(1) هي كذلك، ولأنها كذلك استهدفوها بضراوة دلت على مدى خوفهم من فاعليتها ودورها الرائد في التعبير عن الحقيقة، وثقة القراء في رسالتها المهنية التي تهندس الرأي العام عموماً، ولبلورتها رأياً عاماً جنوبياً من منظومة العدوان الممنهج على الحاضر والمستقبل خصوصاً. وفي لعبة مكشوفة حاولوا أن يقدموا رسالة متداخلة الحروف، إذ أوقفوها مع صحف أخرى، بدعوى المخالفة للقانون، ثم سرعان ما تبين أن "الأيام" هي المستهدفة بالذات من دون الصحف الست الأخريات، لأنها مهنية أولاً، ولأن لها قاعدة قراء واسعة ثانياً، ولأنها، قبل هذا وذاك، جنوبية بامتياز. " الأيام " ليست مجرد صحيفة، ولقد أدركوا ذلك جيداً، وعندئذ لم يكن أمامهم من خيار سوى إيقافها ، وهو قرار استراتيجي بالنسبة لهم، ونفذوه بقسوة مستبدة، سيذكرها التاريخ بمرارة توازي قسوتهم الفاجرة في الخصومة مع الكلمة، والرأي الحر والموقف المغاير المنتصر للمستضعفين بقانون الاستقواء والاستعلاء والاستحواذ. (2) أن تصبح قراءة صحيفة ما طقساً يومياً في حياة أي مجتمع، فذاك يعني أن بينها وبين القراء شيفرة خاصة، ليس من اليسير على غيرها أن تمتلكها إلا بمقدار اقترابها من مهنيتها وديناميتها والتقاطها للنبض الساخن، وتلك خصيصة انمازت بها الأيام، منذ أن كانت، ثم منذ أن عاودت الصدور بعد انقطاع طويل، إلى أن أوقفوها بقوة وتجريم وتخوين( في 4 مايو 2009)!. وأن ينتظر القارئ صحيفة ما، أويتردد على المكتبة أو الكشك، أو يتطلع إلى الموزعين المتجولين في الطرقات سائلاً عنها، أو يضع موقعها على الشبكة في قائمة المفضلة الصباحية، فذاك يعني أنها استهوته، وصارت نافذته التي يطل منها على المشهد، وتلك هي حالة القارئ الجنوبي عامة، ولاسيما في حضرموت، حيث الهوس بالأيام يبلغ مداه، وحيث تُقرأ من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين إلى الوسط، وتكون مدار الأحاديث في المجالس، والقهاوي، والحافلات، وربما المساجد أيضاً. القول ما تقوله "الأيام"، فمصداقيتها عالية في الشارع، ولها نكهة خاصة، فالخبر قد تقرؤه في غيرها، لكنه في "الأيام" مختلف، وإن كان المصدر واحداً، والمقالات في "الأيام" غيرها في سواها، كأن الكتّاب إذ يكتبونها يكتبون بنفس من روحها، يختلف عن أنفاسهم إذ يكتبون لغيرها، إحساسهم ربما بأن للأيام قراءً محترمين، ولذلك غدت الأيام مدرسة صحفية، لا تلقن الدروس تلقيناً، ولكنها تمارس إيحاءها الراقي، على القارئ والكاتب معاً. (3)ومنذ أن غيبت الأيام عن الصدور، دخل الجنوب حالة فراغ صحفي، جاهدت الصحف الأخرى كيما تملأه، لكنها على بذلته من اجتهاد وجد، لم تستطع أن تشغل مقعد "الأيام" الشاغر. وفي ظل ذلك الفراغ خسر الجنوب صوتاً موحداً ممتداً من أدناه إلى أقصاه، فتحقق بذلك هدف استراتيجي لمن خططوا لإسكات صوتها، ولم تكن قوى الجنوب الفاعلة بمستوى التحدي، رغم ما أبدته من مواقف مناصرة، لم ترقَ إلى مستوى الدور الذي تنهض به "الأيام"، وما تؤديه من رسالة سامية، وما تؤصله من موقف واعٍ إزاء القضية الجنوبية العادلة. لقد حاولوا إخراس الصوت العالي، وربما تناهى إليهم أنهم أفلحوا، لكن الحقيقة أن إغلاق " الأيام " ليس إغلاق دكان أو كازينو. إنه إغلاق فتح عليهم أبواب الغضب، وأسقط آخر أوراق التوت التي كانوا يتسترون بها، فباتوا في عراء قبيح، وتلك رسالة أخرى أدتها "الأيام" في زمن الإغلاق بالقوة، لكأنما الرصاص الجبان الذي استهدفها كان إيذاناً بأن زمن السقوط بدأ عدّه التنازلي. (4)" الأيام " ليست مجرد صحيفة. إنها حاضنة وطن، وحاملة رسالة، ولأنها " الأيام " فإن عودتها الآن ضرورة وطنية، وفي سبيلها لا بد من وقفة حاسمة، فاستمرار الإغلاق اعتداء مستمر سافر على الحرية التي تختزل كل القيم الإنسانية الرفيعة، فمن أجل " أيام" حرة، الحرية للأيام.