لا ترتقي أي امة بدون علم، ولا يسود أي مجتمع إلا باحترام العلم والعلماء والباحثين. والعالم من حولنا يؤكد إن الشعوب التي ارتقت ونافست باقتدار وتميزت إنما هي شعوب سخرت جل مواردها للعلم والبحث العلمي في كل المجالات ولذا كتب لها التمكين.. فالعالم اليوم ليس فيه مكان لجاهل أو بدون علم. أي متناول لموضوع البحث العلمي في البلاد العربية يصاب باليأس والإحباط لوجود أرقام متدنية متعلقة بالمخصص المالي لميزانيات التعليم أو عدد البحوث والجامعات، ونوعية تلك البحوث والجامعات. كل ذلك نتيجة حالة الإقصاء التي تمارس ضد الجامعات في الوطن العربي ودورها في تنمية المجتمع. أو ربما عدم اهتمام بذلك الدور أو تناسيا له.. فالجامعات تعمل بمعزل عن واقعها، بل ليس لها صلة بالواقع إلا في ما ندر، وفي مواضيع لا تمت للإنتاج بصلة. وهذا نتاج طبيعي لتلك الفجوة الحاصلة، والفرقة الحادة بين الجامعات والمجتمع. تحولت الجامعات في نظر العربي إلى صرح ديكوري ومفخرة للتباهي والإشادة أكثر منها صرح علمي يقود تنمية المجتمع، بينما في بلاد الغرب تمثل الجامعة مستودع الإنتاج الفكري الأول الذي يستمد منه المجتمع بكل شرائحه مخرجات العقل البشري. هناك تتنافس الدول في استقطاب العقول العلمية والعملية من خلال توفير أرضية بحثية ومعدات ومعامل لإخراج الجديد في كل فن. لذا نسمع ونقرأ عن ميزانيات ضخمة تخصص للبحث العلمي. ربما وضعنا البحثي في اليمن لا يختلف كثيرا عن وضع دولنا العربية الأخرى- إن لم يكن أكثر تواضعا وبدائية.. سمعنا كلام مشجع عن البحث العلمي في اليمن من خلال تصريح الأخ نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي والذي صرح بأنه لابد من إيجاد ميزانية خاصة الدراسات والبحوث العلمية. كما أفاد الأخ وزير التعليم العالي الدكتور صالح باصرة بان الجامعات تحولت إلى مكائن تلقين. لتطبيق ما جاء- في كلمة الأخ نائب الرئيس والأخ وزير التعليم العالي- على ارض الواقع فانه لابد من دور عملي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي حتى نخرج من حال الركود- جامعات مفرغة من محتواها- الذي أصاب التعليم العالي في اليمن. نتمنى من وزارة التعليم العالي تخصيص إدارة تتبعها أو تتبع مؤسسات البحث العلمي تعنى بمعرفة مخرجات الجامعات اليمنية البحثية وتكون مهمتها الرئيسية "الارتقاء بمفهوم إنتاجية التعليم العالي" وربط مخرجات التعليم العالي بالمؤسسات العاملة في القطاعين الخاص والعام والعمل على فتح علاقة بين القطاعين العام والخاص على أساس قائم من البحث العلمي والعملي المشترك في اليمن. وفي هذا الصدد يمكن على سبيل الحصر ذكر شي من تلك المهام. التحرر من مفهوم قتل البحوث العلمية البحوث العلمية في الجامعات اليمنية كثيرة لكنها أما موضوعة على الأرفف للنظر إليها كما هو حاصل في مكتبة جامعة صنعاء وعدن وغيرها أو أن هذه البحوث تنتظر الأجل المحتوم لتأكلها دودة الأرض. عليه لابد من انشاء فكرة "تحرر البحوث" للانطلاق والتطبيق حتى تأخذ دورها في واقع اليمن الإنتاجي والمعرفي. فكل بحث لديه فكرة وجب تقويمها وتنظيمها وتوزيعها على القطاع الخاص أو العام للاستفادة منها مع التأكيد على إيجاد آلية لإمكانية تطبيق أي منها لأي جهة يمنية كون والباحثين ما يزالون أحياء. معرفة احتياجات المجتمع الفعلية إننا نعيش في عالم متجدد ومتغير من حولنا فلابد من رفد المجتمع بكل البحوث العلمية الجديدة والمقدمة من طلاب الجامعات اليمنية المختلفة وفي كل المجالات. ربما موضوع إرسال الطلاب اليمنيين للدراسة في الخارج موضوع مخطط له حسب استراتيجيات الجامعات اليمنية وحاجتها في شتى التخصصات. وفي هذا الصدد ولأجل تعظيم المنفعة للمجتمع، كيف نربط هذه البحوث والدراسات- الخاصة بهؤلاء الطلاب- لتصب في إنتاج المجتمع مباشرة. لذا وفي المدى القريب لابد من معرفة احتياجات المؤسسات اليمنية في القطاعين الخاص والعام ومحاولة رفدها بالموارد البحثية والتي سوف تسهم في إيجاد علاقة متبادلة بين مؤسسات البحث العلمي والواقع الإنتاجي. نتيجة لذلك سوف ينشأ في المدى الطويل التجديد التلقائي للعملية الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام والتي تتسم حاليا بالروتينية وعدم القدرة على المنافسة، بل انه سوف يتم رفد المجتمع بأفكار متجددة تزيل الفجوة الحاصلة بيننا وبين تلك المجتمعات التي تعيش وضع بحثي وإنتاجي متقدم. وفي هذه المرحلة المتقدمة سوف تنشأ علاقات بينية مباشرة بين القطاعين الخاص والعام على كل المستويات لإحداث ثورة إنتاجية منافسة في السوق العملي في كل المجالات قائمة على أساس الإيمان بالبحث العلمي واحترامه ودعمه. وقبل هذا وذاك لابد علينا من غربلة مخرجات التعليم العالي السابقة والحالية، مع الحث على التخطيط المستقبلي له بموجب احتياجاتنا التنموية، والسير قدما في ذلك كونه المخرج الوحيد للرقي والتقدم.