تحدثنا في الجزء الأول من مقالنا السابق عن ما يجب أن تقوم به السلطة المحلية إزاء ما يجري من انتهاكات صارخة للبواخر التي تجوب سواحلنا الحضرمية جيئة وذهابا وتتسبب بإشكالية حقيقية في تهجير الأسماك إلى أوطان أخرى .. وفي مقالنا هذا سنأتي على كثير من المسائل المهمة والتي سنخرج فيها من حالة الصمت المطبق في المسكوت عنه إلى البوح المباشر تجاه قضية رئيسة من أهم القضايا ألا وهي – استقرار الأمن الغذائي – وهي قضية أصبحت مصدر قلق دائم بحكم ارتباطها بحياة الناس ومعيشتهم وتأتي بعدها العوامل التي أدت الى ذلك وهي ( التدمير والعبث بالبيئة البحرية ) وبالقطع لها مسببات كثيرة سنذكرها في السياق المتسلسل الذي أثاره المؤلف في كتابه .. دعونا نتابع أعزائي القراء ما بدأناه : يحذر مؤلف الكتاب أ. عمر خميس بامتيرف من مخاطر تهجير الأسماك بقوله ( التهجير أصبح من أخطر العوامل التي تهدد التنمية الإقتصادية ، والاجتماعية لمعيشة أكبر شريحة واسعة من الناس في بحر العرب ، وساحل حضرموت خاصةً ) وهو قول صحيح ، لأن العبث بالبيئة البحرية في حضرموت وغيرها يعتبر جريمة تعاقب عليها القوانين في كل بلدان العالم بل وتقوم النزاعات بسبب ذلك فيما يتم تسهيل هذا الأمر بطريقة غريبة لسفن الصيد الأجنبية في المجال البحري الممتد علي المياه السيادية للصيادين في سواحل حضرموت التي كان عطاؤها زاخراً بأجود أنواع الأسماك ، فأصبحنا الآن نستورد هذه الأسماك من الصومال والمعلب منها من شرق آسيا وغيرها ، وذلك نتيجة سياسات غير حكيمة للحكومات التي تعاقبت في تطور خطير وغير مسبوق مستمدين هذه الحقائق مما أشار إليها مؤلف الكتاب وهي كالتالي : أولآً: السكوت لإعطاء الآخرين فرصة للإستحواذ على أغلب مواقع التجمعات الغنية بالمخزون السمكي ، في المياه السيادية لقطاع الصيادين من قبل بواخر الجرف التي تخترق إلتزاماتها بتواجدها في مواقع الأحياء البحرية لنهبها وتهجير ماتبقى منها . ثانياً : العمل على ( قعر وقطع وجرف ) المراعي مع الأعشاب ، والأشجار المرجانية للمتاجرة بها في دول أخرى . ثالثاً: إستعمال طرق الإبادة لرمي كثير من المخلفات كالمشتقات النفطية والمخلفات الأخرى ، والمواد الكيماوية السامة ، وإستخدام المصابيح الكهربائية المحرمة . رابعاً : قيام الكثير ممن لا يعرفون ضرر الردم بأحجار الفرم الجائر الملبس بأكياس النايلون (البولي إثلين ) خامساً : إستخدام الشبك الوتري ( الإسرائيلي ) القاتل لأصغر أنواع الأسماك ، والقراقير ( السخاوي ) وهي عبارة عن أقفاص شعاعية مضرة وسط المراكز الغنية بالأسماك والأحياء البحرية وهذا يعني القضاء على الأسماك والأحياء البحرية أو تهجيرها (كما يؤكد مؤلف الكتاب ) سادسا: عدم قيام جهات الإختصاص بتوقيف بواخر الجرف ، وكل أعمال الهدم والردم والقنًص بالمضرب (المسدس) وقت تخصيب البيض لإلتقاط ماتبقى من عوائل كل فصيل ( ملكة ) للأسماك المتواجدة في مواقع التجمعات الأخرى على امتداد