نظرة عن كثب .. العدو المتربص .. متى نجتثّه من أراضينا : شجرة " السيسبان " .. الخطر الأخضر الذي يهدد حياة البشر نجم المكلا – أحمد عمر باحمادي عندما كنت أذهب إلى الجامعة بالباص يومياً من غيل باوزير إلى المكلا؛ كثيراً ما كنتُ أنظر من نافذة السيارة بغرابة وحيرة إلى أشجار السيسبان المبثوثة في ربوعنا، وأتفكر في غزوها الهادئ وسيرها الحثيث المكتوم وهي تجتاح مساحات شاسعة من أراضينا وتنمو أمام أنظارنا كل ساعة في غفلة من الجميع ودون أن ينتبه لخطورتها أحد . ازداد كُرهي أكثر لهذه الشجرة رغم اكتسائها باللون الأخضر الجميل عندما كنتُ أمر بجسر منطقة شحير لأرى أشلاء تلك الشجرة وقد غطّت بسيقانها الغليظة وأغصانها الملتفة جُدُر وأعمدة الجسر "الهيكل" وتكدست بين جنباته لتسدّ بتواطؤ معه مجرى السيل العظيم الذي اجتاح هذه المنطقة إبان الأمطار الغزيرة في أكتوبر 2008م. لقد سحب السيل في مجراه آلاف أشجار السيسبان ليشكلا معاً غزواً جراراً لا يمكن هزيمته بحال من الأحوال، ولولا لطف الله عز وجل لفاض السيل على مساكن الناس ودمرها وأزهق أرواحاً لا يمكن التنبؤ بعددها ولكنها رحمة الله تعالى التي تغشى البشر حينما يقفون عاجزين عن درء مخاطر الطبيعة التي هي جنديٌّ من جنود المولى عز وجل تأتمر بأمره وتخضع لإرادته المطلقة . تُصنف شجرة السيسبان أو ما يمكن أن تسمى به من اسم آخر وهو " المسكيت" في بعض المصادر بأنها شجرة كثيرة التفرع ذات حجم متوسط، وهي ذات اخضرار دائم، وتنتمي هذه الشجرة إلى عائلة البقوليات . يبلغ طول فروع السيسبان من ستة أمتار عشرة أمتار، وتتميز ثمارها بأنها عبارة عن قرون يختلف طولها حسب النوع، منها نوع يبلغ طول قرونها ( بمثابة ثمارها ) من سنتيمترين إلى ثمانية سنتيمترات وهي ذات لون أصفر، ويعتبر هذا النوع الأكثر انتشاراً في اليمن مع العلم بأن أنواعاً أخرى هي أقل انتشاراً . أشجار "السيسبان" قد يتساءل الكثير منّا عنها، هل هي هدية بريطانيا الغازية إلينا أم هي عذاب من الله تعالى علينا، ولكي نجيب بتجرد عن هذه التساؤلات أو بالأصح نبحث عن المصادر والدراسات التي حاولت الإجابة عنها بتجرد، فينبغي أن نعلم أن بعض تلك المصادر قد أشارت إلى أن ظهورها قد حدث خلال منتصف أو نهاية القرن الثامن عشر الميلادي ، وأن موطنها الأصلي هو جنوب ووسط أمريكا الجنوبية، وقد انتشرت في كل من قارة آسيا وأفريقيا وأستراليا، واجتاحت بكثرة عدة بلدان منها السودان والهند وباكستان وعمان واليمن . وهناك مصادر أخرى رجحت أن ظهور هذه الشجرة في اليمن كان قد حدث في بدايات القرن العشرين، إذ بدأ ظهورها بالقرب من خزانات المياه في عدن وذلك لحمايتها من الزحف الرملي، كما أنها دخلت إلى تهامة في عام 1974م عبر أحد مشاريع منظمة الأغذية والزراعة لاستخدامها كمصدات للرياح وتثبيط زحف الكثبان الرملية، بعد ذلك اتسع انتشارها في المحافظات المجاورة مثل محافظة عدن ولحج والحديدة وأبين وشبوة وحضرموت، كما انتشرت في الهضاب المنخفضة مثل صنعاء وحجة والمحويت . تشير الدراسات إلى أن أشجار "السيسبان" قد تصل في أعدادها إلى مليون ونصف المليون شجرة !! وبحسب الدراسات المحلية الأولية يمكن تقدير المساحة التي تغطيها هذه الأعداد الهائلة بما يقدر بِ ( 24 30 ) ألف هكتار، منها ( 25 ) ألف هكتار في المناطق الساحلية في جنوب اليمن وهي بالطبع قابلة للزيادة من سنة لأخرى، وبإمكان اليمن أن تحصل على ( 12 ) مليون دولار لو أنها استغلت هذه الشجرة وما تحويه من كميات تجارية من قرون "السيسبان"، فمن المعلوم أن دقيق السيسبان الناتج من قرون السيسبان له قبول في الأسواق العالمية، إذ يصل سعر الطن الواحد من دقيق السيسبان في تلك الأسواق إلى ألفي دولار، ففي حال ما إذا استغلت اليمن الكمية الناتجة منه والتي تُقدر ب ( 30 ) طن سنوياً وقامت بتصديرها للخارج، فمن المقرر أن يدر عليها مبلغاً سنوياً يتراوح بين ( 10 12 ) مليون دولار. باعتقادي الشخصي أن عملية استغلال ثمار هذه الشجرة من رابع المستحيلات في هذا البلد الذي يعج بثروات كثيرة في متناول الأيدي ولم تُستغل على الوجه المطلوب، فمن المعروف أن ثروات كثيرة ترزح بها أرضنا الطيبة أو "بقرتهم الحلوب" من بينها الثروة الزراعية والثروة المائية والثروة السمكية والثروة النفطية والثروة البيئية السياحية وغيرها من الثروات التي لا تزال تائهة في أودية الإهمال أو منسية في دهاليز الفساد، فهذه الثروات البارزة لم يُستنفع بها كما ينبغي فكيف نقنع أنفسنا بإمكانية استغلال ثروات أخرى كأشجار السيسبان ؟! ونظراً لذلك حدا بكثير من الأصوات المنادية والخائفة على أرواح مواطنيها إلى مطالبة الدولة بأسرع وقت ممكن ودعوتها السريعة والضرورية إلى مكافحة تلك الشجرة الخبيثة والعمل على إبادتها إبادة كاملة ونهائية لأنها باتت تشكل على الدوام خطراً محدقاً بالبشر والحجر، في حال هطول الأمطار وجريان السيول لتمركز أشجار "السيسبان" في مجاري السيول وامتدادات الأودية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ما يكمن في سرعة نموها وانتشارها الكبير على حساب مساحات الأراضي الزراعية الصالحة وتهديدها الإنتاج الزراعي واستفرادها بالعناصر المغذية الكائنة في التربة إضافة إلى ذلك ما يمكن أن تجنيه البلد في حال ما إذا تم استبدال هذه الشجرة الضارة بأشجار السدر ( العلب ) التي تشكل مراعي جيدة للنحل الذي ينتج العسل الحضرمي الشهير الذي ضربت سمعته في الآفاق .. * نُشر بصحيفة شبام الأربعاء بتاريخ 24 إبريل 2013م