بقلم: د. عبدالقادر علي باعيسى . أسوق هذا المقال بمناسبة أربعينية (فتوى فهد القرني) كما سمتها بعض وسائل الإعلام وبثت على شبكة الانترنت في 8/4/2013م التي قال فيها إن الوحدة تأتي من حيث الأهمية بعد الصلوات الخمس كصلاة سادسة مؤكدا ((أننا سنضحي برؤوسنا من أجلها)). لقد ذكرتني تلك الصلاة حينها ومازالت بصلاة الساعة السادسة مساء عند المسيحيين وهي الساعة التي صلب فيها السيد المسيح وتبدأ مع بداية الظلمة الفلكية والنفسية لديهم بمقتله حسب زعمهم، لتتشارد إلى الذهن حينها ألوان مختلفة من المفاجأة والوحشة .. المفاجأة بهذا التقليد المتوارث للإفتاء (يأتي به أي أحد) والوحشة منه، لم يكن ذلك القول عرضا للتسلية بل دعوة للقتل باحت بها شرايين الكلمات المتفجرة من عروق القرني بتصميم صفق له الحاضرون فازداد استرسالا في مقاله. يقول المسيحيون (النصارى) في صلاتهم الحزينة تلك بعد الاعتداء على عيسى عليه السلام ((ربنا لا تدخلنا في التجربة ولكن نجنا من الشرير)) وامنحنا ((كل أيام حياتنا بكل سلام)) فبين فتوى الصلاة السادسة وصلاة الساعة السادسة تماثل في الرغبة الجامحة في القتل والرد عليها برغبة الخلاص من الأشرار والعيش بسلام. يقول محمود درويش: يا أيها البطل الذي فينا تمهل عش ليلة أخرى لنبلغ آخر العمر المكلل... سنعلم الأعداء تربية الحمام إذا استطعنا أن نعلمهم! (من قصيدة ملهاة النرجس.. مأساة الفضة) لقد كان القرني يدعو إلى صلاته بطريقة عصبية، وكانت عيناه تظلمان في لحظة تصدع حادة للذات تقوده نحو هاوية بعيدة عن الإنسان ستظل تطارده ما عاش. صلاته مليئة بإيقاع الحرب، يحس بعد كل كلمة يقولها بالانفراج والراحة، بينما كان يمتد أثر تلك الصلاة أسود على قلوبنا، فصلاة القرني لا تجري على سنن الصلوات المعروفة في تاريخ الأديان، فكيف ألحقها بصلوات الدين الحنيف الخمس الداعية إلى المحبة والخير، هي صلاة وحشية، كان يعاني من قلق وتقلقل في أثناء الدعوة إليها.. وكانت نغمة صوته حادة وغليظة.. عدوانية وانفجارية، حتى إنه حنى ظهره وهو ينطق بها من شدة هولها حتى عليه.. ما هكذا تجيء الصلوات، وما هكذا تصاغ نغمات الفنانين يا قرني، لعلك تتذكر صورة اللحم تقليه النار، وتتذكر الشبق الذي يداخلك عادة للالتهام والتلذذ الحلال، فهل يتطور هذا الشبق إلى لحم آخر ونار أخرى، كما تتطور صلاتك إلى صلاة أخرى وفقا وبراءة اختراعك. لا أدري إن كنت قرأت قول محمود درويش من قصيدته الرمزية تلك (ملهاة النرجس.. مأساة الفضة): عاد المسيح إلى العشاء ومريم عادت إليه وفي الممرات استعدوا للحصار نياقهم عطشت وقد حلبوا السراب حلبوا السراب ليشربوا لبن النبوءة من مخيلة الجنوب. تقدم صلاة القرني نفسها واحدة من أدوات البطش معبرة عن روح عدوانية هي جزء من تراجيديا يومية بالغة التنوع والتعسف تمارس يوميا على أناس عزل من السلاح ومقهورين أملا في أن تصل إلى ذروتها العليا بالحرب...