الشواطئ ، وخاصةً الصخرية (القشار) . سابعا: عدم إزالة النفايات والمخلفات بمختلف أنواعها والاستحواذ على المواقع المحاذية للشاطئ . وبناء على ما تقدم فأننا نضع أمام من يهمه الأمر بعض الاقتراحات والحلول من واقع ماجاء بين دفتي الكتاب الذي يؤكد على ضرورة ما يلي : * منح خمسون ميلاً بحرياً كموقع سيادي للصيادين التقليديين كضرورة ملحة تقتضيها المعالجات الواقعية للحفاظ على ما تبقى من عوائل الأسماك والأحياء البحرية . * إيجاد حلول ناجعة للأزمات التي يعاني منها الصيادين ، جراء النقص الملحوظ من الأسماك والأحياء البحرية ، مقارنةً بما كان عليه الحال خلال الأعوام الماضية ، وما يستهلكه من وسائل وأدوات ومحروقات يومياً إذ تشير الإحصائيات إلى وجود أزمة قادمة في المخزون السمكي بسبب هروب وانقراض كثير من الأسماك ، والأحياء البحرية من مواقع تمركزها في المصايد ، وانعدام كثير من المراعي الطبيعية . * وضع معالجات مسبقة تتعلق بتربية ، وحماية الأسماك ، والأحياء البحرية المعتمدة على هذه المصايد ، والمراعي الطبيعية لتكون بديلة لهذه الحالة ، كونها المصدر الأساسي في تحقيق الأمن الغذائي للإنسان . * عدم السماح بردم المناطق الساحلية المحاذية للشواطئ خاصة من قبل المستثمرين وحجزها وعمل أحواض سباحة لحرمان الصيادين والمواطنين من المتنفسات العامة ، مع الإحاطة علماً بان قانون الاستثمار لا يجيز لهؤلاء تجاوز الحدود المسموح بها وهي مائتا متر بين الموقع المصروف لهم وساحل البحر وأن توثق السواحل لصيادي كل منطقة متاخمة للبحر لأنهم هم المعنيون بحفظها . * منع استخدام وسيلة الأقفاص القراقير (السخاوي ) وأي وسيلة أخرى ضارة . وعلى ضوء هذه الحقائق وسوء الأوضاع التي وصلنا إليها ،فأن المشكلة جد عويصة بل وصادمة للنفس لأن ما جرى من انتهاكات للأحياء البحرية كان مرده تخصيص المرعى الأساسي للأسماك في ميناء الضبة كموقع ( لثروة نفطية زائلة ) بينما الثروة الحقيقية هي ( الثروة السمكية الدائمة ) التي يستفيد منها الصيادون باعتبارها مصدر رزق لهم وكذلك استفادة كل شرائح المجتمع من افخر أنواع الأسماك والأحياء البحرية في أعماق بحر حضرموت الذي حباه الله بهذه الثروة السمكية . ولا أجافي الحقيقة والواقع إذا قلت بان الكتاب تكمن أهميته في كون مؤلفه قد جمع مادته القيمة من مصادر مختلفة ، وسلط الضوء على مفاهيم وخبرات ظلت عقوداً من الزمن في حنايا الصدور وأظهر جوانب لم نكن نعلم بها وهو جهد يشكر عليه .. ونترك الرأي للباحثين والقراء من خلال إبحارهم في الكتاب ورؤية ما يحمله ، ربما يوجد هناك من يحمل أفكارا إضافية تسهم في إثراء الكتاب ورفده بالمعلومات المتجددة وهو أمر مرحب به من قبل المؤلف الذي وضع أمانته التي كان ينوء بها كاهله .. فليأت من يكمل المشوار بعده .. وحضرموت ولادة أنجبت الكثير من النوابغ ومازالت فليحفظها الرحمن من الفتن ما ظهر منها وما بطن ويجنبها وأهلها كل مكروه إنه سميع عليم .