عبدالقادر علي باعيسى ثمة عدد من الكتابات الاستشراقية (دراسات ورحلات) اهتمت بدراسة حضرموت وأهلها إما بزيارتها مباشرة، وإما بالتعرف على أحوالهم في المهجر، لكن هل اكتشف الحضارم أنفسهم من داخلهم بتحليلهم لتاريخهم ومجتمعهم بكل سلبياته وإيجابياته؟ يبدو أن الإجابة العلمية في هذا المجال مازالت ناقصة إلى حد كبير للأسباب الآتية: أولا: أن الحضارم يتعاملون في ما بينهم بمستوى كبير من العاطفة، وهي ذات منحيين: منحى إيجابي عال من التكاتف يسود في الخارج في المهاجر المختلفة، ومنحى سلبي تصارعي أو تنافسي من الضغينة يسود في الداخل، وهذا مسار اجتماعي طويل ترسب عبر مئات السنين عبر أحداث اجتماعية وتاريخية طويلة وليس وليد اليوم. ثانيا: أن صبر الحضارم الطويل في احتمال الظلم من بعضهم البعض يتحول بمرور السنين –كما يبدو- إلى حالة كبت داخلي جماعي سرعان ما يعبر عن نفسه فجأة، وبطريقة عنيفة، كما حدث في بعض مراحل التاريخ، ومنها القريبة جدا، وما زالت تحدث اليوم بشكل جزئي متفرق هنا أو هناك بين بعض شرائح المجتمع، وبأشكال مختلفة. ثالثا: أن القادم إلى حضرموت سرعان ما يكتشف خلافات أهلها من خلال معاشرته لهم، فيتعامل معهم مستغلا عدم دخوله بقوة في صراعاتهم، ومن ثم يرضون به كحكم وسط يوافق عليه الجميع، وإن كان يتعالى عليهم فيرد سلطته إلى أنهم لا يستطعيون أن يحكموا أنفسهم، فيظلمهم، وهم في الواقع ظلموا أنفسهم بخلافاتهم، ومن ثم بتحكيمه فيهم. رابعا: أن وعي كثير من الحضارم بذواتهم، وشرائحهم الاجتماعية، وحتى بمصالحهم الشخصية، مازال أكبر من وعيهم الوطني الشامل بحضرموت كعامل جامع فوق الجميع. خامسا: لكثرة ما سادت الفتن والصراعات غير المبررة بينهم ساد فيهم أمران: تفشي روح اللامبالاة (ما سيبي)، والهجرة وترك البلد تعاني مصيرها بنفسها، ولعل الروح الصوفية عملت على تعزيز ذلك فيهم. سادسا: عدم مصارحة الحضارم فيما بينهم بأخطائهم انطلاقا من حالة الضغينة الاجتماعية، أو نظرا لعدم التجرؤ على بعضهم إلا في مواقف وكتابات محدودة العدد، غير أن جرأتهم تظهر في الخارج بصورة واضحة من خلال صحفهم وجمعياتهم واتجاهاتهم الحزبية، حيث تخف وطأة الواقع. ولعله يمكن دراسة الحضارم من خلال أمثالهم الشعبية بكل ألوانها ودلالاتها وهي مجموعة بشكل واف ومستقص تقريبا في كتاب المرحوم محمد عبدالقادر بامطرف وفي غيره من الكتب التي ألفت في الأمثال الحضرمية، ومن خلال الشعر العامي بإشاراته الرامزة، فضلا عما يمكن أن يوافي به الشعر الفصيح، وكتاباتهم التاريخية، ونكاتهم، وإن كانت هذه الأخيرة لم توثق بصورة جيدة إلا ما حملته