف - سينا).
لاحظوا كيف يستغل اسم الله جل جلاله وكيف تتشابه التسميات عند قوى التطرف والانغلاق هنا وهناك.
كان تنظيم جند الله يرى في مسلمي الهند عدوه الأول قبل المستعمر البريطاني وقام بدور بارز في قتل أعداد كبيرة منهم إثر إعلان قرار تقسيم شبه القارة الهندية ونزوح الملايين من الهند إلى باكستان. اليمين الديني اليمني والعربي لا يختلف كثيرا عن اليمين الهندوسي والفرق بينهما أن اليمين الهندوسي لا يقف ضد التحديث والعلم والبحث العلمي والتصنيع ولا يشجع البقالات ووكالات الاستيراد ولا يعتبر الرياضيات والكيمياء وغيرهما مواد علمانية لا حاجة له بهما كما كتب مرة في الأهرام المرحوم مصطفى محمود وهو في خريف عمره والأهم أنه يعرف جيدا متى يلعب سياسة ومتى يلعب بالدين ويعي العصر الذي يعيش فيه والتحديات التي تواجه الهند خصوصا من الصين ولا يدعو في المعابد بإبادة خصومه عددا وبددا، ولايتعلق بوهم إعادة توحيد شبه القارة الهندية (باكستان وبنجلادش والهند) كما هو حال من يريد عندنا بعث خلافة استعمارية فاسدة ناهبة من القبر. وفي هذا الأمر هناك فرق جوهري آخر فقد حظرت الحكومة الهندية هذا التنظيم الفاشي الذي لم يعاود نشاطه إلا في ستينيات القرن الماضي وفق القانون. عندنا لاتزال جامعة الإيمان مفتوحة وقد سميت خلية اغتيال جارالله عمر ب"خلية جامعة الإيمان" ، وتسمية هذه الخلية باسمها ستظل وصمة عار في تاريخها.
صاحبها هو عبد المجيد الزنداني الذي لا يحمل شهادة جامعية ويقبل طلبة الجامعة بشهادة معادلة وشهادة عدلين اثنين لا يشترط فيهما حمل شهادة جامعية أما هي فتخلو من شفافية نظامها المالي والإداري وتعمل بدون أي نوع من أنواع الرقابة الحكومية والمجتمعية على منهجها الدراسي للتأكد من مدى مناسبته للعصر وتجسيده لقيم الوحدة الوطنية وتقوية لحمة الشعب المنكوب بها وخلوه من التعصب والتكفير.
والأدهى أن الزنداني يصر على فرض وصايته على شعب لم يختره كممثل له في برلمان أو مجلس محلي ويعمل خارج الشرعية التي احتال عليها وأنشأ هيئة علماء المسلمين التي تقسم اليمن مذهبيا، وهي فرع من فروع هيئة الشيخ القرضاوي السياسية.
السلطات المعنية لم توجه حتى سؤال واحد للزنداني عن مسئوليته أو علاقته بالقاتل التي اعترف بها في التحقيقات بكامل إرادته وعن تمويل الزنداني لخلية جامعته والذي تزامن ذكر اسمه في الإعلام اليمني والعربي والدولي مع اسم القاتل إثر الاغتيال وطوال فترة التحقيقات القضائية المغشوشة، ووقتها عندما كان الحديد لايزال ساخنا طالبت أكثر من جهة محلية ودولية بالتحقيق مع الزنداني لمعرفة حقيقة صلته بخلية جامعته وبالسعواني قاتل جارالله وبالعابد قاتل الأطباء الامريكيين في مستشفى جبلة.
ولكن لا حياة لمن تنادي، ليس فقط لأن الزنداني فوق الشريعة التي يزعم إخلاصه وولاؤه لها ولكن لتورط نظام صالح في الاغتيال وتهاون جهازي القضاء والأمن في أداء واجبيهما بنزاهة وحيادية بما يخدم العدالة ويقتص بالعدل وبالقانون لقامة وطنية كبيرة مثل جار الله عمر.
اليمين الديني في اليمن ليس كاليمين الديني في الهند فالأخير لا يملك مليشيات وأسلحة ثقيلة ولا يشارك في معارك حربية ولا يستولي على معابد بالقوة ولا يزرع الكراهية فيها وليس لديه اقتصاد مواز واستثمارات وبنوك.
أنا هنا لا أتجنى على رائد التكفير والتنفير والتفقير في اليمن. لقد غطت معظم وسائل الإعلام جريمة اغتيال جارالله وذكرت اسم الزنداني كمرشد للسعواني القاتل وشريكه عابد عبد الرزاق كامل الذي قتل أطباء امريكيين في مدينة جبلة في اليوم التالي لاغتيال جارالله عالجوا زوجته مجانا كغيرها من عشرات الآلاف من اليمنيين واليمنيات.
عندما كان جودسي ينفذ جريمته كان شقيقه وشريكه يتابع في الإذاعة خبر اغتيال غاندي و قد فعل عابد عبد الرزاق مافعله شقيق جودسي بمتابعته لنجاح جريمة صنعاء لكي ينفذ جريمة جبلة بعد 24 ساعة بحسب اتفاقهما ضد ما أسماه" التنصير". وطبقا لصحيفة 26 سبتمبر في 2/1/2003 بأنه كان يمكن تجنب حادثة جبلة لو سلم القاتل للأمن أو تم تسليم شريط فيديو التحقيق الذي تم في منزل رئيس التجمع اليمني للإصلاح (المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر) للأجهزة المعنية أثناء احتجازه بصورة مخالفة للدستور والقانون من قبل "الإصلاح".
القاتل طبقا للصحيفة أيضا عبر عن تذمره في منزل الاحتجاز من عمل الأجانب في جبله ومن فوز "العلمانيين " بدائرة جبلة وألمح بأن شيئا ما يتوقعه فيها.