يتفق العديد من المفكرين والباحثين السياسيين، وفي مقدمتهم المفكر الأمريكي الكبير «نعوم تشومسكي»، على أن مصطلح «الدولة الفاشلة» هو من صنع أمريكا، مثله مثل مصطلحَي «الدولة الإرهابية» و«الدولة المارقة».. وبواسطة معايير هذه المصطلحات تعبئ الإدارة الأمريكية الرأي العام الداخلي والدولي ضد الدول التي لا تتفق في سياساتها مع وجهة النظر الأمريكية. صحيح إن هناك دولاً فاشلة متفق على توصيفها دولياً على أسس علمية وأسباب موضوعية وإنسانية، إلا أنها غالباً ما تغيب عن قائمة التقارير الأمريكية، لأن مثال هذه الدول الفاشلة أمريكا نفسها.. وهذا التوصيف ليس من عندي بل من لدن المفكر الأمريكي «تشومسكي»، قاله في حوار نشر في مجلة Dcmocracy Now بتاريخ 21 مارس 2002م، وأشار إليه الدكتور أحمد زيدان في مقاله بمجلة العربي العدد 591 فبراير 2005م.. إلا أنني أضيف هنا أن إسرائيل مقارنة بمحددات وأسباب اتهام تشومسكي لأمريكا بالدولة الفاشلة، هي كذلك من أكبر الدول الفاشلة.. وهاكم نماذج من هذه المقارنة: يقول تشومسكي: إن أمريكا لا تعترف أو هي تتغافل عن القوانين الدولية إذا تعارضت مع مصالحها الخاصة».. وهاهي إسرائيل في حربها العدوانية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة ترمي عرض الحائط بالمواثيق والقوانين الدولية بما فيها المادة (20) من اتفاقية جنيف الرابعة، وبشهادة المنظمة الدولية «الأنروا»، ووفق الدعوة التي طالبت بها هيئات حقوقية دولية اتهمت فيها إسرائيل باستخدام أسلحة فتاكة قيد الاختبار. أمريكا تلجأ إلى استخدام قوتها العسكرية الفائقة بصورة مفرطة دون مبرر.. وهاهي إسرائيل تحذو حذوها بقصفها الجوي والبري والبحري المفرط، وطوال 18 يوماً ولا تزال على الشعب الفلسطيني ب«غزة»، جنَّدت له أكثر من (30) ألف جندي احتياطي، إلى جانب قوات خاصة لمواجهة كوكبة من المقاومة الفلسطينية وشعب «غزة» الأعزل من السلاح، مستخدمة أسلحة دمار فتاكة، وقذائف مزودة بالفسفور الأبيض المحرم دولياً، وذلك وفق شهادة منظمة «هيومن رايتس» الدولية. أمريكا تبرر غزواتها وعملياتها العسكرية بدوافع درء خطر محتمل ضد أمنها وسلامتها الخاصة.. وهاهي إسرائيل تبرر عدوانها الوحشي السافر على «غزة» بضمان ما تدعيه حماية أمنها وسلامتها من المقاومة الفلسطينية للشعب الفلسطيني، الذي اغتصبت أرضه، وصادرت حيرته، وحصرته في قطاع ضيق وتتطلع حالياً إلى إغلاق آخر منفذ فيه، وهو معبر «رفح»، ومحاولة إعادة احتلال محور «صلاح الدين» المحاذي لمصر. أمريكا تتذرع غالباً في استخدامها قوتها العسكرية المفرطة لتشن ما تسميه حرباً وقائية ضد الإرهاب.. أما إسرائيل فقد فاقت ربيبتها أمريكا في عدوانها على «غزة» بحرب مدمرة غير مسبوقة، ليصرح بعدها رئيس دولتها الفاشلة (شمعون بيريز) يوم الاثنين الماضي بالقول: «إن ما حققناه في غزة خلال 16 يوماً لم يحققه أحد في الحرب ضد الإرهاب خلال 16 عاماً».. والإرهاب الذي عناه بيريز هو المقاومة الفلسطينية المشروعة لاسترداد حق فلسطيني عربي اغتصبته دولته الإرهابية إسرائيل. أمريكا تلجأ إلى فرض القيود المحددة لحرية الأفراد والمواطنين بحجة المحافظة على الأمن القومي.. وهي الذرائع بعينها التي تلجأ إليها الدول الاستبدادية التي تصنفها أمريكا بأنها فاشلة.. هكذا لخص (تشومسكي) أسباب ومحددات وصفه لأمريكا ب«الدولة الفاشلة»، ومثلها فعلت إسرائيل بفرضها كبت حريات المواطن الفلسطيني وإقامة الجدار العازل الذي حوّل ما تبقى من الأرض الفلسطينية إلى سجن لثلاثة ملايين فلسطيني لاجئ في أرضه المغتصبة، كما فرضت كذلك على مواطني دولتها من اليهود حاملي الجنسية الإسرائيلية قيوداً محددة لحريتهم وتنقلاتهم داخل الدولة الإسرائيلية والمستوطنات. ما تقدم من مقارنة يضاف إليه ما يتصل بالوضع الدخلي لدولة إسرائيل الفاشلة، حيث يتماهي في أوساط حكومتها الفساد والرشوة والانحلال الخلقي والأمراض السكولوجية واللا انتماء الوطني، ولا أدل على تفشي الفساد فيها من وقوع رئيس حكومتها «أولمرت» تحت طائلة المساءلة القانونية بتهمة الفساد.