عوض لعنة بقلم: أحمد عمر باحمادي يحبّذ البعض أن يُطلق على الشخصية المسماة باسمها على الحقيقة ( عوض بن وبر) إذ تشير بعض المعلومات والمصادر أنه من( آل بن وبر ) وهي قبيلة حضرمية معروفة ؛ تسمية ( عوض بط ) أو ( عوض لعنة ) وهما من دون شك تسميتان شائعتان أو شهيرتان، علماً بأن التسمية الثانية قد ضربت في الشهرة وتجاوزت الأولى التي ظلت محصورة على مناطق محددة، إلا أن التسمية الثانية بإضافة الرجل إلى ( اللعنة ) وهو قد رحل من على ظهر هذه الدنيا وودع الحياة البائسة التي كان يعيش فيها مشرداً صعلوكاً فقيراً متسكعاً من مكان إلى آخر؛ فيها شيء من التجاوز وقلة الذوق والخلق، إضافة لكونها محظورة شرعاً بالنهي عن السباب واللعن إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء" ولهذا سنورد التسمية الأولى التزاماً بالذوق السليم وتخلقاً بأخلاق الدين الحنيف. لقد مثّلت شخصية ( عوض بط ) تلك الشخصية القوية الأبية الرافضة والثائرة ضد الظلم أياً كان مصدره، رغم أن البعض ولأهداف محددة في ذاته، أو كما يقولون لحاجة في نفس يعقوب؛ عمل على قصر هذا الحكم على نوع معين من الظلم الجاثم على الإنسان اليمني عموماً وبالأخص الإنسان الجنوبي، لكن وبعيداً عن أرجاس العنصرية البغيضة يمكن لنا أن تستشف مقدار الممانعة والمقاومة الثقافية التي أبداها ذالكم الرجل الذي يُقال عنه أنه مجنون وقد غلب الظن أنه كذلك من خلال القصص والأشعار الكثيرة والنكت المتعددة التي وردت عنه، أو التي نُسبت إليه عن قصد أو من غير قصد حتى تلقى القبول الواسع والانتشار لقوة المصدر وتقبل الناس له في زمن معين قد يمتد إلى وقتنا الحاضر. لقد انتفض الرجل في زمن الصمت والسكوت المقيت وتكلم بكل وضوح وكبرياء دون ذرة من خوف أو وجل، ولعل نفسيته الغامضة التي كان يتحلى بها ويملك زمامها قد ساهمت بشكل ملحوظ في ثباته الأسطوري، إذ طرق في أطروحاته وأشعاره وحكمه إن صحّ أن نطلق عليها حِكَماً؛ الكثير والكثير من القضايا والسلبيات التي شغلت هاجس المواطن في تلك الفترة ولا تزال تؤرقه إلى يومنا هذا كغياب الأمن والسلم الاجتماعي، وانتشار الظلم واستشراء الفساد والمحسوبية والقمع غير المبرر ومواجهة الأصوات المطالبة بتغيير الواقع الفاسد في عهد المخلوع صالح التي طالت بضررها كل مفصل من مفاصل الدولة بل والحياة في أرض الوطن اليمني عموماً. ونظراً لقوة الطرح والتناغم والتفاعل التي كان يبديها خلال إلقائه للأشعار والتي قام بتسجيل بعضها الشباب ووضعها في مقاطع على موقع ( اليوتيوب ) على الشبكة العالمية ( الإنترنت ) فقد عمد بعض الكتاب إعجاباً به إلى إعطاء ( عوض بط ) لقب الأستاذية، فنجد الأستاذ عمار باطويل يقول عنه في مقال نُشر قبل حوالي العام تحت عنوان (قراءة في كلمات الأستاذ عوض لعنة ) مع تحفظنا بالطبع على التسمية الواردة إلا أننا التزمنا بأمانة النقل رغم التحفظ: " ومما لفت