(الوتر السادس) إصلاحات أم حيل سياسية؟! لم يترك شعب الجنوب شيئا وراء الستارة ليعود إليه فيما بعد، ذلك لأنه لا يؤدي في هبته التاريخية تمثيلية مسرحية، وإنما يؤدي دوره واضحا على واقع حياته السياسية، ومن العبث محاولة توجيه هبته إلى اتجاهات أخرى واهمة، ذلك لأنه لا يؤدي أكثر من دوره التاريخي في هذه المرحلة التحولية التي تفاعل معها والتحم بها بشكل كامل تقريبا. وعليه فإن القوى السياسية التي تسعى نحو حرف مسار الهبة إلى ما تسميه إجراء نوع من الإصلاحات في جسد نظام متهالك تؤدي ما يشبه المسرحية الكوميدية المكشوفة الأدوار في هذه اللحظة التاريخية التحولية رغبة في استمرار استباحة الجنوب وقتله وتقزيمه ومحاولة تنشيط نفسها من جديد تحت وهم إجراء تغييرات وإصلاحات معينة في محافظة حضرموت تحديدا، وفي محافظات الجنوب عامة، مما يعد في إطار الحيل السياسية التي لا يمكن أن تنطلي على أحد. ويمكن لأي متابع ملاحظة أن الممارسات العملية اليومية التي يؤديها شعب الجنوب العربي في هبته ممارسات لها خصوصيتها وصدقها من حيث الترابط والتتابع والتطور، وبهذا يبدع الشعب هبته في تواضعه وبساطته وإيمانه بهدفه، ومن ثم فالآراء المختلفة إنما تنبثق عن بعض الدوائر السياسية والحزبية، أما الشعب الجنوبي –كما يعلم الجميع- فليس له إلا وجهة نظر واحدة يرتفع بها صوته منذ عدة سنين، فالشعب لا يسكن نضاله داخل الخطابات والبيانات التي يمكن أن تدلس بالمخادعة التي يجيدها السياسيون بل يمارس نضاله عملا يوميا مباشرا وبشكل متنامٍ. إن ما تقوله بعض القوى من الإبقاء على الوحدة في هذا الوقت الضائع، وما تقوله بعض القوى عن إجراء إصلاحات فيها، وما تقوله بعض القوى من دعوى الحفاظ على النظام والأمن يصب في بوتقة واحدة، فأين هي الدولة والنظام في ما مضى، وفي وضع كهذا؟ وإنما يتدثر هؤلاء الآن بغطاء الأزمة الضاغط عليهم ليعدلوا في كيفية الخطاب دون أن يعدلوا من الفعل شيئا، والتجربة خير دليل على ذلك، سواء ما مضى أو ما يجري الآن من عدم تلبية أي مطلب من المطالب بصورة كاملة أو حتى شبه كاملة.. إن مفردات (دولة) و (وحدة) و (نظام) ومنذ عام 1994م لم تعد ذات قيمة استراتيجية يسعى الجميع نحو الإعلاء من شأنها، وإنما دخلت كشكل من أشكال الصراع السياسي تتبناها الجماعات المتنفذة في صنعاء لمقارعة خصومها، حتى صار شعب الجنوب ينظر إليها كأوراق محروقة، ويرغب في فك الحصار عن روحه كما يرغب في فك الحصار عن أرضه، فشعب الجنوب لا يحسن لعبة الفوضى ولا يطيق الاستمرار فيها، ونضال هذا الشعب وتجذره يقوم على ركيزة مهمة من الوعي المرير بواقعه، ومن ثم بتقرير مصيره واستقلاله.