(الوتر السادس) بقلم: د. عبدالقادر علي باعيسى لا ينطلق مبدعونا الشباب (المخترعون منهم تحديدا) من فراغ ولا يعيشون في عزلة عن واقع النشاط العلمي القرائي والبحثي ماداموا ينفتحون على فضاء الانترنت ومستجدات الكتب والمجلات العلمية، فضلا عن تبادل الأفكار والخبرات في ما بينهم. لقد أخذ إبداع الشباب في حضرموت في الخمس السنوات الأخيرة يتوزع على أكثر من منحى إبداعي لا سيما العلمي منها، ولهم حضورهم على مختلف المستويات الرسمية وشبه الرسمية الإقليمية والعالمية، حتى إنهم مثلوا الدولة أو قدموا صورة مشرفة عن الدولة التي لم تكن تعلم عنهم شيئا ولا عن إبداعاتهم، ولم تكن تدفع بهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم تعمل على تنمية قدراتهم والاهتمام بهم حتى بعد أن شهروا، إن لم تكن تسهم في عرقلتهم بشكل أو بآخر من جراء عدم توفير ما يستدعي تنشيط إبداعاتهم (اختراعاتهم تحديدا) وتنميتها حتى لا يتكئوا على جيوبهم في كل مرة، أو يتطلبوا الإحسان من أهل الإحسان، غير أن المبدعين الشباب يستغنون عن هذا كله بالتفاعل الحثيث في ما بينهم والتواصل مع مواطن الإبداع جهدا وسهرا وتفكيرا متواصلا مما يغنيهم عن شأن الدولة هذا أو يلهيهم عنه ويجعلهم ملتفتين إلى إبداعهم أولا وأخيرا، الدولة التي لا تفعل أكثر من تكريمهم في احتفالات رسمية أو شبه رسمية للإعلاء من شأن نفسها قبل الإعلاء من شأنهم حين تعلن –مجرد الإعلان فقط- أنها ترعى المبدعين والموهوبين. أما المبدعون في المجال الأدبي والإنساني عامة فلا يلتفت إليهم أحد كأنما كتب عليهم الشقاء الأبدي كما كتب على أسلافهم من قبل منذ الإغريق حتى آخر قصيدة كتبت، وفي كل مرة لا أظن هؤلاء المبدعين أيا كانوا يخطئون أهدافهم، فهم وإن تحدثوا عن همومهم وشرحوها يظلون في شوق عارم إلى إنجاز ما هو أبدع وأبهى وذلك بلسمهم الجميل المتصل بدواخلهم الذي لا يدركه أولئك المسؤولون المهتمون ببريق الكاميرات ووسائل الإعلام والتزويق الخبري الخادع كأن الأمر انتهى بهم إلى هنا، وهو بالنسبة إليهم انتهى فعلا إلى هنا. يتنامى الإبداع في وجدان الشباب وعقولهم مندفعين وراء عدد من الاستجابات أولها (الاستجابة الوطنية) التي لا يدركها أولئك المسؤولون إلا من باب أنهم أمراء على الوطن الذي ينظرون إليه على أنه مؤجر لخدمتهم، وهي استجابة عميقة تتمثل في حضور الوطن في أعماق المبدعين كوجد خاص كأنه هُم. وثانيها (الاستجابة الإبداعية) التي تعززت بالاستجابة الوطنية واندفعت بها. وعليه فإن إبداعهم ليس تلقائيا ولا عابرا سواء في خطواته العملية أو في غاياته السامية تدفع به قلوب صادقة من الذات إلى الوطن، أو من الذات الصغيرة إلى الذات الكبيرة حيث لا فرق بينهما، ولذلك نحبهم جميعا لأنهم جزء منا، يجمعنا وإياهم قاسم الوطن الحبيب، ويحتوينا وإياهم والوطن قلب واحد. هذا الفهم للإبداع جرت عليه أجيال كثيرة رغبة في إثبات الذات وإثبات الوطن في التاريخ على حد سواء من خلال صفات مائزة يتم الافتخار بها، هي صفة الإنسان- الوطن المشتبكان معا.