موضوع اليوم هو موضوع سياسي فني، ففي ظل التدهور الفني الحاصل في هذه الأيام، هبط الفن إلى المستوى الدنيء للسياسة!! قد يكون من المستغرب في بلداننا العربية أن يعمل الفنان في مجال السياسة، وقد يكون من أهم الأسباب لذلك أن الفنان لا يريد أن (يؤطر) نفسه في إطار معين، فيكون محسوباً على فئة دون أخرى، ومما يدل على ذلك أنهم لا يمانعون إطلاقاً في المشاركة بأي عمل سياسي إذا كان مؤيدو هذا الفئة السياسية هم الغالبية، فإذا أخذنا مصر على سبيل المثال، فإن سيدة الشرق أم كلثوم، أو العندليب عبدالحليم حافظ لم يترددا ثانية في المشاركة في العديد من الأعمال الوطنية بدافع (محو آثار النكسة، ورفع الروح المعنوية) لدى الشعب المصري بل والعربي، وبغض النظر عن إيمانهم بهذا الدافع من عدمه فإن المشاركة في هذه الأعمال الوطنية لن تؤثر سلباً على شعبيتهم وجماهيريتهم لأنها أعمال (متفق عليها) وليس هناك من يعارضها إلا فئة قليلة جداً لا تدخل في الحساب. أما عالمياً فالأمر مختلف، فكثير من الفنانين والمشاهير يقفون مواقف حادة وجادة دفاعاً عما يؤمنون به حتى لو أدى ذلك إلى محاربتهم أو التقليل من شعبيتهم، فالكاتب والمخرج الأمريكي مايكل مور، أظهر في كثير من كتبه وأفلامه، عدم رضاه بل وسخطه على إدارة بوش، ولن ينسى جمهوره عندما استلم جائزة الأوسكار وهتف صائحاً: (العار عليك يا بوش)! وكذلك الأمر مع (جورج كلوني) المعروف ب(أكثر الرجال جاذبية) والذي قام بدور (باتمان) أو (الرجل الوطواط) في فيلم (باتمان آند روبن)، والذي اشتهر بموقفه (المتطرف) ضد الحرب على العراق، واعتبر سكوت الديمقراطيين عن الحرب على العراق (خيانة) للشعب الأمريكي. وعلى الجانب الآخر نجد (آرنولد شوارزنغر) وهو من أشهر أبطال أفلام الحركة، والذي شاءت الصدف أن يمثل أمام (جورج كلوني) في فيلم (باتمان آند روبن) لكنه على عكس (كلوني) من الناشطين في الحزب الجمهوري وأصبح مؤخراً حاكماً لولاية (كاليفورنيا)!! وطبعاً لا تخلو الساحة العربية من فنانين عرب ذوي ميول ونشاط سياسي، فمنهم على سبيل المثال الممثل المصري الكبير عبدالعزيز مخيون، المعروف بمواقفه المعارضة، والممثل السوري عبدالحكيم قطيفان الذي قضى فترة طويلة في المعتقل ما بين 1983 حتى 1991!! إن دور الفنان في السياسة دور كبير ومهم، إلا أن شعبية بعض الفنانين تزيد من مسئوليتهم في اختيار مواقفهم بدقة بالغة، وكلما ازدادت شعبية الفنان ازداد عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه. كل ما مضى كان مجرد تمهيد للخوض في الموضوع الأساسي، فالفنان اليمني المبدع والمحبوب (عبود خواجه) فاجأ جمهوره بما سمي (أوبريت الجنوب) الذي ورط (عبود) نفسه بغنائه له في تهمة بشعة لا تمحيها الأيام والسنون ألا وهي (تهمة الانفصال)! وعند قراءتي لنص الأوبريت وجدت أنه لو تعدلت فيه بعض الجمل لكان بالإمكان أن يكون له نفس القوة والتأثير دون الخوض في (الانفصال). إن معارضتي للانفصال لا تعني بتاتاً أنني راضٍ عن الوضع الحالي، فقد تعودنا أن نؤطر بعضنا في إطار المع أو الضد، دون إتاحة الفرصة لاتخاذ مواقف أكثر عقلانية تقع في المساحة الواسعة بين المع والضد، فعودة إلى أوبريت الجنوب، أعتقد برأيي المتواضع أن الأوبريت كان سينتشر بسرعة رهيبة وكاسحة لو حذفت أو عدلت فيه بعض الجمل الداعية (للفراق)، لأن الظلم الواقع في اليمن يحس به كل مواطن يمني من الحديدة حتى المهرة إلا الحاكم وأعوانه ومن رضي عنهم!! إن الوطن ملك لنا لا لهم، و(هم) هنا تعني الحاكمين الحاليين، فمهما طال بهم الزمن أو قصر فهم زائلون لا محالة ولا شك، أما اليمن فسيبقى –إن شاء الله- إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فلذلك نتمنى من فناننا القدير أن ينأى بنفسه عن السقوط في زلة (الانفصال) الغبية، وليحارب (الفساد) كما شاء في أغانيه ونحن معه نؤيده ونؤازره ونستمع إليه في طرب واستمتاع. وأخيراً أهدي فناننا العزيز هذه الأبيات التي تعتب عليه بسبب حبنا له، ولو لم نكن نكن له الحب والتقدير لما كلفنا أنفسنا عناء النصح، وكما يقول أخواننا في بلاد الشام: (العتب على قدر المحبة). حب الوطن يا خواجه بالعقل والقلب والروح ما تشتريه او تبيعه في السوق صاحي ومذبوح ما هو تبيعك تبيعه ولا خروف او دجاجه عبود خلي السماجه * * * * * * * * مهما تكتم غرامك حب الوطن دوم مفضوح يظهر بوجهك وجسمك والصوت ذي صار مبحوح مهما تداريه يظهر والطب أعيا علاجه عبود خلي السماجه * * * * * * * * حب الوطن شي مقدس والأصل في حبه البوح ما فيه باطن وظاهر مسموح أو غير مسموح واضح وما هو مغطى دغري وما به عواجه عبود خلي السماجه * * * * * * * * مهما يطوّل ظلامك يا ظلم لك يوم بتروح ويعود كلّ لداره ويشتفي كل مجروح ما يمكن الليل يبقى والكل حامل سراجه عبود خلي السماجه * * * * * * * * حب الوطن حب شعبي في كل موجوع مطروح ما يفهموه السلاطين حتى ولو كان مشروح ما يفهمه غير عاشق حب الوطن صار تاجه عبود خلي السماجه * * * * * * * * [email protected]