نظري أن الرجل عندما يقول كلماته الشعرية يكون متفاعلاً معها وكأنها براكين تهزه هزاً، وليست مثل الكلمات التي يتناقلها الناس عن الأستاذ و تأتينا ناقصة بدون تفاعل عوض لعنة؛ وهذا التفاعل مع كلماته توضح أن الرجل مدرك لما يدور في البلاد وهذا الإدراك إدراك يعطي لعوض لعنه الأستاذية؛ لأن كلماته تحرك الشارع أو على الأقل توعّي الناس عن الوضع السيئ، ويوضح لهم الحال وهو بحد ذاته إعلامي متحرك، فكلما قال كلمة تناقلها الناس من مكان إلى مكان آخر لتصل إلى كل فج عميق". ثم ساق مثالاً لأشعاره أو شيئاً من كلماته البليغة ذات المعنى العميق التي وإن ظنها المرء أو ممن يستمع إليه من أول وهلة أنها للتندر والتهكم إلا أن مقصودها أبعد وأغزر من ذلك فيقول: " فمن كلماته التي يقول فيها : ( الشعب بارد والحكومة باردة، وعبود كاشعها وعاطيها البرود ) يرسم لنا الحال الذي وصل إليه الشعب قبل عدة سنوات من برود وعدم المبالاة بما يحصل من نهب الأموال، والقمع وكل أنواع الفساد، ومع هذا فإن الحكومة بكل طاقمها من وزير أو محافظ .. إلخ يبادل الشعب بنفس الحالة؛ وهي حالة البرود وهي باردة وساكنة، ولم تنكر الحكومة ما يفعله عبود بالوطن ورجال الوطن، وعبود هنا هو الحاكم الذي كاشعها وعاطيها البرود، ( والكشع ) هنا ليس بمعناه الصحيح أن الحاكم ظهر عرياناً وجعل عورته ظاهرة لمن هب ودب، ولكن الصورة تتبلور أن ( عبود) أي الحاكم عندما يتنصل من واجباته اتجاه الوطن، وعندما يشرع في إفساد البلاد والعباد ونهب الثروات وتقزيم الوطن والمواطن أمام العالم ودول الإقليم يصبح عرياناً وعورته ظاهره للعيان، وعندما المرء تظهر عورته أو ( يكشع) عورته ماذا تنظر منه؟، فأصبح الحياء غير موجود عند عبود، وكل ما يقوم به من فساد يندى له الجبين، وكل شيء أصبح عند عبود ( الحاكم) عادياً جداً أو ( خبر خير ) بلهجتنا الدارجة، فعبود هو الحاكم الذي ظهر في عدة قصائد لشعراء حضارم ودائماً عبود هو مكان السخرية والنقد في الشعر". وبقي ( عوض بط ) على منواله ذلك مقاوماً للظلم والطغيان تتنقل آثاره وحكمه عبر الأثير الشعبي الحضرمي دون حواجز أو موانع تُذكر، بل ربما تجاوزت حضرموت إلى أصقاع أخرى في اليمن وتعدّت إلى حيث ما وجد الحضارم في المهجر يساعدها في ذلك التطور التكنولوجي والانفجار المعلوماتي، حتى وُجد في يوم ما ميتاً في أحد الأماكن، وقد أحاط الغموض ميتته تلك وأثار رحيله المفاجئ الكثير من التساؤلات والاستفهامات الغامضة، هل مات عوض ميتة طبيعية أم قُتل بطريقة أو بأخرى؟، وظلت الملابسات غامضة دون أن يجرؤ على كشفها أحد، إلا أن مشاعر العامة من الناس وتعاطفاً معه لما مثله في كيانها وما اختزنه فيها من رصيد ثوري كبير أخذت تقنع نفسها بأنه قد قُتل غيلة من قِبل بعض القوى النافذة التي لم يرُقها مقدار الحرب الإعلامية الشعواء التي كان يشنها عليهم دون خوف أو وجل فقررت إسكاته إلى الأبد.