مفكر أمريكي يكره السياسة الأمريكية والصهيونية .. !! أثارت المواقف الجريئة للمفكر والمحلل السياسي الأمريكي اليهودي الأصل ( نعوم تشومسكي ) ضد السياسات الأمريكية الكثير من الجدل، فالرجل يعدّ أحد العشرة المفكرين الأكثر تأثيراً في العالم، له ما يزيد عن الثلاثين مؤلفاً في اللغة مجال تخصصه، وأربعين كتاباً في السياسة، ومئات المقالات والأحاديث والمقابلات، عندما تقرأ وتتمعن تلك المواقف التي جُمعت أغلبها بين دفتي كتاب عجيب غريب ممتع مكون من ( 380 ) صفحة تحت عنوان ( أشياء لن تسمع بها أبداً ) لا تملك إلا أن تقف أمامها مشدوهاً وتتطلع إليها بكل إجلال وإكبار، فتشومسكي رغم أصله اليهودي إلا أنه لم يجد غضاضة أو خوفاً ولا وجلاً من مهاجمة الصهيونية وفضح السياسات الأمريكية الإجرامية، مواقف كم تمنيت شخصياً بل ويتمنى كل عربي مسلم أن لو جاءت على يد أحد مفكري العرب والمسلمين من ذوي الوزن الثقيل أو من أحد ساستها المتخاذلين الذين يعملون لعلاقاتهم بأمريكا وحرصهم على رضاها ألف حساب . وإزاء تلك المواقف التي نراها منصفة تمام الإنصاف تم اعتبار تشومسكي في أمريكا شخصاً منشقّاً، وتم تجاهله في أغلب وسائل الإعلام التي تتبع أصلاً وتسيطر عليها المنظمات الصهيونية، وكعادتها في التهمة الجاهزة والطبخة المكرورة ( البايخة ) التي ملها الجميع حاولت الصهيونية اتهامه بمعاداة السامية، ومن الغريب والعجيب أن بعض العرب العلمانيين المأجورين طبعاً وقفوا ضده رغم ما أبداه من مواقف مشرفة في صفهم، لكن كما قال المثل ( أعلمه الرماية كل يوم، فلما اشتدّ ساعده رماني ) . لقد دافع تشومسكي عن الحرية وأحقية كل شعب في تقرير المصير، وقاوم كل أشكال التمييز العنصري التي تمارسها الأنظمة الديكتاتورية وإن ادّعت بممارسة أشكال الديمقراطية ولكنها ديمقراطية مزيفة وكاذبة، كما أدرك الخطر من وراء السياسات اليهودية الاقتصادية فطالب بالتصدي للعولمة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ( الجات )، وكما نعلم أن هذه المنظمات تهرع إليها الدول النائمة ( النامية ) كدولتنا المسكينة في محاولة للعثور بين يديها على مفتاح الازدهار الاقتصادي، ولكنها تحمل في طياتها السم الزعاف، فلم نعرف ولم تعرف كل دولة تعاملت مع هذه المنظمات إلا زيادة معدلات الفقر، واطراد مليارات الديون المتزايدة ربوياً، وانتشار البطالة واتساع رقعة الفساد بكافة أنواعه، ولو نعلم الحقيقة فإن هذه هي أهدافهم الحقيقية التي لا يُظهرونها، وتلك مراميهم الخبيثة حتى يُبقوا على الدول فقيرة مرتهنة بين أيديهم ويستخدمون حكوماتها عبيداً مطيعين ينفذون سياستها دون ( إحم ولا دستور ) ودون أن يبدوا أية اعتراضات، وكم كان الخبير الاقتصادي العالمي الماليزي ( مهاتير محمد ) محقاً عندما رأى أن التطور الاقتصادي وحلول الأزمات الاقتصادية مرهون بأول خطوة وهي طرد هذه المنظمات من بلداننا ثم بعدها من المؤكد أن سيأتي الفرج والخير العميم . تحدث تشومسكي كذلك في مقالاته والأحاديث التي أُجريت معه عن السياسة الأمريكية في الداخل والخارج وحقوق الإنسان والإرهاب الدولي وعرفه ساخراً بقوله ( الإرهاب هو ما يعتبره قادتنا كذلك )، وفرّق بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدول، فإرهاب الأفراد في نظره لا يمثل شيئاً أمام إرهاب الدول، وقال بكل شجاعة وصراحة أن أمريكا هي " الدولة الإرهابية القائدة في العالم " وأن ما تصرفه على التسلح والعسكرة يعادل ما تنفقه كل الدول في العالم مجتمعة، وكل ذلك بهدف حماية مصالحها الذاتية الأنانية وأطماعها في كل أنحاء العالم، كما بيّن تشومسكي أن العالم لا يكره أمريكا بحد ذاتها ولكنه يكره سياساتها العدوانية الهادفة إلى استغلال ثروات الشعوب، ومنعهم من تقرير مصيرهم والتحكم بمواردهم، واختيار النظام السياسي الذي يناسبهم . ومن الجدير بالذكر فإن نعوم تشومسكي طرح حلاً للقضية الفلسطينية، ورغم أننا لا نتفق معه فيما ذهب إليه إلا أن ذلك لا يمنعنا من احترام رأيه الذي رأى فيه نهاية الصراع بين اليهود والعرب المسلمين، إذ رأى أن الحل في قيام دولة !! ثنائية القومية يتمتع فيها العرب واليهود بنفس الحقوق، ولو كان تشومسكي يعلم حقيقة اليهود أبناء جلدته، وإن كنا لا ندري هل قرأ السيرة النبوية عامة، سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أم لا ولو قرأها بتمعن لعلم أن اليهود لا يمكن لهم بأي حال من الأحوال التعايش مع أحد من البشر، بل خلال عيشهم في ظل الدولة الإسلامية خير دولة مدنية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة كم دبر اليهود الكثير والكثير من المؤامرات والمكايدات . حفلت آراء ومواقف وأفكار نعوم تشومسكي بالكثير من الإثارة والعجب، وكم تمنيت أن يقرأ الجميع كتاب ( أشياء لن تسمع بها أبداً )، لكي يعلموا على أقل تقدير أن العالم مهما ادلهمت فيه ظلمات الجهل وفشا فيه طاعون العدوان والظلم فإنه لا يخلوا إطلاقاً من أشخاص منصفين يرفعون أصواتهم عالياً رافعين عقيرتهم بكل شجاعة يقولون كلمة الحق .. أو لسنا بأحق منهم في ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم علّم صحابته الكرام رضي الله عنهم وكل فرد من أفراد أمته بأن يقول كلمة الحق ولو كانت مُرّة .